مقارنة بين المنهج الإسلامي والمنهج المادي في بناء الاُسرة (ثانياً : الصفة الأخلاقية )
عبّاس الذهبي
منذ 9 سنوات. ثانياً : الصفة الأخلاقية
يعتبر المنهج الإسلامي الأخلاق الفاضلة من الدعائم الأساسية التي يقوم
عليها المجتمع الفاضل ، وخاصة مجتمع الاُسرة ، ولهذا فهو يحرص أشد الحرص على صيانة الأخلاق وترسيخها والتصدي لكلِّ من يخل بها.
أما المنهج المادي فيكاد يهمل المسائل الأخلاقية ولا يعتني بها إلاّ إذا أصاب ضررها المباشر مصالح الأفراد أو أخل بالأمن والنظام العام.
فعلى سبيل المثال تعاقب الشريعة على جريمة الزنا في كلِّ الأحوال والصور ، لكونها جريمة تمس الأخلاق ، وتتضمن اعتداءً على نظام الاُسرة الذي يشكّل حجر الزاوية في النظام الاجتماعي الإسلامي ، وعليه فهي تعاقب فاعله إذا أتى به في أي مكان ، ويعتبر في نظرها زانياً كل من يجتمع على فاحشة سواء كان محصناً أم غير محصن.
أما القانون الوضعي فلا يعتبر هذا الفعل الفاحش زنا إلاّ إذا وقع في منزل الزوجة (1).
لذلك من الممكن القول أن التفسير الوحيد لموقف الشريعة المتشدد من الزنا ، هو قيام المنهج الإسلامي على قاعدة الأخلاق ، يقول الدكتور جبر محمود : « إنّ النظام الجنائي الإسلامي هو النظام القانوني الوحيد بين النظم القانونية المعروفة للعالم الحر الذي يعاقب على الزنا مجرداً عن أي اعتبار آخر ، وهو النظام القانوني الوحيد الذي لا يجعل لرضا الزانين أثراً أيّاً ما كان في العقوبة على فعليهما » (2).
وكان واضحاً من وراء ذلك حرص الإسلام على حماية الجانب الأخلاقي في كيان الاُسرة ، أما المنهج الغربي فلا يعبأ بهكذا نوع من الجرائم وأخذ يساير هذا الواقع الفاسد ويمنحه صفة قانونية ، « ففي عام 1975م عُدّل قانون العقوبات الفرنسي في موضوع الجرائم الأخلاقية ، وتبدّلت النظرة القانونية إلى زنا المتزوجين فاخرج من عداد الجرائم » (3).
كما وقد أخرج الشارع البريطاني اللِّواط من قائمة الأفعال المحرمة على الرغم من كونه عملاً قبيحاً تحرّمه كافة شرائع السماء ، في حين أن القانون الفرنسي لا يعاقب من قديم على هذا الفعل.
ذلك أن المنهج المادي يرى أن الدين والأخلاق تشكّل قيوداً وعوائقاً أمام حرية الإنسان وخاصة الجنسية منها ، يقول فرويد : « إنّ الإنسان لا يُحقق ذاته بغير الاشباع الجنسي ، وكل قيد من دين أو أخلاق أو تقاليد هو قيد باطل ومُدمّر لطاقة الإنسان وهو كبت غير مشروع » (1).
ولا يخفى بان النتيجة المترتبة على انطلاق الغرائز وإباحة الجنس هي تهديم الأخلاق وتحطيم الاُسرة ، وهو أمر يُخطط له أعداء الدين والإنسانية من زمن بعيد ، فأحد بروتوكولات حكام صهيون يقول : « يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كلِّ مكان فتسهل سيطرتنا .. إنّ فرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدّسَ ، ويصبح همّهم الأكبر هو إرواء غرائزهم الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقهم » (2).
لقد بات واضحاً أن من أكبر الآثار المدمرة على الاُسرة هي أفكار فرويد الإباحية ، وقد كان الإنسان حين يقع في الإثم يشعر بالذنب وتأنيب الضمير ، فجاء فرويد يوحي إليه بأنه إنسان سوي ولا غبار عليه ، وأن الممارسة الجنس ولو بصورة غير شرعية هو عملية « بيولوجية » بحتة لا صلة له بالأخلاق ، وهكذا أسبغ على الفساد صبغة أخلاقية!
أما المنهج الإسلامي فإنّه يسير جنباً إلى جنب مع الأخلاق ، ويعتبر الدخول في عشّ الزوجية وتشكيل الاُسرة نقطة تحوّل نحو الأخلاق السامية ، وليس أدلّ على ذلك من قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « زوّجوا أياماكم فإنّ الله يُحسن لهم في أخلاقهم .. » (1).
_____________________
1) اُنظر : اُصول النظام الجنائي الإسلامي / الدكتور محمد سليم العوا : 38.
2) الزنا : أحكامه ، أسبابه : 211.
3) دراسات معمقة في الفقه الجنائي المقارن / الدكتور عبدالوهاب حومد : 9 ، 11.
4) الإسلام والجنس / فتحي يكن : 18.
5) الإسلام والجنس : 19.
6) نوادر الراوندي : 36.
التعلیقات