إن من أزواجكم و أولادكم عدواً لكم
مرتضى باشا
منذ 14 سنةقال الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) } سورة التغابن
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي – عليه الرحمة - ج 19 ص 307
" من " في " أزواجكم " للتبعيض ، وسياق الخطاب بلفظ " يا أيها الذين آمنوا " وتعليق العداوة بهم يفيد التعليل أي أنهم يعادونهم بما أنهم مؤمنون ، والعداوة من جهة الإيمان لا تتحقق إلا باهتمامهم أن يصرفوهم عن أصل الإيمان أو عن الأعمال الصالحة كالإنفاق في سبيل الله والهجرة من دار الكفر أو أن يحملوهم على الكفر أو المعاصي الموبقة كالبخل عن الإنفاق في سبيل الله شفقة على الأولاد والأزواج والغصب واكتساب المال من غير طريق حله . فالله سبحانه يعد بعض الأولاد والأزواج عدوا للمؤمنين في إيمانهم حيث يحملونهم على ترك الإيمان بالله أو ترك بعض الأعمال الصالحة أو اقتراف بعض الكبائر الموبقة وربما أطاعوهم في بعض ذلك شفقة عليهم وحبا لهم فأمرهم الله بالحذر منهم .
وقوله : " وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم " قال الراغب : العفو القصد لتناول الشيء يقال : عفاه واعتفاه أي قصده متناولا ما عنده - إلى أن قال - وعفوت عنه قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه ، وقال : الصفح ترك التثريب وهو أبلغ من العفو ، ولذلك قال تعالى : " فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره " وقد يعفو الإنسان ولا يصفح ، وقال : الغفر إلباس ما يصونه عن الدنس ، ومنه قيل : اغفر ثوبك في الوعاء واصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ ، والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب قال : " غفرانك ربنا " " ومغفرة من ربكم " " ومن يغفر الذنوب إلا الله " انتهى .
ففي قوله : " فاعفوا واصفحوا واغفروا " ندب إلى كمال الإغماض عن الأولاد والأزواج . إذا ظهر منهم شيء من آثار المعاداة المذكورة - مع الحذر من أن يفتتن بهم - . وفي قوله : " فإن الله غفور رحيم " إن كان المراد خصوص مغفرته ورحمته للمخاطبين أن يعفوا ويصفحوا ويغفروا كان وعدا جميلا لهم تجاه عملهم الصالح كما في قوله تعالى : " وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " النور : 22 . وإن أريد مغفرته ورحمته العامتان من غير تقييد بمورد الخطاب أفاد أن المغفرة والرحمة من صفات الله سبحانه فإن عفوا وصفحوا وغفروا فقد اتصفوا بصفات الله وتخلقوا بأخلاقه .
قوله تعالى : " إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم " الفتنة ما يبتلى ويمتحن به ، وكون الأموال والبنين فتنة إنما هو لكونهما زينة الحياة تنجذب إليهما النفس انجذابا فتفتتن وتلهو بهما عما يهمها من أمر آخرته وطاعة ربه ، قال تعالى : " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " الكهف : 46 . والجملة كناية عن النهي عن التلهي بهما والتفريط في جنب الله باللي إليهما ويؤكده قوله : " والله عنده أجر عظيم " .
- التبيان - الشيخ الطوسي – عليه الرحمة - ج 10 ص 24 :
قال ابن عباس : نزلت الآية في قوم اسلموا بمكة وأرادوا الهجرة فمنعوهم من ذلك .
وقال عطاء بن بشار : نزلت في قوم أرادوا البر فمنعهم هؤلاء .
وقال مجاهد : هي في قوم إذا أرادوا طاعة الله منعهم أزواجهم وأولادهم فبين الله تعالى أن في هؤلاء من هو عدولكم في الدين فاحذروهم فيه .
و ( من ) دخلت لتبعيض لأنه ليس حكم جميع الأزواج والأولاد هذا الحكم . والعداوة المباعدة من الخير بالبغضة , ونقيضها الولاية وهي المقاربة من الخير بالمحبة . والإذن الإطلاق في الفعل ، تقول : يسمع بالإذن ، فهذا أصله ، ثم قد يتسع فيه بما يقارب هذا المعنى . ثم قال ( وإن تعفوا ) يعني تتركوا عقابهم ( وتصفحوا ) وتعرضوا عما كان منهم ( و تغفروا ) أي تستروا ذنوبهم إذا تابوا وأقلعوا عنها ( فإن الله غفور ) أي ستار على خلقه ( رحيم ) بهم . ثم قال ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) أي محنة وابتلاء . وقال قتادة : يعني بلاء . والفتنة المحنة التي فيها مشقة تمنع النفس عما تدعو إليه الشهوة ( والله عنده أجر عظيم ) أي ثواب جزيل على الصفح والعفو وغيرهما من الطاعات .
- تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي – عليه الرحمة - ج 5 ص 342 :
20 - في تفسير على بن إبراهيم وفى رواية أبى الجارود عن أبى جعفر عليه السلام إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وذلك أن الرجل كان إذا أراد الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تعلق به ابنه وامرأته ، وقالوا : ننشدك الله أن تذهب عنا وتدعنا فنضيع بعدك ، فمنهم من يطيع أهله فيقيم ، فحذرهم الله أبناءهم ونساءهم ونهاهم عن طاعتهم ، ومنهم من يمضى ويذرهم ، ويقول : أما والله لئن لم تهاجروا معي لم يجمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبداً ، فلما جمع الله بينه وبينهم أمره الله أن يحسن إليهم ويصلهم ، فقال : وان تعفوا وتصفحوا و تغفروا فان الله غفور رحيم .
21 - في نهج البلاغة وقال عليه السلام : لا يقولن أحدكم : اللهم إني أعوذ بك من الفتنة لأنه ليس أحد إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن ، فان الله سبحانه يقول : واعلموا أنما أموالكم و أولادكم فتنة .
التعلیقات