تحديد تحرك المرأة
موقع فاطمة
منذ 8 سنواتخلود الحياة الزوجية :
إن الذي يعيش مع طرف ما، أو مع صديق ما، وكانت فترة الارتباط فترة زمنية
مؤقتة، فمن الطبيعي أن الانسجام يتناسب مع هذه الفترة الزمنية.. مثلاً: لو أن إنساناً يعيش مع زميل له في دائرة العمل، وهو يعلم أن هذه الزمالة أو هذه الرابطة محددة بسنوات؛ فإنه لا شعورياً وتلقائياً يرتب علاقاته بحسب السنوات التي يعاشر فيها الشخص.. ولهذا نحن في الطائرة أو في القطار -مثلاً- عندما نتعرف على إنسان بجانبنا، فإننا نعطي له من الاهتمام والأهمية والعطف، بمقدار ما تستحقه طبيعة المعاملة.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحياة الزوجية.. لو أن الإنسان في باله أن يعيش مع زوجته سنوات من الحياة الدنيا، فمن الطبيعي أن يتعامل معها عاطفياً بنسبة متناسبة طرداً وسلباً مع هذه الفترة.. ومن هنا فالماديون -الذين يقولون: لا يهلكنا إلا الدهر- يعيشون هذه الحالة من الحياة المؤقتة، ويلتفتون إلى المرأة مادامت تعيش زهرة شبابها، وغاية تصوراتهم في هذه الحياة الدنيا، أن هذه العلاقة تستمر إلى ما قبل الممات.. ولكن المؤمن يرى بأن العلاقة بينه وبين الزوجة علاقة أبدية لا تنتهي، وإذا كانت الزوجة صالحة، فإن هذه العلاقة تستمر إلى أبد الآبدين.. قال رسول الله (ص): (ما من أهل بيت يدخل واحد منهم الجنة إلا دخلوا أجمعين الجنة، قيل: وكيف ذلك؟.. قال: يشفع فيهم فيُشفّع حتى يبقى الخادم، فيقول: يارب!.. خويدمتي قد كانت تقيني الحرّ والقرّ، فيُشفّع فيها).. إن المؤمن عندما يدخل الجنة كأنه لا يتحمل أن يعيش حياة منفردة، فيشفع لمن حوله، إلى أن يصل الأمر إلى أنه يحب أن تكون خويدمته أيضاً في كنفه في الجنة.. ومن نعيم الجنة الذي يصوره القرآن الكريم، هو الحالة الاجتماعية في الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}.
ومن هنا فإن الذي يحاول أن يُصّعد بمستوى الزوجة إلى مرحلة الكمال، فإن هذا مما يجعل الزوجة شريكة عمر للإنسان إلى أبد الآبدين.. ومن المرغبات أيضاً، لأن يكون الرجل ممن يحسن أخلاقه مع الزوجة حتى يصل لهذه الدرجة -كما في بعض الروايات-: أن المرأة إذا تزوجت رجلين، فإنها يوم القيامة تُعطى لأحسنهما خلقاً كان معها في الدنيا.. قالت أم حبيبة لرسول الله (ص): أرأيت المرأة يكون لها زوجان في الدنيا، فتموت ويموتان ويدخلون الجنة، لأيهما هي تكون؟.. قال: (لأحسنهما خلقاً كان عندها في الدنيا.. يا أم حبيبة، ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة).. قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ}.. يفهم من هذه الآية: أنه هذه الجنات ممنوحة لهذه الحالة الاجتماعية: من الآباء والأزواج والذريات..
وفي آية أخرى يقول تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}.. إن كلمة {أَلْحَقْنَا} تُشعر بشيء من التفضل في هذا المجال.. كأنه وإن كانت طبيعة الأمور قد لا تستوجب ذلك، أي كان الرجل في مستوى إيماني متفوق، والزوجة في مستوى إيماني يهيئ لها دخول الجنة في مرتبة أقل وأدنى، فإن مقتضى اللطف والكرامة الإلهية أن يجمع رب العالمين بين الزوجين في تلك العوالم المباركة.. وهذا أيضاً من موجبات المسارعة في هذا المجال.. فالمرأة لا ينبغي أن تغار على زوجها إذا ارتقى في الإيمان؛ لأن الزوج إذا ارتقى في الإيمان درجة؛ فإن هذا الارتقاء سيظهر أثره في ذلك العالم من ناحية، ومن ناحية أخرى تكون الزوجة هي التي تجني ثمار هذه العلاقة المقدسة أيضاً في الحياة الدنيا.
مباركة الحق للحياة الزوجية :
إننا لا ننكر بأن الله عزوجل فوض إلينا الأمور، بمعنى أن رب العزة والجلال بناؤه على أن لا يتدخل في شؤون الخلق بالعنوان الأولي، وإلا إذا تدخل سلباً أو إيجاباً، فمن الممكن أن العبد يوم القيامة يتذرع بذلك.. ولكن لا يمكن أن ننفي أثر المباركة، وهو أن الله عزوجل يسوق العبد ولو إلقاءً في الروع.. ومن هنا نلاحظ إن الإنسان قد تُفتح له بعض الأوقات آفاق من الأفكار الجديدة البديعة، وهذه الأفكار تكون مدعاة للتحرك في الحياة.. مثلاً: إنسان يُلقى في روعه أن يذهب إلى بلد معين للرزق، ويحبب إليه هذه الهجرة أو هذه السفرة، وعندما يذهب إلى تلك البلاد تنفتح له آفاق لم يكن يتوقعها من قبل.. من الذي حبب إليه هذا العمل؟.. ومن الذي ذكره بهذا العمل؟.. وقد يكون الإنسان بعض الأوقات ساهياً عن بعض الأمور، ولكنه فجأة يتذكر أمراً من الأمور.. إن هذه الأمور من ناحية لا تنافي الاختيار؛ فالعبد لا يمكن أن يقول بأن رب العالمين ألزمه بشيء، ولكن في الوقت نفسه فإن رب العالمين يغير مجرى حياة العبد، من خلال هذه الإلهامات اللامتوقعة، وهذه التوجيهات التي لم تكن في الحسبان.
ولهذا يلزم التعويل على مباركة الله عزوجل، كما نرى بالنسبة إلى نبي الله عيسى (ع)، حيث يقول: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}.. ومن مصاديق المباركة هو ما جرى لسيدتنا فاطمة، وكذلك لمريم (ع)، إذ نلاحظ بأن الله عزوجل -كما هو في القرآن الكريم- كيف هيأ لها أسباب التوفيق والتكامل.. ومن المعلوم بأنه في عالم التربية والسير السلوكي، لابد مبدئياً من اتحاد الجنسين، فليس من المرغوب مبدئياً أن يكون للرجل دور مباشر، أو قرب فوق العادة بالنسبة إلى الجنس الآخر، لأن العلماء عادة ينصحون بمسألة الابتعاد بين الجنسين ما أمكن الأمر، حتى لو كانت العلاقة علاقة علمية.. ولكن نلاحظ في قصة مريم (ع) بأن الله سبحانه وتعالى بعث لها نبياً من الأنبياء وهو زكريا (ع)، وهو رجل أجنبي عن مريم (ع)، ولكن الله عزوجل أراد أن يكَّمل مريم (ع) من خلال هذا النبي العظيم، يقول تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}، كما نلاحظ أنه أسند الكفالة والإنبات إلى نفسه.
فالدرس العملي من هذه الآية الكريمة: أنه على الإنسان أن يسأل رب العالمين دائماً، أن لا يرفع نظرته المباركة عن هذا العش الزوجي طرفة عين أبداً، إذ لو أوكل الأمر إليهم، لانقلبت الأمور رأساً على عقب.. ومن هنا نلاحظ أن أحد الزوجين عندما يرتكب بعض المحارم، وإذا بسير الحياة ينقلب أو ينحرف عما كان عليه.. ومن آثار ذلك أيضاً: حالة الابتعاد النفسي عن بعضهما البعض، وفي حالات كثيرة لا يعلم ما هو السبب لهذا الابتعاد النفسي.. وبتعبير بعض الأخوة والأخوات: الطلاق النفسي أو الطلاق العاطفي.. تعبير جميل!.. هناك طلاق فقهي، وهناك طلاق عاطفي نفسي.. قد يكون الزوجان زوجين، ولكنهما مطلقان عاطفياً ونفسياً، وقد يكون هذا أسوأ من الطلاق الفقهي، لأن في الطلاق الفقهي الإنسان لا يرى أمامه وجوداً متوتراً، أو وجوداً مثيراً، بينما في الطلاق العاطفي يرى أمام عينه وجوداً يثير غضبه وغيظه بشكل دائم.
وهذه المباركة يمكن أن يعتمد عليها الإنسان في مختلف ظروف الحياة، حتى في جو الخلاف والنزاع، كما نلاحظ في قوله تعالى: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا}.. أي أن الزوجين المتشاكسين، إذا أرادا الإصلاح، فإن الله عزوجل يوفق بينهما، بمعنى أنه يتدخل في تقريب القلبين، فهو الذي جعل المودة، ثم سلبت هذه المودة بسوء التصرف، وإذا بالله سبحانه وتعالى -لطفاً بهذا العبد أو بالعبدين- يرجع لهما هذه الحالة التي سلبت، من خلال خلافهما مع بعضهما البعض.
الوصف الإيماني لا الشخصي :
إن من الضروري أن ينظر كل من الزوجين إلى الطرف الآخر، بوصفه الإيماني لا بوصفه الشخصي.. بمعنى أن الزوجة لها هويتها الذاتية: هي بنت فلان، ومن بلدة فلان، وتاريخ ولادتها التاريخ الفلاني... أي لها هوية ذاتية، ولها صفة إيمانية، تمثل حالة العبودية لله عزوجل، وتمثل حالة التسليم بالمعنى، بأدنى درجات الإسلام.. ومن المعلوم أن النبي (ص) كان يقبل إسلام المسلمين، الذين يشك في إسلامهم أحيانا، وذلك لأنهم أسلموا خوفاً من بعض الأمور، أو طمعاً في بعض الأمور.. ولكنا كلفنا أن نقبل إسلام المتشهد بالشهادتين، ليُحقَن بذلك دمه وعرضه وماله.
فإذن، إن المرأة في العش الزوجي لها وصف إيماني، وكذلك الرجل؛ لذا ينبغي أن لا ننسى هذا الوصف.. لأن تكرار التعامل والعلاقة الرتيبة، والعيش سنوات طويلة، مما يذيب هذه العلاقة.. ومن هنا ينبغي أنه إذا جاء الرجل إلى المنزل، أن تنظر إليه الزوجة إلى أنه عبد من عباد الله.. وكذلك إذا دخلت المرأة المنزل، فلينظر إليها الزوج -بالإضافة إلى علاقة الزوجية- إلى علاقة العبودية مع رب العالمين.. أنت علاقتك مع هذه الزوجة علاقة مستحدثة، هذه العلاقة وجدت بالعقد، ويمكن أن تنفسخ بالطلاق، ولكن علاقتها مع رب العالمين علاقة الخالقية، وعلاقة الرازقية، وعلاقة إليه المصير: {إنا لله وإنا إليه راجعون}.. فإذن، علاقتها بالله عزوجل أمتن وأقوى، وأكثر بعداً، وأكثر دواماً وبقاء!.. بل لا تقاس مع علاقة الزوجية.
ولكن -مع الأسف- يلاحظ عند البعض حالة الاثنينية في التعامل!.. ففي داخل المنزل تراه لا يُكلم، وأما في الخارج فإنه يحاول أن يطبق ما ورد في الروايات عن حقوق المؤمنين، والحث على حسن التعامل، وإدخال السرور على قلب المؤمن!.. وكأن الإنسان لا شعورياً يعتقد بأن روايات إدخال السرور على قلب المؤمن، لا تنظر إلى الزوجة!.. ومن المعلوم أن هذه التعابير في روايات أهل البيت (ع) تعابير مطلقة، وتشمل الزوجين، بل أنه في بعض الحالات ينبغي تقديم الأرحام.. كما نلاحظ -في بعض الروايات- تقديم الأرحام على غير الأرحام في الصدقة المستحبة.. فالرحم يقدم على غير الرحم في هذا المجال.
تحديد تحرك المرأة :
إن المرأة عندما يراد لها الحياة الزوجية المستقرة، فإنه من الأفضل لها أن تكون متقيدة في تحركاتها.. ونحن من خلال الاستقراء والدراسة، لاحظنا بأن من عوامل الخلاف الزوجي، مسألة تشبع ذهن الرجل بصور النساء.. فالرجل الذي يتعامل مع العنصر النسائي في دائرة الجامعة أو الوظيفة، يكون في ذهنه كم هائل وكبير من صور النساء، ولا شك أن زوجة الإنسان لا تمثل قمة الجمال في عالم النساء، وبالتالي نلاحظ أنه عندما يرجع إلى المنزل، وينظر إلى زوجته، تكون هنالك حركة لا شعورية من المقارنة.. إن الرجل الذي يكثر من النظر للأجنبيات حتى بغير شهوة، والمرأة التي تكثر من المزاح والحديث والتعامل مع الرجال الأجانب ولو من دون ريبة؛ ليلتفتا معاً إلى أن هذا التعامل اللصيق بالجنس الآخر، يوجب لا شعورياً حالة القياس اللاشعوري.. إذا قارن الرجل في عالم الذهن بين الزوجة وبين النساء الأخريات، وحكم في نفسه على أن النساء الأخريات أكثر جمالاً، وأكثر ثقافة، وأكثر جاذبية؛ فإنه من الطبيعي عندما يدخل الجو المنزلي، يعيش حالة من حالات النفور الطبيعي تجاه زوجته.. وكذلك الزوجة التي تذهب صباحاً إلى المساء، وتتعامل مع مختلف صنوف الرجال، فإنها تنظر إلى الزوج على أنه رجل من الرجال، ولا ترى فيه ذلك الوجود المميز.
وهذه حقيقة يعترف بها الرجال الذين جربوا هذه الناحية، وهي: أن الزوجة قبل أن تعيش الاحتكاك مع عالم الرجال تكون أقرب للفطرة، وأقرب للسلامة الروحية، وأقرب للبراءة، وللجو الأنثوي المطلوب.. وبمجرد أن تخرج من المنزل وتعاشر الرجال، فإن الرجل يلاحظ بأن هنالك تغيرا طرأ على طباع المرأة، مما يوجب وجود بذرة للخلاف في هذا المجال.
نحن ندعو النساء إلى عدم الاحتكاك بعالم الرجال وكذلك العكس؛ ولكن قد تضطر المرأة، كأن تقع في ظروف قاهرة تجعلها تتعامل مع مجتمع الرجال، فإن كان الأمر ولابد، فلابد من ملاحظة الموازين.. أي أن الإنسان إذا جاز له مثلاً أكل الميتة، فإنه يأكل بالمقدار الذي يسد رمقه.. فبما أن هذه الحركة حركة غير طبيعية، فلابد من العمل بها بمقدار يفي بالغرض، ويسقط التكليف، وأما أكثر من ذلك فغير مطلوب قطعاً.. فلتتأس المؤمنة بمولاتنا فاطمة (ع) التي تقول: (خير للمرأة أن لا ترى الرجال، وأن لا يراها الرجال)، فهذه هي الحالة الطبيعية.. وقد ورد عن الرسول الأكرم (ص): (ما اختلى رجل بامرأة، إلا كان ثالثهما الشيطان)؛ إن الشيطان لا يدع يده عنهما إلا بإيقاعهما في درجة من درجات الرذيلة والمنكر.. ولهذا فإن العاقل من يجنب نفسه ذلك، ولا يضع نفسه في مثل هذه المواضع!..
التعلیقات