المجتمع السعيد
السید حيدر الجلالي
منذ 6 سنواتإنّ الله تبارك وتعالى جعل في الإنسان كرامة، ألا وهي وجود هدفٍ في حياته إيجابيةً كانت أو سلبيةً. فالإنسان عند فعله أي شيء ينظر إلى ذلك الهدف ويُبرمج طريقة حياته على أساس ذلك.
إنّ الهدف مِن حياة الإنسان هو تشكيل عائلةٍ سليمةٍ وسعيدةٍ، بعيدة عن المشاكل والصعوبات، فيختار الزوجة المناسبة لبدء حياةٍ زوجيةٍ بالصفات المذكورة.
الركن الأساسي لتلك العائلة هي الأمّ التي تحمل الطفل في أحشاءها، وتغذيه، وتتكلم وتستأنس معه تسعة أشهر، وبعد ولادته وقبل دخوله في المجتمع يصرف الطفل معها غالب أوقاته، فلها التأثير الأكبر في تربيته وتشكيل شخصيته وتعليمه وسلوكه؛ لأنّه كما قال النبي (صلى الله عليه وآله): " کُلُّ مَوْلوُدٍ یوُلَدُ عَلَی الْفِطْرَةِ "،(1) فجميع التأثيرات والتغييرات الحاصلة في الطفل تحصل بعد ولادته، فلو كان لهذه الأمّ التي يأخذ الطفل كل ما لديه منها هدفاً معيناً، ينتقل هذا الهدف إلى الطفل، وبعد دخوله إلى المجتمع، ينقل هذا الهدف إلى المجتمع. ولو كان هذا الهدف صحيحاً وبنّاءاً، سيقع المجتمع في الطريق الصحيح، ويسير على سكّة النّجاح والتّوفيق.
أمّا ما هي الأهداف الصادرة من الأمّ التي توصل المجتمع في نهاية المطاف إلى التقدّم والازدهار؟
في بدء الأمر على الأمّ أن تدرك بأنّها حين الحمل وبعد ولادة الطفل تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه رعاية الطفل وتربيته وحمايته وتعليمه وجميع الأمور سواء المادّية منها والمعنوية، ومن ثمّ تتوجه إليها باقي المهام لتجعلها أهدافاً لحياة الطفل، وبعد أن تتجاوز الأمّ هذه المرحلة الصعبة والمستعصية، ينبغي لها أن تنتبه إلى الأهداف الأخرى التي تشمل مختلف جوانب الحياة، وأن تأخذها بعين الاعتبار منها:
-
الجانب التربوي: الطفل كما يحتاج إلى الحصول على التعاليم الدينية كذلك يحتاج إلى أن يمضي طفولته، ويشعر بهذه الفترة من حياته كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): " الغُلامُ یلْعَبُ سَبْعَ سِنینَ "؛(2) لأنّها من أهم فترات حياة الإنسان، فمسؤولية هذا الأمر على عاتق الأمّ.
-
الجانب الأخلاقي: الأخلاق والأدب هما من أهمّ الأمور في تكوين شخصية الإنسان، وأنهما لا يُعوّضان بشيء وأنّهما لا يمحوان أبداً؛ لأنهما يعودان إلى فطرة الإنسان وبحاجة إلى إلى تدريب، وفي تبيين أهمّية هذا الأمر يكفي قول النبي (صلى الله عليه وآله): " إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَکَارِمَ الْأَخْلَاقِ.(3) كذلك الطفل الذي هو الأساس في بناء المجتمع السليم والنامي لابد أن يسير هذا الطريق والذي يمهّد الطريق إليه هي الأمّ التي قال أبوعبدالله عنها (عليه السلام): " خَیرُ ما وَرِّثَ الآباءُ الأبْناءَ الأدبُ.(4)
-
الجانب الديني: قال النبي (صلى الله عليه وآله): " الغُلامُ یلْعَبُ سَبْعَ سِنینَ، وَیتَعَلَّمُ الْکتابَ سَبْعَ سِنینَ، وَیتَعَلَّمُ الْحَلالَ وَالحَرامَ سَبْعَ سِنینَ ".(5) فالنبي (صلى الله عليه وآله) بعد مراعاة الجانب التربوي والأخلاقي للطفل يذهب إلى الجانب الديني، فهذا الأمر يدل على أنّه لابد من مراعاة الجانبين التربوي والأخلاقي وتطوّر الطفل في هذين الجانبين، ثمّ التحول إلى تزويد الطفل بالمعلومات الدينية التي لها توقيت خاص؛ لكي يستطيع الطفل استيعابها.
-
الجانب العاطفي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: ما قَبَّلتُ صَبِيّا قَطُّ، فلَمّا ولَّى، قالَ: هذا رجُلٌ عِندي أنّهُ مِن أهلِ النّارِ".(6)
-
الجانب العلمي: العلم مفتاحٌ للعبور من المشاكل والعراقل التي تُصيب المجتمع إلى شاطئ النجاح، فالطفل الذي اعتاد على البحث عن الحقيقة والمثابرة للحصول على الفهم الأكثر للمطالب، سيساند المجتمع للوصول إلى أهدافه السامية. وهذا الاعتياد والبحث والمثابرة لا تحصل إلّا بتعليمٍ صحيحٍ وهادف مصدره الأمّ التي تُؤسّس، وتزرع جذور العلم والبحث في ذهنية الطفل.
فالنتيجة، إنّ الأمّ في مجالٍ أوسع وأكبر، مفتاح وطريق للوصول إلى مجتمعٍ مزدهر ومتنامي، فإن استطاعت أن تُعيّن الهدف الصحيح في تربية أطفالها وإرسائها في المجتمع كأشخاص باحثين (لدفع الخمود عن المجتمع وجعله مجتمعاً مفكراً وكاشفاً للغموض)، مُعلَّمين (لتعليم الآخرين) وخلوقين (لكي يميل ويستمع المجتمع إليهم)، يمكن لها أن تكون المصدر الرئيسي في تأسيس المجتمع المثالي.
1. المبسوط، ج5، ص158.
2. الكافي، ج6، ص47، ح3.
3. بحار الأنوار، ج16، ص210.
4. الكافي، ج8، ص150.
5. تهذيب الأحكام، ج8، ص111.
6. الكافي، ج6، ص50.
التعلیقات