الأطفال ودائع الله هدايةً ورعاية (١)
موقع سبطين
منذ 10 سنواتالطفل هو اللبنة الأولى في المجتمع ... إن أحسن وضعها بشكل سليم ، كان البناء العام مستقيماً مهما ا
رتفع وتعاظم ..
والطفل هو نواة الجيل الصاعد التي تتفرع منها أعضائه وفروعه ..
وكما أن البناء يحتاج إلى هندسة وموازنة ، وكما أن النواة تفتقر إلى التربة أو الظروف المناسبة.. كذلك الطفل فإنه يحتاج إلى هندسة وموازنة بين ميوله وطاقاته ، ويفتقر إلى تربة صالحة ينشأ فيها وتصقل مواهبه ، ويعوزه تنظيف لموارد الثقافة التي يتلقاها والحضارة التي يتطبع بها والتربية التي ينشأ عليها !!
إنه عالم قائم بذاته ، يحمل كل سمات الحياة بصورة مصغرة ، في صخبها وأمنها، في سعادتها وشقائها ، في ذكائها و بلادتها ، في صفائها و حقدها ، في تفوقها و تأخرها ، في إيمانها وجحودها ، في حربها وسلمها ...
إن تعهد العقل والعاطفة بالتربية والتنمية ـ والذي هو أساس سعادة الإنسان يجب أن يبدأ من مرحلة الطفولة ، فمرحلة الطفولة هي أحسن مراحل تعلم الأسلوب الصحيح في الحياة ، فقدرة الإقتباس و التقليد ، وحاسة التقبل عند الطفل شديدة ، فباستطاعته أن يتلقى جميع حركاته و سكناته ، وأقواله وأفعاله ، بدقة عجيبة أشبه بعدسة تصوير .
وفي الوقت الذي يتكامل جسد الطفل وينمو ، يجب أن تسلك روحه في طريق التعالي والتكامل أيضاً ، وكما يعتنى بسلامة جسد الطفل ، يجب أن يعتنى بسلامة مشاعره ومعنوياته ، حيث يجب تعويد الطفل على النظافة والأدب والصدق والعطف والمسؤولية وحب الخير ..وعشرات الصفات الفاضلة الأخرى ، فمن الصعوبة بمكان تغيير سلوك الأشخاص الذين لم يتعودوا في أيام طفولتهم على السلوك التربوي الصحيح .
إن أسعد الناس هم أولئك الذين نشأوا على التربية السليمة والصفات العالية منذ حداثة السن حتى أصبحت جزءاً من كيانهم .
لذلك إن للآباء والأمهات دوراً مهماً في بناء سعادة الأطفال وحمل مسؤولية كبيرة على عواتقهم .
يقول الإمام علي (ع) لولده الحسن (ع) : "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته ، فبادرْ إبنكَ بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك " .
إن قلب الطفل صفحة بيضاء لا يوجد فيها فكرة صحيحة أو خاطئة ، والآباء والأمهات الشاعرون بالمسؤولية هم الذين يستغلون ذلك أقصى الإستغلال ويجعلون قلوب أطفالهم تتزين بالملكات الفاضلة والأخلاق الحميدة .
إن عواطف الطفل ومشاعره تظهر قبل عقله ، ويمكن الإستفادة من أحاسيسه قبل ذخائره العقلية بكثير .
إن الأطفال في جميع أنحاء العالم يرسلون إلى المدارس بعد السنة الرابعة أو الخامسة من عمرهم ومن ذلك الحين تتفتح المواهب الفكرية للطفل ، في حين أن أحاسيسه ومشاعره تبدأ بالنشاط قبل ذلك بزمن طويل .
ففي الوقت الذي لايفهم الطفل المسائل العلمية ولا يدركها نجده يدرك القضايا العاطفية وهي بدورها تؤثر فيه كالحدة واللين والرفق والعطف والحنان والإحترام والإهمال وغير ذلك ..
إن موضوع تنمية المشاعر والأحاسيس يشغل قسطاً مهماً من المسائل التربوية ، ويقع عبء المسؤولية في أداء هذا الواجب على الأبوين بالدرجة الأولى ، فرياض الأطفال عاجزة عن أن تحل محل العائلة والأم في إحياء جميع مشاعر الطفل الخفية بصورة لائقة وهداية الطفل إلى السير الطبيعي الذي فطر عليه .
وهنا يجدر القول إن على الأهل أن يهتموا بأطفالهم وبسلامة تغذية الجسد والروح ، وهذا ما يجعل عبء مسؤولية الوالدين في المراحل الأولى للطفل ثقيل جداً ، لأن الغفلة عن صحة وسلامة الغذاء المادي والروحي تؤدي إلى عوارض غير قابلة للتدارك ، فالطفل يكتمل بناؤه في الأعوام الأولى من حياته ، ولا بد من الإعتناء بجميع جوانبه المادية والمعنوية ..
إن نقص التغذية الروحية أو الجسدية من حياة الطفل يتضمن نتائج وخيمة ، كما أن خطأ صغيراً يمكن أن يؤدي إلى مشكلة عظيمة ، يستمر الطفل يئن منها إلى نهاية عمره .
لذا إن على الوالدين المسلمين أن يتنبها إلى المسؤولية الدينية العظيمة عليهما في تربية أطفالهما ، ويعلما أن الأطفال ودائع الله في أيديهما ، فالوالدان اللذان يؤديان واجبهما الديني في تربية الأولاد بصورة صحيحة يكونان قد أديا الأمانة أداءً كاملاً ، ويستحقان الأجر والثواب عند الله على ذلك .
أما الوالدان اللذان يتخلفان عن ذلك فهما خائنان لأنفسهما ولأطفالهما وللمجتمع الذي يعيشان فيه ، وهما يستحقان العقاب والحساب العسير أمام الله تعالى .
لذا ليست المسؤولية العظمى للآباء في أن يجمعوا في حياتهم ثروة ضخمة و يورثوها إلى أولادهم، ذلك أن الولد إذا لم يحصل على تربية صحيحة فإن الثروة قد تجره إلى الفساد والشقاء .
إن مسؤولية الوالد تعني أن يربي ابنه على الملكات الفاضلة والقيم العليا والإيمان الصحيح و إعداده لخوض معركة الحياة بنبل وطهارة لأن طفل كهذا يستطيع أن يحيا حياة سعيدة وعزيزة ، وفي نفس الوقت يستطيع أن يكتسب ثروة كبيرة عن طريق مشروع .
يقول أمير المؤمنين علي (ع) : " خير ما ورث الآباء الأبناء الأدب " .
ونعمة كبيرة يمتاز بها الأولاد الذين تحدَّروا عن آباء مؤمنين قاموا بتربيتهم تربية صحيحة ، ومن نتائج تلك التربية أنهم يعيشون حياة مطمئنة محبوبون لدى الجميع ، فيجب أن يشكروا الله تعالى على تلك النعمة ، ويترحموا على والديهم ويحافظوا على الملكات الفاضلة التي تربوا عليها ـ فلا يفقدوها بمعاشرة الفساد ومجالسة الأشرار
أما الأولاد الذين لم يتلقوا تربية صحيحة من آبائهم فإن عليهم أن يبادروا إلى اصلاح أنفسهم ليكونوا واثقين من أنهم قادرون على تدارك تقصير والديهم بحقهم ، وذلك بأن يتمسك هؤلاء الأفراد بالأساليب العلمية والدينية الصحيحة ، وبذلك يستطيعون أن يسلكوا الطريق إلى السعادة والطهارة والعفة ...
من الأمور الفطرية عند الإنسان ، والتي يمكن أن تكون أساساً ثابتاً لتربية الطفل ، غريزة التفوق وحب الكمال .. إن الرغبة في الترقي والتعالي تعتبر من فروع حب الذات المودع في فطرة كل إنسان ، وعلى المربي الواعي أن يستغل هذه الثروة النفسية ، ويقيم شطراً من الأساليب التربوية الصحيحة على هذا الأساس ، فيسوق الطفل إلى طريق الترقي والتعالي .
ولقد ورد بهذا الصدد حديث عن الإمام الحسن (ع) : " أنه دعا بنيه وبني أخيه ، فقال : إنكم صغار قوم ، ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين ، فتعلموا العلم اليوم فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته ". وفي هذا الحديث نجد أن الإمام الحسن (ع) ، لأجل أن يحث أبناءه وأبناء أخيه على اكتساب العلوم ويشجعهم على ذلك ، يستفيد من حب الذات والترقي عندهم .. وهو أمر فطري ، من دون أن يتوسل إلى الزجر والأساليب المخيفة ، ويفهمهم أن تحصيل العلم اليوم هو سبيل الوصول إلى العزة والعظمة في الغد .
إن الأسلوب المستعمل في هذا الحديث يعد من أعظم الأساليب في مجال التربية والتعليم في العصر الحديث ، فكل أسرة تستطيع أن تشجع أبناءها على تحصيل العلوم بهذا الأسلوب ، وتدفعهم منذ البداية إلى التعالي والترقي فإن الأطفال يسعون وراء العلم بدافع ذاتي فيما بعد ، ولا يحتاجون إلى التهديد والتعقيب .
وهنا توجد نقطة تشابه بين جو الأسرة العائلية ومحيط الدولة والحكومة الإسلامية حيث يقوم النظام الإجتماعي فيها على مبدأي الحرية والعدالة .. لذلك فإن التربية في ظل النظام الإسلامي تقوم بدورها على العدل والحرية ، وتنمية حب التعالي والتكامل في نفوس الأطفال ..
ادامه دارد
التعلیقات