أجواء صحية لتربية سليمة
موقع بلاغ
منذ 10 سنوات◄عالم جديد
لم يعد طفلاً.. جسده يشهد تغييرات ملموسة منذ بداية بلوغ مرحلة المراهقة.. إنّها
تغييرات سريعة يرافقها مزاج مختلف.. هناك نشاط ملحوظ لبعض الغدد التي تدلل على أنّ جسده في حالة نمو متسارع.. صوته يخشن.. وزنه يزداد ومثله شهيته للطعام.. ملابسه القديمة راحت تضيق عليه..
إنّه الآن أطول من السابق.. عضلاته تبرز وعظام جسمه تنمو طولياً.. هناك شعر ينمو في مناطق مختلفة من جسمه علاوة على لحيته وشاربيه.
عند الفتيات يختلف الأمر بعض الشيء.. فبالإضافة إلى بعض المشتركات من حيث النموّ وإنبات الشعر، تنمو بعض أعضاء الجسم لتدلِّل على القدرة على الحمل والإنجاب، كما تبدأ الفتاة باستقبال دورتها الشهرية (الحيض) في أوقات منتظمة أو شبه منتظمة.
هذا النشاط الغريزي لدى كلّ من الشاب والفتاة علامة فارقة على النضج الجسدي تصاحبه رهافة في المشاعر تجاه الجنس الآخر، كما ترافقه أيضاً حالة نفسية وعاطفية خاصة، حيث يبدو المراهق عصبياً ومتأزِّماً ومضطرباً في بعض الأحيان كجزء من حالة انتقالية.. فما هي إلّا بضع سنوات حتى يكون الشاب أو الفتاة قد اجتازا المرحلة بسلام.
واجتياز مرحلة المراهقة بسلام لا يكون إلّا من خلال معرفة الشاب أو الفتاة بطبيعة وملابسات مرحلة المراهقة والتعامل معها على أنّها مرحلة طبيعية لابدّ لكلِّ إنسان طفل أن يعبر قنطرتها إلى مرحلة الشباب، مثلما يحتاج الأمر إلى معرفة الوالدين والمربين بهذه المرحلة حتى لا تحصل حالات الاصطدام والمفاجأة التي يعتبرها بعض الآباء والأُمّهات غير متوقعة.. فهي طبيعية ومتوقعة ومنتظرة كان ينبغي الإعداد لها قبل حين.
رجل.. وإمرأة:
منذ الآن أصبح طفل الأمس رجلاً.. وفتاة الأمس إمرأة.
الطفل الذي كان يلهو ويلعب بلا أيّة مسؤوليات.. أصبح شخصاً مسؤولاً.. يُثاب على عمله الصالح ويعاقَب على ذنبه وأخطائه.
والطفلة التي كانت تسرح وتمرح دون محاسَبة، باتت مسؤولة أيضاً عن أعمالها.. والنظرة إليها اليوم ليست كما بالأمس.. إنّها فتاة شابّة تُراعي حشمتها وحجابها، وقد وجبت عليها صلاتها وصيامها وطهارتها.
ومنذ اليوم راحت الفتاة الصغيرة تتلقى دروساً من أُمّها في كيفية التعامل مع الوضع الجديد.. إنّها ستسمع كلمات من قبيل: أنت الآن إمرأة في مقتبل العمر.. تنتظرك مسؤوليات شرعية وأخرى اجتماعية.. غداً ستتزوّجين ويصبح لك بيت وأُسرة.. فاجتهدي من الآن أن تتعرّفي على المهام التي في انتظارك.. لتكوني زوجة صالحة.. وأُمّاً صالحة وتُنَشِّئي ذرِّية صالحة.
التبريرات التي كان يقدِّمها الطفل والطفلة لأخطائهما ولهوهما العابث وتجاوزاتهما، لم تعد مقبولة..
والأعذار التي كان يلتمسها الأهل والأصدقاء لذاك الطفل أو تلك الطفلة سوف تتقلّص.. والتكاليف والفروض التي كانت ساقطة أو مرفوعة عن أطفال الأمس أضحت اليوم مسؤوليات لا تحتمل التهاون والتقصير.
إنّه باختصار عالم جديد.. له متطلبات جديدة.
وحتى لا تكون الانتقالة غريبة أو صعبة، لابدّ للوالدين من أن يهيِّئا الأجواء لأبنائهما وبناتهما للدخول السليم إلى عالم المراهقة، كأن يعوّدان الصبيان والصبايا على تقبل المسؤوليات الشرعية والإقبال عليها بشكل تدريجي لا إكراه فيه، وعلى تحمل بعض المسؤوليات البيتية وهم على أبواب مرحلة المراهقة.
ذلك أنّ الشاب الذي تلقّى في طفولته تربية واعية مدروسة من حيث الإعداد لشخصيته الاجتماعية وتفاعله بإيجابية مع محيطه الذي من حوله، وبناء ثقافته الأوّلية المدرسية والحياتية بحيث يتولّى بعض مسؤوليات البيت وينظّم علاقاته مع إخوانه وأخواته وأصدقائه على أساس الحبّ والاحترام، سوف يكون – في مرحلة المراهقة – شاباً سويّاً لا يعاني من مشكلات التحوّل الجديد إلّا بقدر ما يفرزه هذا التحوّل من بعض التغييرات في جسد المراهق ونفسيته.
والفتاة التي تُصاغ شخصيّتها منذ الطفولة على أنّها إنسان له إمكاناته ومواهبه ومزاياه وآراؤه وقراراته، وأنّه لا فرق بينها وبين أخيها إلّا ما فرّقته طبيعة الخلقة، وأنّ الحياة الزوجية ستكون إحدى مسؤولياتها وليست كلّها، وأنّ جمالها ليس في شكلها الخارجيّ فحسب بل بمنطقها وبيانها وحسن تصرّفها ورجاحة عقلها.
إنّ أنوثة المرأة شيء مطلوب وليس هناك ما يدعو إلى الخجل أو الشعور بالنقص والدونيّة، وأنّ عليها أن تضع جمالها وأنوثتها في المكان المناسب. إنّ الفتاة التي تتعلّم كلّ ذلك سوف لن تكون مراهقة تعاني ما تعانيه نظيراتها اللواتي لم يتلقّين تربية بهذا المستوى.
وكمراهقين – شبّاناً وفتيات – يجب أن نتذكّر أنّ الطفولة كمرحلة لا تنتهي تماماً ودفعة واحدة لمجرد أن تطأ أعتاب عالم البلوغ، حيث سيبقى شيء من طفولتنا فينا حتى في المراحل اللّاحقة، وتلك نعمة وليست نقمة، ألا ترى الأب حين يتصابى لابنه الصغير ويلاعبه كيف يبدو طفلاً صغيراً مثله، وكذلك الأُم التي تداعب ابنتها وتلعب معها كيف تبدو فتاة صغيرة مثلها؟!
ولكنّ المشكلة هي في المراوحة في عالم الطفولة، وكأنّنا نأبى أن نغادرها إلى مرحلة متقدِّمة. فكم نلاحظ في الواقع الحياتي للشبان والفتيات المراهقين والمراهقات أنّ الطفولة ما زالت طاغية على سلوكهم وتصرّفاتهم وانفعالاتهم كما لو كانوا صغاراً بالفعل. فرغم ما نلاحظه عليهم من نموّ جسماني ظاهري إلّا أنّهم يحيون حياة الطفولة التي لا يريدون مغادرتها إلى عالم الكبار، ربّما شعوراً منهم أنّ العالم الجديد عالم المسؤوليات وهم لا يريدون التقيّد بها. وهذا خطأ يعود إلى التربية البيتية السابقة على مرحلة المراهقة.
فكلّما كانت التربية واعية وسليمة، واجهنا مراهقتنا بطريقة إيجابية، وكلّما أُسيءَ التعامل مع الطفل، أو مُيِّز بينه وبين إخوانه وأخواته، وعاش في بيت تعصف فيه المشاكل بين الوالدين، ولا يُحترَم فيه الصغير الكبير، ولا يعطف فيه الكبير على الصغير، سيواجه مراهقة سلبية تعاني من مشكلات وعقد تتعب المراهق نفسه وتتعب معه من حوله.
التعلیقات