المرأة في التاريخ (٢)
موقع المعارف
منذ 10 سنواتفقد كان الاجتماع المدني وكذا الاجتماع البيتي عندهم متقوماً بالرجال، والنساء تبع لهم، ولذا لم يكن لها استقلال
في إرادة ولا فعل إلا تحت ولاية الرجال، لكنهم جميعاً ناقضوا انفسهم بحسب الحقيقة في ذلك، فإن قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال ولا تحكم لهن إلا بالتبع إذا وافق نفع الرجال، فكانت المرأة عندهم تعاقب بجميع جرائمها بالإستقلال، ولا تثاب لحسناتها ولا يراعى جانبها إلا بالتبع وتحت ولاية الرجل.
وهذا بعينه من الشواهد الدالة على أن جميع هذه القوانين ما كانت تراها جزء ضعيفاً من المجتمع الإنساني ذات شخصية تبعية، بل كانت تقدر أنها كالجراثيم المضرة، مفسدة لمزاج المجتمع مضرة بصحته غير ان للمجتمع حاجة ضرورية إليها من حيث بقاء النسل، فيجب أن يعتنى بشأنها، وتذوق وبال أمرها إذا جنت أو أجرمت، ويحتلب الرجال درها إذا احسنت أو نفعت، ولا تترك على حيال إرادتها صوناً من شرها كالعدو القوي الذي يغلب فيؤخذ أسيراً مسترقاً يعيش طول حياته تحت القهر ان جاء بالسيئة يؤاخذ بها وإن جاء بالحسنة لم يشكر عليها.
وهذا الذي مرّ: ان الاجتماع كان متقوماً عندهم بالرجال هو الذي الزمهم أن يعتقدوا ان الأولاد بالحقيقة هم الذكور، وأن بقاء النسل ببقائهم، وهذا هو منشأ ظهور عمل التبني والالحاق بينهم، فإن البيت الذي ليس لربه ولد ذكر كان محكوماً بالخراب، والنسل مكتوباً عليه الفناء والانقراض، فاضطر هؤلاء إلى اتخاذ ابناء صوناً عن الانقراض وموت الذكر، فدعوا غير ابناءهم لاصلابهم أبناءً لانفسهم فكانوا أبناء- رسمياً- يرثون ويورثون ويرتب عليهم آثار الابناء الصلبيين، وكان الرجل منهم إذا زعم انه عاقر لا يولد منه ولد عمد إلى بعض أقاربه كأخيه وابن اخيه فأورده فراش اهله لتعلق منه فتلد ولداً يدعوه لنفسه، ويقوم بقاء بيته.
وكان الأمر في التزويج والتطليق في اليونان قريباً منهما في الروم، وكان من الجائز عندهم تعدد الزوجات غير أن الزوجة إذا زادت على الواحدة كانت واحدة منهن زوجة رسمية والباقية غير رسمية.
حال المرأة عن العرب ومحيط حياتهم (محيط نزول القرآن)
وقد كان العرب قاطنين في شبه الجزيرة، وهي منطقة حارة جدبة الأرض والمعظم من امتهم قبائل بدوية بعيدة عن الحضارة والمدنية، يعيشون بشن الغارات، وهم متصلون بإيران من جانب، وبالروم من جانب، وببلاد الحبشة والسودان من آخر.
ولذلك كانت العمدة من رسومهم رسوم التوحش، وربما وجد خلالها شيء من عادات الروم وإيران، ومن عادات الهند ومصر القديمة أحياناً.
كان العرب لا ترى للمرأة استقلالاً في الحياة ولا حرمة ولا شرافة إلا حرمة البيت وشرافته، وكانت لا تورث النساء، وكانت تجوز تعدد الزوجات من غير تحديد بعدد معين كاليهود، وكذا في الطلاق، وكانت تئد البنات ابتداء بذلك بنو تميم لوقعة كانت لهم مع النعمان بن المنذر، اُسرت فيه عدة من بناتهم، والقصة معروفة فأغضبهم ذلك فابتدروا به، ثم سرت السجية في غيرهم، وكانت العرب تتشأم إذا ولدت للرجل منهم بنت يعدها عاراً لنفسه، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، لكن يسره الابن مهما كثر ولو بالدعاء والالحاق حتى انهم كانوا يتبنون الولد لزنا محصنة ارتكبوه، وربما نازع رجال من صناديدهم وأولي الطول منهم في ولد ادعاه كل لنفسه.
وربما لاح في بعض البيوت استقلال لنسائهم وخاصة للبنات في أمر الازدواج فكان يراعى فيه رضى المرأة وانتخابها، فيشبه ذلك منهم دأب الأشراف بايران الجاري على تمايز الطبقات.
وكيف كان فمعاملتهم مع النساء كانت معاملة مركبة من معاملة أهل المدنية من الروم وإيران كتحريم الاستقلال في الحقوق والشركة في الأمور العامة الاجتماعية كالحكم والحرب وأمر الازدواج إلا استثناءً، ومن معاملة أهل التوحش والبربرية، فلم يكن حرمانهن مستنداً إلى تقديس رؤساء البيوت وعبادتهم، بل من باب غلبة القوي واستخدامه للضعيف.
وأما العبادة، فكانوا يعبدون جميعاً (رجالاً ونساءً) اصناماً يشبه امرها أمر الأصنام عند الصابئين أصحاب الكواكب وأرباب الأنواع، وتتميز اصنامهم بحسب تميز القبائل وأهوائها المختلفة، فيعبدون الكواكب والملائكة (وهم بنات الله سبحانه بزعمهم) ويتخذونها على صور صورتها لهم أوهامهم، ومن اشياء مختلفة كالحجارة والخشب، وقد بلغ هواهم في ذلك إلى مثل ما نقل عن بني حنيفة انهم اتخذوا لهم صنماً من الحيس فعبدوه دهراً طويلاً ثم اصابتهم مجاعة فأكلوه فقيل فيهم:
أكلت حنيفة ربها زمن القحط والمجاعة
لم يحذروا من ربهم سوء العواقب والتباعة
وربما عبدوا حجراً حتى إذا وجدوا حجراً أحسن منه طرحوا الأول وأخذوا بالثاني، وإذا لم يجدوا شيئاً جمعوا حفنة من تراب ثم جاؤوا بغنم فحلبوه عليها ثم طافوا بها يعبدونها.
وقد أودع هذا الحرمان والشقاء في نفوس النساء ضعفاً في الفكرة يصور لها اوهاماً وخرافات عجيبة في الحوادث والوقائع المختلفة ضبطتها كتب السير والتاريخ.
فهذه جمل من أحوال المرأة في المجتمع الانساني من أدواره المختلفة قبل الاسلام وزمن ظهوره، آثرنا فيها الاختصار التام، ويستنتج من جميع ذلك:
أولاً: انهم كانوا يرونها إنساناً في اُفق الحيوان العجم، أو إنساناً ضعيف الإنسانية منحطاً لا يؤمن شره وفساده لو اُطلق من قيد التبعية، واكتسب الحرية في حياته، والنظر الأول أنسب لسيرة الامم الوحشية والثاني لغيرهم.
وثانياً: انهم كانوا يرون في وزنها الاجتماعي انها خارجة من هيكل المجتمع المركب غير داخلة فيه، وإنما هي من شرائطه التي لا غناء عنها كالمسكن لا غناء عن الإلتجاء إليه، أو أنها كالأسير المسترق الذي هي من توابع المجتمع الغالب، ينتفع من عمله ولا يؤمن كيده على اختلاف المسلكين.
وثالثاً: انهم كانوا يرون حرمانها من عامة الحقوق التي أمكن انتفاعها منها إلا بمقدار يرجع انتفاعها إلى انتفاع الرجال القيمين بأمرها.
ورابعاً: ان أساس معاملتهم معها فيما عاملوا هو غلبة القوي على الضعيف، وبعبارة اخرى قريحة الاستخدام، هذا في الامم غير المتمدنة، وأما الاُمم المتمدنة فيضاف عندهم إلى ذلك ما كانوا يعتقدونه في أمرها: انها انسان ضعيف الخلقة لا تقدر على الاستقلال بأمرها، ولا يؤمن شرها، وربما اختلف الأمر اختلاطاً باختلاف الامم والأجيال.
التعلیقات