كيف دخلت الأسطورة میدان أدب الأطفال الإسلامی؟
موقع تبيان
منذ 10 سنواتيرى بعض الأدباء المسلمين أن يُستفاد من "الأسطورة" و"الخرافة" في ميدان أدب الأطفال الإسلامي،
بغية إثارة الخيال عند الطفل وتنميته. ويعتقد هؤلاء أنه لا يوجد شيء في الإسلام يمنع استخدام الأسطورة والخرافة وما شابههما من التعابير كالسحر والجن وغير ذلك من أجل ذلك الهدف.
والموضوع قديم، ولكنه ينمو مع الأيام وتزداد الرغبة فيه. ولا أعتقد لذلك سبباً إلا شدّة نشاط العلمانيين والحداثيين من خلال وسائل إعلاميّة وفكريّة دائبة لا تكلّ، حتى تتسلّل الأفكارُ العلمانيّة والحداثيّة إلى قلب الصف الإسلامي، ثمّ يبدأُ المسلمون يألفونها، ثمّ يرغبون بها، ثم يدعون إليها، ويبتدعون المسوّغات غير السليمة، والزخارف العائمة، والهوى المكشوف.
هذه الظاهرة الغريبة في واقع المسلمين رأيناها منذ منتصف القرن الماضي وامتدت في واقعنا حتى اليوم. ولعلها ابتدأت بالاشتراكية، ثمّ الفكر اليساري ليمثل التطور في رأي أتباعه، ثمّ الحداثة ومذاهبها التي لا تكاد تنتهي، ثمّ العلمانية، والديمقراطية، والشعر الحر المتفلّت من مثل قصيدة النثر والتفعيلة، والأسطورة وأمثالها.
من هذه الظاهرة التاريخية ندرك بيسر أننا فقدنا الثقة بأنفسنا، وأننا أعلنّا الإفلاس، ولهثنا وراء ما يأتي به الغرب المتقدم مادّيّاً، تابعين مقلّدين عاجزين عن الإبداع، حتى أصبح الكثيرون أسارى الفكر المادّي الغربي وتصوّراته ومصطلحاته، لا يكادون يستطيعون انفكاكاً منه.
الأسطورة هي الترجمة الحقيقية لكلمة "Epic" الإنجليزية، أو كلمة "Epicus" اليونانية. وهي تعني: قصيدة تحتفي بأن تقص إنجازات البطل أو الأبطال و"الآلهة" و"أنصاف الآلهة". أو هي: قصيدة طويلة قصصية تروي أعمال أبطال من التراث أو التاريخ.
ولقد وضع أرسطو قواعد "الأسطورة" معتمداً على أعمال هوميروس كنموذج، وذلك قبل أكثر من ألفي سنة. فقال: إن الأشخاص يجب أن يكونوا من مستوى عالٍ، وحاضرين بصورة دائمة في عمل عظيم، بأسلوب سهل مع تفصيلات كاملة، ومن أشهر ما يضرب من أمثلة على تلك الأساطير:
في اليونان: الإلياذة، والأوديسي Iliad, Odyssey، وفي فنلندا: كاليفالا Kalevala، وفي ألمانيا: ديرميسياس (كلوبستوك) Der Messias (Klopstock)، وفي إيطاليا: الكوميديا الإلهية (dante) Divine Comedy وغير ذلك مما لا يتسع المقام لذكره.
إن منطلق هذه الأساطير كلها هو التصوّر المادّي المنبعث من الوثنية اليونانية الممتدة إلى روما ثمّ إلى أوروبا كلها وغيرها من شعوب الأرض، ولذلك أقول: إنه لا صلة بين الأدب الملتزم بالإسلام أو أدب الأطفال الإسلامي بالأسطورة ولا بالخرافة ولا بالسحر ولا بما أشبه ذلك. ولا حاجة لنا به من قريب أو بعيد، وذلك للأسباب التالية:
1.لأن الأسطورة كما بدأت عند اليونان والهند وفارس وغيرها، كانت تدور حول خرافات تتناول أبطالاً تاريخيين في الأمة مع "الآلهة أو أنصاف الآلهة" في صورة مليئة بالشرك الواضح الذي لا يمكن إخفاؤه أو تسويغه أو قبوله. وارتبطت كلمة (الأسطورة) بهذه المعاني والتصورات أكثر من ألفي سنة، واستقرَّ هذا المعنى والتصور في قلوب الناس وعقولهم. فلا جدوى من أن نحاول أن نُكسب الأسطورة طلاء إسلاميّاً لا يقوى على تغيير ما استقرَّ في القلوب والعقول، ولا يعود على الإسلام والمسلمين بأيّ خير.
2.أصبحت الأسطورة جزءاً رئيسيّاً من أدب الحداثة الذي ينبذ القديم كله إلا الخرافة النابعة والمرتبطة بالوثنية اليونانية.
إننا في مدرسة الإسلام، مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، نحرص على أن يعيش الطفل مع الحقيقة أولاً وأن يعيها وأن يعي الواقع، كلُّ ذلك من خلال منهاج الله. وتنمية خيال الطفل بمعنى توسعة أفقه وفكره في ذلك ليحسن تصوُّر الأمور تصوّراً سليماً، لينشأ الأطفال المسلمون واعين وليصبحوا رجالاً يتحملون المسؤولية الواقعية، ولا يعيشون في الخيال التائه، والخرافات والأساطير. إن مذاهب الحداثة تكاد تغيّب الواقع عن الطفل ونموه ومراحلها، وكأنها تهدف أن ينشأ الجيل المسلم مغيّباً عن الحقيقة والواقع، وصدق التصوّر.
3.إنّ في قصص الكتاب والسنّة زاداً عظيماً لتربية الأطفال وتنشئتهم على وعي يُعينهم على الوفاء بالأمانة التي خُلِقوا لها في مسيرتهم في الحياة، دون أن يعيشوا في وهمٍ وخيال تائه. وكذلك في القصص الذي نأخذه من الواقع، من الحقائق زادٌ عظيم لتغذية الطفل بالصدق والأمانة والوفاء بها، والوفاء بالعهد مع الله.
إنّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم يربِّ الأطفال على الوهم النابع من الخرافة والأساطير، ولا على الخيال التائه، ولا على الأهواء والشهوات والمُتع الرخيصة، ولا على الهبوط إلى دنس الرذيلة والفجور، بل اعتمد الكتاب والسنّة، وما فيهما من قصص يُنمّي الإيمان بالله واليوم الآخر، ويُنمّي الخلق الطاهر، ويعين على بناء أخوّة الإيمان والأمة المسلمة الواحدة، وحمل رسالة الله إلى الناس كافّة وتعهّدهم عليها.
4.إنّ أمتنا اليوم تتعرّض لأشدّ المخاطر، فلا بدّ من إعداد أبنائها إعداداً يُعينهم على حماية أمتهم، وجمعها صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص. ولكن أعداء الله وأعداء الأمّة يُريدون أن يغيّبوا المسلم عن حقيقة واقعه، وعن الأخطار المحدقة به، حتى يسهل عليهم فتنته عن دينه، وعن حماية أمته، وليسهل عليهم اختراق ديار العالم الإسلامي اختراقاً كبيراً.
5.هذا هو التاريخ بين أيدينا بما فيه من خرافات وأساطير تبنّاها الكثيرون وعاشوا فيها، فأيّ فضيلة بنته في التاريخ البشري، وأيُّ حقّ نصرته الأساطير والخرافات؟! إنّ أكبر دور كان لها في التاريخ البشريّ هو زخرفة الشرك وتزيينه للناس ليُقبلوا عليه في فتن متتالية بين الأفراد والقبائل والشعوب والأمم.
الأساطير التي ذكرناها بعضها وغيرها كثير تبرّأت من التوحيد وصدق الإيمان بالله، ولكن عرضت "الآلهة المتعددة" والحرب المشتعلة بينها، والعشق والغرام بينها وبين الأبطال البشر. لذلك كانت هذه الأساطير سيرة خياليّة للشعب في تاريخ طويل.
فما قدّمه هوميروس "بالإلياذة" و"الأوديسي" لم يكن من صنعه هو وحده، ولكنه جمع ما تناقلته الأجيال اليونانية من هذه الخرافات وأخرجها في أسطورة، حسب الكثيرون أنه هو صانعها وبانيها.
وأخيراً، فلقد استطاع الأعداء أن يتبنّوا ذلك، وأن يفرضوه على مختلف الشعوب، وبخاصة المسلمين، ليدرّس في جامعاتهم على أنه المثل الرفيع للأدب وإنجازه، ونجحت خطتهم وأصبح الكثيرون من المسلمين يتبنّون ذلك ويدافعون عنه ويدعون إليه!
نعم! يمكن أن نستفيد من تجارب الشعوب، ولكن لا يعني ذلك أن نأخذ الباطل وندع الحقّ، ونتمسّك بالخرافة ونهمل الصدق. يمكن أن نستفيد لا لنكون تَبعاً مُقلّدين، نُعطّل فكرنا ونطوي تراثنا، ونتحلّل من ديننا شيئاً فشيئاً، ثمّ نُسمّي ذلك تعاوناً واستفادة من تجارب الشعوب.
إننا إذا تابعنا تطور الفكر والأدب في الغرب حتى يومنا هذا، فإننا نجد أن فكرهم وعطاءهم ما زال مرتبطاً بجذوره الوثنيّة اليونانيّة التي أعطوها صفة التقديس والنموذج الأعلى. ومن خلال هذا التصوّر الذي غرسه الانحراف عن التوحيد في تاريخهم ونفوسهم، نبعت انحرافات بعد انحرافات في ميادين متعدّدة في الحياة.
التعلیقات