أطفالنا في ظلّ التربية الإسلامية (٣)
موقع سبطين
منذ 10 سنوات
2 ـ المنهج الدراسيّ:
وهو مجموعة من العلوم والمبادئ التربويّة والعلميّة ، والخطط التي تساعدنا على تنمية مواهب
الطفل وصقلها، وإعداده إعدادا ًصالحاً للحياة. ولكي يكون المنهج الدراسيّ سليماً وتربويّاً صالحاً؛ يمكّنه من تأدية غرضه الشريف، فينبغي له أن يعالج ثلاثة أمور أساسية مهمّة في عمليّة التربية المقدّسة، و يتحمّل مسؤوليّته تجاهها، وهي:
أ ـ الجانب التربوي: إنّ العنصر الأساس في وضع المنهج الدراسيّ في مراحله الأولى خاصّة، هو العنصر التربويّ الهادف، فالمنهج الدراسيّ هو المسؤول عن غرس القيم الجليلة والأخلاق النبيلة في ذهن الطفل وفي نفسيّته، وهو الذي ينبغي أن يعوّده الحياة الاجتماعيّة السليمة ، والسلوك السامي؛ كالصدق والصبر والحبّ والتعاون والشجاعة والنظافة والأناقة والإيمان بالله عزّ وجلّ، وحبّ الوطن والالتزام بالنظام والمعتقدات والأعراف، وطاعة الوالدين والمعلّم، وإلخ. وهذا الجانب التربوي هو المسؤول عن تصحيح أخطاء البيئة الاجتماعيّة وانحرافاتها، كالعادات السيّئة والخرافات والتقاليد البالية.
ب ـ الجانب العلميّ والثقافيّ: وهذا يشمل تدريس الطفل مبادئ العلوم والمعارف النافعة له ولمجتمعه، سواء كانت الطبيعيّة منها أو الاجتماعيّة أو العلميّة أو الرياضيّة أو الأدبيّة أو اللغويّة أو الفنيّة وغيرها، التي تؤهلّه لأن يتعلّم في المستقبل علوماً ومعارف أعقد مضموماً وأرقى مستوى.
ج ـ النشاط الصيفي: وهذا الجانب لايقلّ خطورة عن الجانبين السابقين، إن لم نقل أكثر، ويتمثّل في تشجيع الطفل، وتنمية مواهبه، وتوسيع مداركه، وصقل ملكاته الأدبيّة والعلميّة والفنيّة والجسميّة والعقليّة؛ كالخطابة وكتابة النشرات المدرسيّة والرسم والنحت والتطريز والخياطة، وسائر الأعمال الفنيّة الأخرى، أوالرياضة والألعاب الكشفيّة والمشاركة في إقامة المخيّمات الطلابيّة والسفرات المدرسيّة، بل ومختلف النشاطات اللاصفيّة الأخرى، لدفعه إلى الابتكار والاختراع والاكتشاف والإبداع.
فإذا وضع المنهج الدراسيّ بهذه الطريقة الناجعة، استطاع أن يستوعب أهداف التربية الصالحة، ويحقّق أغراضها المنشودة في تنشئة النشء الصالح المفيد.
3 ـ المحيط الطلاّبي:
ونعني به الوسط الاجتماعيّ الذي تتلاقى فيه مختلف النفسيّات والحالات الخلقيّة، والأوضاع الاجتماعيّة من الأعراف والتقاليد، وأنماط متنوّعة من السلوك والمشاعر التي يحملها الطلاب معهم إلى المدرسة، والتي اكتسبوها من بيئاتهم وأسرهم، وحملوها بدورهم إلى زملائهم، فنرى الأطفال يتبادلون ذلك عن طريق الاحتكاك والملازمة والاكتساب. وطبيعيّ أن الوسط الطلابيّ سيكون على هذا الأساس زاخراً بالمتناقضات من أنماط السلوك والمشاعر ـ سيّما لو كان المجتمع غير متجانس ـ فتجد منها المنحرف الضارّ الخطر، ومنها المستقيم الخيّر النافع؛ لذا، كان لزاماً على المدرسة أن تهتمّ بمراقبة السلوك الطلابيّ، وخصوصاً من يسلك منهم سلوكاً ضارّاً، فتعمل على تقويمه وتصحيحه، ومنع سريانه إلى الطلاّب الآخرين، وتشجيع السلوك الاجتماعيّ النافع البنّاء وتنميته؛ كتنمية روح التعاون والتدريب على أعمال القيادة الجماعيّة، والرضا بالانقياد للأوامر، والالتزام بمقرّرات الجماعة، الطلاّبيّة، لينشأ فرداً اجتماعيّاً تعاونيّاً، يقرّ بالقيادة التي يقرّرها المجموع، والتي تحقّق مصلحة الجماعة، كما ويتدرّب الطالب من خلال ممارسته الحياة في المحيط الطلاّبي على احترام حقوق الآخرين، ومعرفة حقوقه عليهم من جانب آخر.
4 ـ النظام المدرسيّ ومظهره العام:
لمّا كان الطلبة يشعرون في اليوم الأوّل من انخراطهم في المدرسة أنّ للمدرسة نظاماً خاصّاً، يختلف عن الوضع الذي ألفوه في البيت ضمن أسرتهم؛ فإنّهم يشعرون بضرورة الالتزام بهذا النظام والتكيّف له، فإذا كان نظام المدرسة قائماً على ركائز علميّة متقنة، ومشيّداً على قواعد تربوية صحيحة؛ فإنّ الطالب سيكتسب طباعاً جيّدة في مراعاة هذا النظام، والعيش في كنفه. فمثلاً لو كان الطالب المشاكس الذي يعتدي على زملائه الطلاّب، والطالب الآخر المعتدى عليه، كلاهما يشعران بأن نظام المدرسة سيتابع هذه المشكلة، وأن هذا الطالب المعتدي سوف ينال عقابه وجزاءه؛ فإنّ الطرفين سيفهمان حقيقة مهمّة في الحياة، وهي أن القانون والسلطة والهيئة الاجتماعيّة يردعون المعتدي، وينزلون به العقاب الذي يستحقّه، وأن المعتدى عليه هو في حماية القانون والسلطة والهيئة الاجتماعيّة، ولا ضرورة أن يكلّف نفسه في الردّ الشخصيّ وإحداث مشاكل يحاسب هو عليها.
إنّ هذه الممارسة المدرسيّة التربويّة تربّي في الطفل احترام القانون واستشعار العدل ومؤازرة الحقّ والإنصاف. والنظام المدرسيّ الذي يتابع مشكلة التقصير في أداء الواجب، والتغيّب عن الدرس والمدرسة، ويحاول حل هذه المشكلة؛ فإنّ الطالب في هذه المدرسة سيتعوّد ـ من خلال ذلك ـ الضبط والمواظبة على الدوام والالتزام بالنظام وأداء الواجب والشعور بالمسؤوليّة، وهكذا….
وكما أنّ للنظام أثره في تكوين شخصيّة الطفل وتنمية مشاعره وصقل قدراته وتقويم مواقفه وقيمه؛ فإنّ للحياة العامّة في المدرسة أثرها الفعّال أيضاّ.
فجمال المدرسة ونظافتها، ونظام ونظافة الصفّ وتنظيم الكراسي والرحلات والسبورة، وتزيين الصف بأنواع الملصقات الجداريّة الملوّنة والهادفة، هذه تدخل على نفسيّة الطفل الارتياح والسرور والبهجة، خاصة إذا علم أنّ هذه كلّها له ولزملائه، فيسعى للمحافظه عليها. وكذلك نظافة دورة المياه والمرافق الصحيّة في المدرسة، والتزام كلّ مسؤول بواجبه بدقّة وحرص وإخلاص، وظهور اللافتات المدرسيّة والحِكم الأسبوعيّة، وتشكيل لجان لمساعدة الطلبة الجدد وإرشادهم لما يطلبون، وأخرى لمساعدة الطلاب الفقراء، وثالثة لتنظيف المدرسة والصفوف والساحة والممرّات، ورابعة لنشاطات مختلفة يعمل فيها الطلاّب سويّة؛ إنّ كل ذلك وأمثاله يزرع في نفوس الأطفال حبّ التعاون والمشاركة في الأعمال، وحبّ النظام والترتيب، وحبّ النظافة، والالتزام بما يوكل إليهم من نشاطات صفيّة أوغير صفيّة، واحترام الآخرين وعدم التدخل في شؤونهم، و… إلى آخره ممّا يعزّز الثقة بنفس الطفل ويثير فيها التمتّع والارتياح؛ فتنمّى قدراته وقابليّاته، فيأخذ بالإبداع والتقدّم فيفيض عطاءً وخيراً له ولأهله ولمدرسته ولمجتمعه... .
فعلى هذا توجّب على المدرسة أن تتقن نشاطاتها المختلفة وتنسّق فيما بينها، لتكون المدرسة بعناصرها المتقدّم ذكرها كافّة متّحدة الهدف، متّسقة التفكير، بحيث يجعل منها وحدة عمليّة نشيطة، يتعلّم فيها الطفل أسلوب الحياة الصائب، ويعدّ نفسه لحياة المستقبل كذلك ، ويقرّ الصالح من الممارسات، ويرفض الضارّ منها وغير المفيد، فتكون المدرسة بذلك قد أمدّت المجتمع العام بوحدات إنسانيّة أساسيّة، تدخل في بنائه وتركيبته الجديدة، وتعمل على إحداث تغيير اجتماعيّ فيه، وفق خطّة المدرسة الإسلاميّة الملتزمة.
د ـ الدولة:
بعد أن تطوّرت بنية الدولة ومهمامّها، وتعقّدت الحياة البشريّة بمختلف مجالاتها؛ صارت علاقة الإنسان بالدولة علاقة حيويّة، فما من مرفأ من مرافئ الحياة إلاّ وللدولة أثر أو علاقة أو مشاركة فيه، مباشرة أو غير مباشرة.
ويظهر أثر الدولة بشكل أكثر وضوحاً في التربية والتعليم والثقافة العامّة. فالدولة اليوم هي التي تتولّى مسؤوليّة التربية والتعليم والثقافة ، وتخطّط لها مركزيّاً، وتنهض بإدارتها وقيادتها.
أي أنّ الدولة تتبنّى مسألة إقامة البناء الإنسانيّ، وتصحيح البنية الشخصيّة وتقويمها، وتنمية الفكر، وكذلك طريقة إعداد الإنسان للحياة. وعليها مسؤوليّة إعداد المنهج المدرسيّ، ورسم السياسة التربويّة العامّة، وتوجيه الثقافة عن طريق الإذاعة والتلفزيون و وسائل النشر وأساليب الدعاية التي تؤثّر بواسطتها في إعداد الإنسان فكريّاً ونفسيّاً وسلوكيّاً، وبتلك الوسائل والإمكانات تستطيع الدولة التأثير على هوّية الإنسان التربويّة، وتحديد معالم شخصيّته.
وبما أنّ الدولة الإسلاميّة هي دولة عقائديّة فكريّة، لها خطّ فكريّ متميّز المعالم، وفلسفة حياتيّة مستقلّة؛ لذا فهي مسؤولة عن توجيه التربية، و التخطيط لكلّ عناصرها و أجهزتها المدرسيّة والإعلاميّة، لتسير في الخطّ الإسلاميّ الملتزم، فتمهّد الطريق للطفل في أن يشقّ طريقه إلى الحياة المستقبليّة الكريمة، وتساعد الشباب على تحمّل مسؤوليّاتهم المقدّسة، ليكون لهم الدور الفعّال في ترسيخ أسس الدولة الإسلاميّة واستمرارها وبقائها، والمشاركة في أخذ يدها نحو الخير والصلاح والعزّة والكرامة، وليأخذ كل فرد في المجتمع الإسلاميّ دوره البنّاء المعدّ له والمؤهّل هو له، فيكون عضواً نافعاً وفرداً صالحاً في هذا المجتمع، يهدي إلى الخير، ويكون رحمة لوالديه، فيترحّم الناس عليهما لما يجدون في ولدهما هذا البرّ والإحسان والخير والصلاح والنفع والفائدة.
قال هادي البشريّة والأنام، ومنقذها من العبوديّة والظلام، ومخلّصها من الذنوب والآثام، رسول الله محمّد عليه الصلاة السلام، وعلى آله الطيبين الكرام:
<< ميراث الله من عبده المؤمن الولد الصالح، يستغفر له >>.
مسك الختام:
وصيّة أميرالمؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب لولده الإمام أبي محمد الحسن المجتبى، صلوات الله وسلامه عليهما.
فقد قال الأستاذ المربّي عليّ نجل المرحوم الأستاذ المربيّ الكبيرمحمّد الحسين الأديب (ره) في كتابه ( منهج التربية عند الأمام عليّ عليه السلام ) ما نصّه:
( … والفرد بعد هذا يتأثّر بشكليّة النشأة التي نشأ عليها وسط المجتمع، فالسلوك الذي يسلكه الأبوان تجاه ولدهما، والأساليب التي يتّبعها هذان القيّمان على تربيته من وسائل تربويّة لتقويم شخصيّته وتهذيبها؛ تحمله لأن يمثّل في حياته العائليّة دوراً معيّناً، تكثر فيها الحركة و المغامرة.
وما تصنعه الأسرة والمدرسة من صياغة في شخصيّة الفرد، تضعه مؤسّسات اجتماعية أخرى، كأصدقاء اللعب والنوادي والجمعيّات، وكلّ ما في هذا المجتمع من علاقات متبادلة مع الفرد.
وإنّنا حين نتطرّق لهذه العوامل بالشرح والتبسيط؛ إنما نريد بذلك إرساء حجر الأساس لما ألزَمَناه عليّ (ع) في منهاجه التربويّ ، فنوفّر الأرضيّة الصالحة لنشأة الجيل على مبادئه و معتقداته وآماله، معتمدين في ذلك على الهدف الذي رسمه لنا، لتحديد معالم التربية و أطرها الفكريّة والمسلكيّة والعاطفيّة، فذلك هو نصّ ما جاء بخطابه لولده الحسن(ع) ، حيث قال:
<< ... فإنّي أوصيك بتقوى الله أي بُنيّ ، ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله، وأيّ سبب أو ثق من سبب بينك وبين الله ، إنْ أنت أخذت به>>) ؟!
سدّدنا الله عزّوجلّ جميعاً في تربية أولادنا التربية الإسلاميّة التي ترضيه سبحانه وتعالى، وترضي رسوله وخلفاءه الميامين الأئمة الاثني عشر الطيبين الطاهرين المعصومين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وترضي الصلحاء من هذه الأمّة الطيبّة ، عليهم رضوان من الله ربّ العالمين، والحمد لله حمد الحامدين، ونستعينه إنّه خير معين.
التعلیقات