ولي العهد الذي لا يأمر ولا ينهی _ بمناسبة ٨ شهر رمضان يوم ولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام)
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتروى الراوندي في كتابه الخرائج والجرائح أنّ رجلاً من الخوارج قال للرضا (ع): «أخبرني عن دخولك لهذا الطاغية (المأمون) فيما دخلت له وهم عندك كفار، وأنت ابن رسول الله، فما حملك على هذا؟ فقال له أبو الحسن
عليه السلام: أرأيتك هؤلاء أكفر عندك أم عزيز مصر وأهل مملكته؟ أليس هؤلاء على حال يزعمون أنّهم موحّدون، وأُولئك لم يوحدوا الله، ولم يعرفوه؟ ويوسف بن يعقوب نبي ابن نبي ابن نبي، فسأل العزيز وهو كافر فقال: ﴿اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾. (1)
وكان يجلس مجلس الفراعنة، وإنّما أنا رجل من ولد رسول الله أجبرني على هذا الأمر، وأكرهني عليه ما الذي أنكرت ونقمت عليّ؟ فقال: لا عتب عليك أشهد أنك ابن رسول الله، وأنّك صادق». (2)
قصة ولاية العهد:
وكانَ المأمونُ قد أَنْفذَ إِلى جماعةٍ من آل أَبي طالب، فحَملَهم إِليه من المدينةِ، وفيهم الرضا عليُّ بن موسى عليهما السلام، فأُخِذَ بهم على طريقِ البصرةِ حتى جاؤوه بهم، وكانَ المتولّي لإشْخاصِهم المعروف بالجَلودي، فقَدِمَ بهم على المأمون فأَنْزلَهم داراً، وأنزَلَ الرضا عليَّ بن موسى عليه السلام داراً، وأَكْرَمَه وعَظّمَ أَمْرَه، ثم أنْفَذَ إِليه: إِنّي أُريدُ أَنْ أَخْلَعَ نفسي من الخلافةِ، وأُقَلِّدك إِيّاها، فما رَأيُك في ذلك؟
فأَنْكَرَ الرضا عليه السلام هذا الأمرَ، وقالَ له: «اُعيذك بالله ـ يا أمير المؤمنين ـ من هذا الكلامِ، وأَنْ يَسْمَع به أَحَدٌ «فرَدَّ عليه الرسالةَ: فإِذ أَبَيْتَ ما عَرَضْتُ عليك، فلا بُدّ من ولايةِ العهد من بعدي، فأَبى عليه الرضا عليه السلام إِباءاً شديداً، فاسْتَدْعاه إِليه، وخَلا به، ومعه الفَضْلُ بن سَهْل ذو الرئاستين، ليس في المجلسِ غَيْرهم، وقالَ له: إِنّي قد رَأَيْتُ أَنْ أُقَلِّدك أَمْرَ المسلمين، وأَفْسَخَ ما في رَقَبَتي، وأَضَعه في رَقَبَتِكَ.
فقالَ له الرضا عليه السلام: «اللّهَ اللّهَ ـ يا أمير المؤمنين ـ إِنّه لا طاقةَ لي بذلك ولا قوّة لي عليه». قالَ له: فأني مُولّيك العهدَ من بعدي، فقالَ له: «أَعْفِني من ذلك يا أَميرَ المؤمنين»، فقالَ له المأمون كلاماً فيه كالتهدُّدِ له على الامتناعِ عليه، وقالَ له في كلامه: إِنَّ عمرَ بن الخطّابِ جَعلَ الشورى في ستّةٍ أحَدهم جَدُّك أَميرُ المؤمنين عليُّ بن أَبي طالب، وشَرَطَ فيمن خالَفَ منهم أَن تُضْرَبَ عُنُقُه، ولا بُدَّ من قبولك ما أُريدُه منك، فإِنَّني لا أجدُ مَحيصاً عنه.
فقالَ له الرضا عليه السلام: «فإِنّي أجيبُك إِلى ما تُريدُ من ولايةِ العَهْدِ، على أَنّني لا آمُر، ولا أَنهى، ولا اُفْتي، ولا أَقْضي، ولا أُوَلّي، ولا أَعْزلُ، ولا أُغَيِّرُ شَيْئاً ممّا هو قائم»، فأَجابَه المأَمونُ إِلى ذلك كلِّه. (3)
وهكذا بايع المأمون الإمام على ولاية العهد في يوم الأثنين لسبعٍ خلون من شهر رمضان سنة 201هـ، وأمر الناس بلبس الخضرة بدلاً من السواد (وهو لباس أبي مسلم الخراساني وأصحابه تقليداً للون راية النبيّ صلى الله عليه وآله أو حزناً على شهداء أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله)، وكتب بذلك إلى الآفاق، وأخذ البيعة للإمام الرضا عليه السلام، وخطبوا باسمه على المنابر، وضربوا الدرهم والدينار، وأقام المأمون حفلاً دعا فيه الخطباء والشعراء، وكان منهم دعبل بن علي الخزاعي والذي كافأهُ الإمام الرضا عليه السلام.
بعض أهداف المأمون على تنصيب الإمام الرضا عليه السالم ولياً للعهد:
* تغيير صورته الخبيثة (وخبثه واضح لقتله الإمام (ع) في نهاية المطاف) إلى صورة حسنة أمام الناس والرأي العام بأنه يحب أهل البيت عليهم السلام، وليس كما كان عليه والده هارون.
* إضفاء الشرعية على حكمه وتحقيق ما يصبو إليه مستفيدا من الولاء الفكري والعاطفي للإمام عليه السلام في نفوس المسلمين، ورضاه الظاهري، وهو ما ستستنتجه الأمَّة.
* إرضاء العلويين والذين رفعوا لواء الثورة في مناطق عديدة من الدولة العباسية.
* إبعاد الإمام الرضا عليه السلام عن قواعده الشعبية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة يوسف: الآية 55.
2ـ الخرائج والجرائح: ج 2، ص 766؛ بحار الأنوار: ج 49، ص 55.
3ـ الارشاد: ج 2، 260.
التعلیقات