الرضاعة الطبيعية..الوهم والحقيقة
الحمل و الرضاعة
منذ 15 سنةتعتبر التغذية الدعامة الأولى لصحة الإنسان في سنواته الأولى، فالغذاء الكامل يوفر للجسم العناصر الغذائية التي يحتاج إليها لبناء أنسجته ونموها ووقايته من الأمراض. وقد أثبتت الدراسات أن التغذية في السنتين الأوليين من العمر لها دور كبير على النمو العقلي والجسدي للأطفال، وأن أي نقص غذائي خلال هذه الفترة (خصوصاً في الأشهر الأولى من عمر الطفل) قد يؤدي إلى تأخر النمو العقلي مما يعوق الطفل عن القدرة على التعلم. ويعتبر سوء التغذية المتمثل في نقص الوزن وفقر الدم من أكثر الأمراضالغذائية انتشاراً في دول العالم النامي، وقد يكون ذلك راجعاً إلى عدة عوامل منها حالة الفقر التي تعانيها أجزاء كثيرة من العالم، والجهل والأمية، والمعتقدات والممارسات الغذائية الخاطئة والإصابة بالأمراض المعدية والطفيلية، وانحسار الرضاعة الطبيعية، وضعف الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية. تغذية الحامل والطفل رغم أن الأم الحامل في حاجة إلى غذاء متوازن وعالٍ في قيمته الغذائية لنمو الجنين ولإعطاء الأم زيادة كافية في الوزن لمواجهة مرحلة إرضاع الطفل بعد الولادة إلا أن الأم المرضع (بعد الولادة) هي أيضاً في حاجة إلى مقادير عالية النوعية من الأغذية قد لاتقل بأي حال عن حاجة الأم الحامل. وبنظرة لأهمية إنتاج الأم للحليب ونظرة أخرى لأهمية حليب الأم للطفل يمكننا إدراك أهمية التغذية للمرضع. تكون الحليب يقدر المتوسط اليومي لحليب الأم بحوالي 850 سم3، تفقد الأم بسببه طاقة قدرها 600 سعر حراري. وإذا كانت كفاءة إنتاج الحليب حوالي 80% فإن ذلك يعني احتياج الأم إلى 750 سعرة حرارية من الأطعمة لكي توفي احتياج طفلها من الحليب. وعندما يكون الغذاء المتناول في أثناء الحمل فقيراً فإن الزيادة في وزن الأم ستكون قليلة. وعلى ذلك تبدأ الأم الفقيرة التغذية بمخزون غير كافٍ من السعرات الحرارية. وبالرغم من ذلك فإن كمية الحليب تكون كافية نسبياً. ولكن كمية الطاقة والغذاء التي تنطوي عليها الرضاعة تسحب من أنسجة جسم الأم، ومع استمرار الرضاعة نجد أن الأم تفقد الوزن خلال الأشهر الستة الأولى وبعد ذلك لا يحدث تغيير ملحوظ في وزنها. اعتقادات خاطئة وهناك بعض الاعتقادات الغذائية الخاطئة المنتشرة في مجتمعات الدول النامية تؤثر سلباً على صحة الأم المرضع خصوصاً خلال فترة النفاس. ومن هذه الاعتقادات عدم تناول الماء خلال الأيام الأولى بعد الولادة، وهذا اعتقاد ليس له أي أساس من الصحة. فكثرة تناول السوائل أمر محبب للأم المرضع؛ وذلك لأنه يساعد على إدرار اللبن، كما قد تتناول الأمهات أنواعاً من الأغذية الفقيرة في قيمتها الغذائية. فقد تتجنب بعض الأمهات تناول السمك والمواد الدهنية وبعض الخضراوات كالفجل مثلاً اعتقاداً بأن هذه الأطعمة تسبب عدة حالات غير صحية كالإسهال لدى الطفل أو تلف لبن الأم أو قد تسبب الأذى للجنين. أرضعيه لتستمري مع التقدم الحضاري حصل انحسار كبير في نسبة الأمهات اللواتي يرضعن، وهذه النسبة انخفضت بشكل أكبر في المدن منها في الريف. وكثيراً ما تقرر الأيام الأولى بعد الولادة مصير الرضاعة، فإذا كانت هناك بداية حسنة فإن الرضاعة من الثدي غالباً ما تستمر بدون مشكلات وبصورة مرضية لكل من الأم والطفل. فالمعروف أن بدء إفراز اللبن بعد الولادة حدث فيزيولوجي من النادر ألا يحدث، فكلما بدأت الرضاعة مبكراً كان إفراغ الثديين كاملاً وكان ترسيخ الرضاعة ناجحاً. لذا يجب أن يوضع الطفل على الصدر من الأيام الأولى. وقد قال الله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة}. للرضاعة فوائد مشتركة عرفت ميزات حليب الأم منذ القدم وهو الغذاء المثالي للوليد، كما أن الأم المرضع تتمتع بصفات حسنة وسعادة كبيرة تشارك بها رضيعها في أثناء إرضاعه. وحليب الأم في الواقع غذاء كامل ذو تركيبة جيدة وتوازن لا يمكن محاكاته، وهو يفيد لحساب نمو الطفل بأكملها. والمعروف أن الأطفال الذين يتم إرضاعهم بحليب الأم يحصلون على حماية كاملة حيث يتزودون بالأجسام المضادة، والبروتينات، والخلايا المناعية الموجودة في هذا الحليب، وحالما يتم هضمها فإن هذه الخلايا والجزيئات تساعد على منع الكائنات الدقيقة من الدخول إلى أنسجة الجسم. وترتبط بعض الجزيئات بالميكروبات في تجويف في القناة الهضمية وتمنعها من عبور الخلايا الطلائية المبطنة للأمعاء. إضافة إلى أن حليب الأم يحتوي على جميع أنواع أجسام المناعة المضادة والتي تسمى (كلوبيولينات) المناعة الخمسة (وهي E, D, M, A, G). ويعتبر النوع (A) أكثرها وفرة حيث يوفر للطفل الحماية الكافية لبضعة أسابيع وحتى بضعة أشهر بإذن الله تعالى، إذ يصبح الطفل قادراً بعدها على تكوين هذا النوع من الأجسام المضادة. أما الأطفال الذين لا تتم تغذيتهم بحليب الأم فتنقصهم القدرة على مقاومة العوامل المرضية. لذلك تقوم الأم بتكوين الأجسام المضادة للعوامل المرضية في بيئتها وبذلك توفر الحماية المطلوبة للطفل ضد هذه العوامل والتي من المحتمل أن يتعرض لها في الأسابيع الأولى. ويبدأ ظهور الحليب في أثناء الولادة ويرتبط إفرازه بآليتين هرمونية وعصبية، ففي الهرمونية يفرز من الغدة النخامية الهرمون الذي ينتج الحليب ويستمر إفرازه. ويبدأ ظهور هذا الهرمون والمسمى (برولكين) عند توقف وظيفة المشيمة وزوال هرموناتها. وفي العصبية يؤدي تحريض الحلمة في أثناء إرضاع الطفل إلى استمرار إفراز الحليب كحالة انعكاسية، حيث إن توقف الرضاع يؤدي إلى نضوب الحليب. والمعلوم أن الحليب لا يشكل الإفراز الأول من غدة الثدي بل يسبقه اللبأ، ويبدأ الثديان بإفراز اللبأ قبل الولادة بعدة أيام، ويستمران في إفرازه حتى اليوم الخامس أو السادس من الولادة. واللبأ سائل أصفر اللون حامضي فقير بالدهون والسكريات غني بالبروتينات والأملاح المعدنية والفيتامينات وأجسام المناعة. وهو يحلل البلغم ومسهل للأمعاء، ثم يفرز الثديان بين اليوم السابع واليوم الرابع عشر من الولادة الحليب الانتقالي الذي هو في تركيبه وسط بين اللبأ والحليب الحقيقي. بينما يظهر الحليب الحقيقي في الأسبوع الثالث من الولادة ويكون كاملاً وأكثر سيولة من السابق ولونه أبيض. وأهم ما يمتاز به هو أن محتواه البروتيني يزداد بانتظام دون أن يتسبب في إرهاق كبد الرضيع وكليته بعمل زائد لا فائدة فيه. ويحتوي الحليب على نوعين من البروتينات هما (الكازيين)، والبروتينات الذائبة. كما يحتوي حليب الأم على أحماض دهنية غير مشبعة سهلة الهضم خصوصاً الأحماض الدهنية الأساسية الموجودة فيه بنسبة عالية جداً. ويحتوي حليب الأم على سكر اللاكتوز الذي ينشط نمو المخ ويزيد من حركة الأمعاء، فهو يتحول إلى حامض اللاكتيك (حامض اللبن). ومن هنا يكون الهضم أسرع وعدد مرات التبرز أكثر. وينشط اللاكتوز امتصاص الأمعاء للكالسيوم واستفادة الجسم من كالسيوم الدم. كما يحتوي هذا الحليب على معظم الفيتامينات وكمياتها تتناسب مع حاجات الطفل. إن إرضاع الطفل من حليب الأم ليس مفيداً للطفل فقط، بل هو مفيد لأمه أيضاً حيث تعود أعضاء الأم التي في الحوض إلى حالتها الطبيعية بوقت أسرع، كما تشعر الأم بنوع من حالة الاستقرار النفسي والفيزيولوجي اللاشعوري وتتحسن صحة الأم أكثر، إضافة إلى أنه يوثق العلاقة والرابطة بين الطفل وأمه في الجسد والعقل والروح.
التعلیقات