وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )١(
السيّد سعيد كاظم العذاري
منذ 11 سنةأولاً : اُسلوب الخطاب :
إنّ آيات القرآن الكريم والسُنّة النبوية حافلة بالخطابات ، والبيانات التي تخاطب العقول ، وتخاطب المشاعر ، وتخاطب الارادة ، لتنفتح أمام الحقائق وأنوار الهداية ، وتستجيش عناصر الخير والصلاح ، وتطارد عناصر الشر والانحراف ، وتستثير حالة الحذر من مزالق الشيطان والنفس الامارة بالسوء
.ففي بداية الدعوة الإسلامية جمع رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عشيرته الاقربين وكانوا يومئذٍ أربعين رجلاً وقال : « يا بني عبدالمطلب ، اني واللّه ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني اللّه أن أدعوكم إليه ... »
ثم صدع بأمر الدعوة ، وكان يخاطب المشركين في أماكن تجمعهم ، وفي المسجد الحرام ، يدعوهم إلى التوحيد وإلى اصلاح نفوسهم وأعمالهم.
وكان يخاطب القبائل في منازلهم ، ونواديهم التي يجتمعون فيها ، وهكذا استمر في استخدام هذه الوسيلة بعد قيام الدولة الاسلامية.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلّمهم موارد المعروف وموارد المنكر ، ثم يحثّهم على الالتزام بالمعروف ، والانتهاء عن المنكر ، ويتابعهم في سيرتهم ، ويستطلع قربهم وبعدهم عمّا دعاهم إليه.
وكان للمنبر دور في تهيئة الأجواء لممارسة الخطابات النبوية ، ولا زال إلى يومنا هذا.
واستمر أهل البيت عليهمالسلام على هذا النهج في استخدام الخطاب لتعليم الناس وارشادهم وحثهم على تبني المفاهيم السليمة وممارسة الاعمال الصالحة.
والخطاب أهم وسيلة لتحريك العقل الجمعي وتوجيهه الوجهة الصالحة ، وبه يتم اللقاء بأكبر عدد من الناس.
ويمكن عن طريقه ممارسة بقية الوسائل الاصلاحية الاُخرى ، فهو شامل لها جميعا ومتنوعا بتنوعها.
ثانيا : القصص :
القصص بطبيعتها تشد المستمع إليها وتجعله متعلقا بسمعه ووجدانه بفصولها ، متتبعا لاحداثها وتسلسلها المنتظم ، وتجعله دائم التأمل في مفاهيمها ومعانيها ، والتأثر بأبطالها وشخصياتها ، وتبقى عالقة في ذهنه ووجدانه ؛ لسهولة حفظها ونقلها.
وقد حفلت الآيات القرآنية باحسن القصص منذ النشأة الاولى للبشرية ، وتطرقت إلى قصص الانبياء والصالحين وخصومهم واعدائهم ، وإلى مواقفهم وممارساتهم العملية ، وما قدّموه للبشرية من أعمال في طريق هدايتها.
وللقصة دور كبير في تحريك العقول للتفكّر ، والوصول إلى الحقيقة وتجسيدها في الواقع ، قال تعالى : « ... فَاقصُصِ القَصَصَ لَعلّهُم يَتَفكَّرُونَ »
ولكلِّ نبي ورسول قصصا في مسيرته إلى اللّه تعالى ، لها دور في ارشاد الناس واصلاحهم ، لما فيها من مفاهيم وقيم متنوعة في جميع مجالات الحياة الفردية والاجتماعية ، وفي جميع مجالات النفس الانسانية في أفكارها وعواطفها وارادتها.
ولو تابعنا قصة يوسف عليهالسلام ـ مثلاً ـ لوجدناها حياة واقعية كاملة ، ابتداءً بحسد اخوانه له ؛ لتفضيل أبيه له عليهم ، وتحوّل الحسد إلى حقد ثم تآمر على يوسف ، ثم الكذب على أبيهم ، وإلقائه في البئر. فيتوجه يوسف ـ وهو في هذه الحال ـ بكل كيانه إلى اللّه تعالى ، فينقذه مما هو فيه ، ويعيش الغربة والفراق صابرا ، ثم تتسلسل القصة وتصل إلى رفض الانسياق للشهوة ، والاعتصام من الانحراف ، وتحمّل السجن ، وفي داخل السجن يبقى متعلقا باللّه تعالى طالبا منه العون ، ثم تنفتح له الحياة فيصبح في مقام حكومي عالٍ ، ويعفو عن اخوانه ويجمع اللّه تعالى شمله مع والديه.
وهنالك قصص من سيرة رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام في الاخلاص للّه تعالى ، والصبر على المصائب ، والعمل من أجل المصلحة الإسلامية الكبرى ، وحسن الخلق مع الموالين والمخالفين ، وهي بنفسها أمر بمعروف ونهي عن منكر.
التعلیقات