الطلاق .. وجحيم المجتمع
لقاء الربيعي
منذ 16 سنةقد يصح في احيان كثيرة، تفسير هذه القضية أو تلك بعامل محدد أو عاملين أو اكثر، وكلما كانت القضية ذات بعد علمي كان تفسيرها وتحديد عواملها، اكثر وضوحاً وحصراً، وقد لا يستدعي أي جهد مضن، الا ان الامر ليس كذلك حيث تعلق الموضوع بالقضايا الاجتماعية، وبالذات موضوع الطلاق لانه شائك ومعقد، وعبثا حاول علماء النفس الانفراد بتفسير هذه (الظاهرة) تفسيراً احادياً يوائم نظرتهم، فقد كان لعلماء الاجتماع صوت لا يقل قوة، فيما انكر القائلون بالعوامل الاقتصادية أي سبب حقيقي فاعل وراء الطلاق غير الوضع المعاشي!
عن هذا الموضوع كان لنا هذا الاستطلاع والذي ابتدأه السيد (مهند عبد الكريم -مهندس35سنة) قائلا: يبدو الطلاق وكأنه ليس حالة عامة بقدر ما هو مجموعة كبيرة من الحالات الخاصة تخضع كل واحدة منها الى ظروفها واسبابها مع قناعتنا الاولية بوجود مظلات أو (لافتات) مؤثرة أو ضاغطة اكثر من غيرها على تأليب الحياة الزوجية ودفعها بأتجاه التفكك الاسري والانفصال.
واياً كان الامر، فأن (آخر الدواء الكي)، هذا هو العلاج النهائي اذا فشلت (العقاقير) عن تقديم الشفاء ووقف الطبيب عاجزاً امام العلة، وواضح بأن اللجوء الى النار هو لجوء المضطر الذي تنقطع في وجهه السبل.
وليس الطلاق هو الحل الامثل الا عند الضرورة اذا عجزت الحلول وخابت المساعي في تقريب وجهات النظر وحل الخلافات الزوجية ولم شمل الاسرة.
حين يجري الحديث عن موقف الشريعة من هذا الموضوع وانه ابغض الحلال عند الله، لابد ان نقر ابتداءا بأن الشريعة الاسلامية قد اباحت الطلاق-وهذا من فضائلها. ولكنها كما يقول الشيخ احمد الموسوي (خطيب احد الجوامع 55سنة) وضعت لذلك ضوابط يجب ان تراعى، وعلى رأسها توفر الاسباب المقنعة لدى احد الزوجين أو عند كليهما، وان تكون الحياة الزوجية ودوامها قد باتت مستحيلة بين الطرفين اما للنفور أو سوء العشرة أو أي من الموجبات الاخرى للانفصال.
وتأكيد الاسلام، أو تشدده على ان الطلاق يجب ان يكون بعد توفر الاسباب اولاً واستنفاذ محاولات الاصلاح ثانياً، ينطلق من ادراك المخاطر التي تترتب عليه، سواء تعلق الامر بهدم الاسرة بدلاً عن بنائها ام تعلق الامر بالنتائج الاجتماعية والنفسية والصحية على الزوجين بعد الطلاق، ام تعلق الامر بمصير الاطفال وفقدانهم عناصر الرعاية والحنان والتنشئة في حالة تمزق الاسرة.
ومن هنا، يقول الشيخ احمد , ان الضمير الاسلامي يشعر بالامتعاض والاذى امام أية حالة انفصال، لهذا لم يترك امر الطلاق مباحاً وبابه مفتوح على مصراعيه لكي لا يكون هناك استسهال لقضية من اخطر القضايا التي تخص وحدة الاسرة، مثلما تخص وحدة المجتمع على حد سواء، ومن هنا اوكل الشرع، مهمة انسانية الى اهل الزوجين والخيرين ورجال القضاء وموظفي البحوث الاجتماعية لكي يبذلوا ما يمكن بذله من مساع حميدة لتذويب الخلافات الزوجية وازالة سوء الفهم وتذليل العقبات والتذكير بالنتائج الوخيمة، فأن بلغوا ما يصبون اليه كان موقفهم نبيلاً واجرهم عظيماً، وان لم يوفقوا فلا سبيل عندئذ غير الانفصال الذي تتقبله الاطراف المعنية جميعاً على مضض.
كما كان لنا هذا اللقاء مع الاستاذ(محمود الخفاجي 45 سنة) استاذ في علم الاجتماع والذي تحدث قائلا:
ثمة الكثير من المشكلات التي ترتبط بهذه القضية، منها على سبيل المثال موقف المرأة التي تتحمل النصيب الاكبر من نتائج الطلاق السلبية، اذ تلاحقها نظرة المجتمع، وينغص عليها العمر وترهقها المتاعب المادية ومنها الوضع النفسي للزوجين بعد الانفصال ومنها ايضاً مستحقات الاطفال التربوية والنفسية، على ان تسليط الاضواء على هذه المحاور يقتضي قبل ذلك كله التعرف على الدوافع الحقيقية والعوامل الموضوعية التي تقود الى الطلاق وتشتيت شمل الاسرة.
آراء كثيرة تحمل الزوجة المسؤولية الاكبر في الخلافات الزوجية وما يمكن ان تؤدي اليه من عواقب وخيمة. فالدكتور ماجد سلمان (32سنة)يبدي ملاحظة أولية، وهي ان اغلب حالات الطلاق تتم بعد الانجاب، وهذه المسألة غريبة على حد تعبيره، فبدلاً من ان يقوم الاطفال بتوطيد العلاقات الاسرية، فان انجاب طفل أو طفلين أو اكثر يؤدي الى حالة من التباعد بين الزوجين لا يلبث ان يتحول مع الايام الى نفور، والدليل على ذلك ان معظم الزوجات يسودهن اعتقاد خاطئ، بأن هدف الرجل هو اثبات فحولته السليمة وحاجته النفسية الى اشباع مفهوم الابوة، أو غريزة الابوة، الموازية ولو بصورة اقل اجهاراً لغريزة الامومة، وهذا صحيح، الا انه لا يمثل الا وجهاً واحداً من الحقيقة، وحقيقة الرجال تبقى متعلقة بوجوه عدة أو اهتمامات اخرى ذات تأثير عميق في تكوينه، منها الحاجة الى الزوجة التي تلبي حاجته الجسدية الى الجنس والحبيبة التي تلبي حاجته العاطفية والرومانسية، ويجد فيها وعاء يستوعب حاجته الى العناية والحنان والرعاية، بل تكمن في داخله رغبات تعكس من خلالها الزوجة ان يرى صورة الأم التي تغمره بالحب والدلال وتنعش ذاكرته على ايام الطفولة، وهنا تبدأ المحنة كما يوضح الدكتور ماجد، فالزوجة تحت غشاوة اعتقادها الخاطئ، تتوهم بانها قدمت لزوجها ما ينشده من احلام، وحققت له اهدافه بان تنجب من صلبه وتمنحه لقب الاب، ومن هنا يأخذ تصرفها اتجاهين، الواحد اخطر من الآخر، فهي تولي كامل الرعاية والحنان والحب للاطفال الذين تعتقد بأنهم لا ينافسون زوجها على هذه العواطف، ثم ترتكب خطأ افظع عندما تهمل نفسها من حيث هي انثى، ومن حيث هي نداء رومانسي يلبي عاطفة الحب عند الرجل. وهناك سؤال يتبادر الى اذهاننا وهو (هل يجري ذلك بسبب تغير ما يطرأ على شخصية الزوجة؟) ودخلت في حوارنا المدرسة (امل عبود 25سنة ) واجابت على سؤالنا قائلة: ابداً، فالزوجة ما زالت في اعماقها هي الانثى التي تلبي حاجة الفراش المشتركة، وهي الحبيبة الحالمة بنداء زوجها الرومانسي العاطفي، ولكن الذي يتغير هو اسلوب التعبير، فالزوجة تضع جسدها وعواطفها في الدرجة الثانية، وتقدم الاطفال الى الواجهة أو المرتبة الاولى، ولهذا تتراجع علاقتها مع انوثتها وتقل وقفتها امام المرآة وتتقلص مفردات كثيرة من قاموسها الغزلي، ان الحياة تتبنى لغة جديدة يتقبلها الزوج على مضض ويحتملها الى حين ولكن ليس الى الابد.
ما الذي يمنع الزوج من تنبيهها، أو الطلب اليها مباشرة لكي تستعيد انوثتها الجسدية وعواطفها الرومانسية؟ تجيبنا الست صبيحة حبيب (موظفة 35سنة ) عن سؤالنا قائلة: يقول البعض ان كرامته لا تسمح بذلك، ولكنني ارى الامر على نحو آخر، فمثل هذه العلاقات والسلوكيات العاطفية والوجدانية والجسدية لا تلبي الحاجة النفسية الحقيقية وعندما تأتي بصيغة الطلب أو التنبيه سوف تبدو اشبه بالعواطف المصطنعة أو المستجدة، وعيب الرجل في هذه القضية انه يجهل ما تفكر به زوجته وان جميع عواطفها نحوه لم تتغير ابداً، بل العكس فأنها زادت تعلقاً وارتباطاً وقوة.
وفي هذا الاطار ترى( الدكتورة منى علي) بأن مشكلة الرجل تكمن في انه يرفض الاعتراف بالتغييرات الجديدة في حياة الاسرة بعد مجيء الاطفال، ان لديه ثوابت على الزوجة ان تحذر منها أو على وجه الدقة تنتبه اليها حتى لا تزوغ عواطف الرجل قبل عينه، وتعتقد الدكتورة منى بأن نسبة 60 الى 70 بالمئة من حالات الطلاق تعود الى الملل والروتين اليومي اذ يسود الحياة الزوجية نمط واحد من العلاقات التي تكرر نفسها يومياً، بدءاً من تناول الطعام والحوار المتبادل وانتهاء باخطر انواع الحياة النمطية في سرير النوم، وانا انصح أي زوجين بأهمية التغيير المستمر في كل شيء، وفي المقدمة زيارات الاصدقاء والاقارب وحضور الحفلات الاسرية والسفر.
وتذهب اسماء احمد(الباحثة الاجتماعية)
الى رأي مماثل ولكنها تعتقد بأن تحقيق ذلك غير ممكن دائماً لانه يصطدم بعقبات الزوجين المالية لان السفر أو تناول بعض وجبات الطعام خارج المنـزل يرهق ميزانية الاسرة، وهي تعتقد بأن المتاعب المالية بحد ذاتها تؤدي في احيان كثيرة الى الانفصال لان النقص الحاد في متطلبات المنـزل المختلفة ومنها المعيشية تجعل الزوجين في دوامة من المشاكل لا تنتهي، ومع ذلك كما تقول فأن امكانية التغيير ممكنة حتى من غير تكاليف مالية، فزيارة سريعة وقريبة هنا أو هناك أو التمشي معاً في السوق أو على ضفة النهر أو المنتزه وتغيير مكان الجلوس في داخل المنـزل، أو اجراء تبديلات في الديكور والفراش.. الى آخر ما يقع تحت الامكانية، من شأنه ان يلعب دوراً ايجابياً في حياة الزوجين. السيد ع.س.ع (قاض متقاعد) يرى بحكم خبرته، ان من الصعوبة التعرف على الاسباب الحقيقية للطلاق، فالرجل والمرأة، ولا سيما المرأة، غالباً ما يطرحون مبررات أو يتقدمون بطلبات الانفصال تحت اعذار غير الاعذار الواقعية من باب الحياء أو الحرج الاجتماعي، ولكن على العموم يمكن ان نشير الى عاملين يتقدمان على بقية العوامل وهما: التباين الحاد في ميول ورغبات الزوجين، وعدم توافقهما في العديد من الجوانب الحياتية، بما في ذلك تباين المستوى الفكري، والتباين في النظرة الى العلاقات الجنسية وكذلك التباين في التكوين الشهواني، ثم الاهمال الشديد لشؤون البيت والاسرة من قبل الزوجة اهمالاً يؤدي الى اقلاق وتعكير مزاج الزوج لا سيما اذا كان قادماً من اسرة منظمة وعاش مع ام شديدة العناية بالاسرة والبيت، ويعتقد السيد عبد الحميد بأن كثيراً من الزوجات ينقلن الى بيت الزوجية طبيعة التربية التي تلقينها سابقاً، أي مع امهاتهن، ومن المؤسف ان بعض الامهات يدللن بناتهن دلالاً مفرطاً بحيث تصبح الواحدة منهن جاهزة للزواج وهي تعتمد على امها في الصغيرة والكبيرة ولا تتحمل أية مسؤولية، ولهذا انصح الامهات ان يبدأن في مرحلة مبكرة بتربية بناتهن على تحمل المسؤولية تحت اشرافهن.
التعلیقات
١