الإمام المهدي عليه السلام في حديث الإمام السجّاد عليه السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ شهريعتبر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف محوراً أساسياً في العقيدة الإسلامية ، خصوصاً في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، حيث يؤمن المسلمون بأنه الإمام الثاني عشر الذي سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً. وقد وردت العديد من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام تؤكد على ضرورة الإيمان به وانتظار فرجه. ومن بين تلك الأحاديث ، ما رُوي عن الإمام زين العابدين عليه السلام عبر أحد أصحابه المخلصين ، أبي خالد الكابلي.
نص حديث أبي خالد الكابلي عن الإمام زين العابدين عليه السلام
عن أبي خالد الكابلي (1) عن الامام زين العابدين عليه السلام في الذين فرض اللّه عزّ وجلّ طاعتهم ومودتهم وأوجب على عبادة الاقتداء بهم بعد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم ما يصيب الامام المهدي عليه السلام من المحن بعد شهادة والده ، جاء فيه :
قال أبو خالد : فقلت له : يابن رسول اللّه ، وإنَّ ذلك لكائنٌ ؟
فقال : « إي وربّي . إن ذلك لمكتوبٌ عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ».
قال أبو خالد : فقلت : يا ابن رسول اللّه ، ثمَّ يكون ماذا ؟
قال : « ثمَّ تمتدُّ الغيبة بوليِّ اللّه عزّ وجلّ ، الثاني عشر من أوصياء رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة بعده. يا أبا خالد ، إنَّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره ، أفضل من أهل كلِّ زمان ، لأنَّ اللّه تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهد ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف. أولئك المخلصون حقّاً ، وشيعتنا صدقاً ، والدعاة إلى دين اللّه عزّ وجلّ سرّاً وجهراً ».
وقال عليُّ بن الحسين عليهما السلام : « إنتظار الفرج من أعظم الفرج » (2).
شرح الحديث وتوضيح معانيه
1ـ التأكيد على حتمية الغيبة : في هذا الحديث ، يؤكد الإمام زين العابدين عليه السلام لأبي خالد الكابلي أن الغيبة أمر مكتوب ومحتم في الصحيفة الإلهية التي تسجل المحن التي ستواجه الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله. وهذا يشير إلى أن الغيبة ليست أمراً عارضاً ، بل جزء من المخطط الإلهي لحفظ الدين.
2ـ منزلة المؤمنين في زمن الغيبة: يصف الإمام زين العابدين عليه السلام أولئك الذين يؤمنون بإمامة المهدي عجل الله فرجه وينتظرون ظهوره بأنهم « أفضل من أهل كل زمان » ، ويعزو ذلك إلى العقول والأفهام التي وهبها الله لهم ، مما يجعلهم يرون الغيبة كأنها حضور مشاهد. وهذا يعكس مقاماً عالياً لأصحاب اليقين الثابت.
3ـ انتظار الفرج كجهاد : يشبه الإمام السجاد عليه السلام المؤمنين في زمن الغيبة بالمجاهدين الذين يقاتلون بين يدي النبي صلى الله عليه وآله ، مما يدل على أن الثبات على العقيدة في غيبة الإمام يعادل الجهاد في سبيل الله.
4ـ انتظار الفرج من أعظم الفرج: يختتم الإمام زين العابدين عليه السلام بقوله: « إنتظار الفرج من أعظم الفرج » ، وهو ما يعكس أن انتظار الإمام ليس مجرد موقف سلبي ، بل هو حالة إيمانية نشطة تدفع الإنسان للسعي نحو الإصلاح والتقوى والتمسك بالمبادئ الإلهية.
إن حديث أبي خالد الكابلي عن الإمام زين العابدين عليه السلام يحمل في طياته دروساً عظيمة لكل مؤمن يعيش في زمن الغيبة. فالإيمان الثابت ، والمعرفة العميقة ، والصبر على المحن ، كلها سمات يجب أن يتحلى بها المنتظرون للإمام المهدي عجل الله فرجه. إنَّ انتظار الفرج ليس مجرد شعور أو أمل ، بل هو عمل دؤوب وسعي دائم لنشر العدل والإصلاح في المجتمع ، كي نكون بحق من أنصار الإمام وأعوانه عند ظهوره المبارك.
1ـ الكشي: وجدت بخط جبرئيل بن أحمد ، حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن عبد الله الحناط ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد ابن الحنفية دهرا و ما كان يشك في أنه إمام حتى أتاه ذات يوم فقال له : جعلت فداك ، إن لي حرمة و مودة و انقطاعا ، فأسألك بحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله و أمير المؤمنين عليه السلام إلا أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه ؟ قال : فقال : يا أبا خالد ، حلفتني بالعظيم ، الإمام علي بن الحسين عليه السلام علي و عليك و على كل مسلم ، فأقبل أبو خالد لما أن سمع ما قاله محمد ابن الحنفية ، فجاء إلى علي بن الحسين عليه السلام، فلما استأذن عليه فأخبر أن أبا خالد بالباب ، فأذن له ، فلما دخل عليه دنا منه ، قال : مرحبا يا كنكر ، ما كنت لنا بزائر ، ما بدا لك فينا ؟
فخر أبو خالد ساجدا شاكرا لله تعالى مما سمع من علي بن الحسين عليه السلام ، فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي ، فقال له علي عليه السلام : و كيف عرفت إمامك يا أبا خالد ؟ قال : إنك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي التي ولدتني ، و قد كنت في عمياء من أمري ، و لقد خدمت محمد ابن الحنفية دهرا من عمري ، و لا أشك إلا و أنه إمام حتى إذا كان قريبا سألته بحرمة الله و بحرمة رسوله و بحرمة أمير المؤمنين عليه السلام فأرشدني إليك ، و قال : هو الإمام علي و عليك و على جميع خلق الله كلهم ، ثم أذنت لي فجئت فدنوت منك ، سميتني باسمي الذي سمتني أمي فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله طاعته على كل مسلم. ( معجم رجال الحديث / السيد أبوالقاسم الخوئي / المجلّد : 15 / الصفحة : 135).
2ـ كمال الدين و تمام النعمة / الشيخ الصدوق / المجلّد : 1 / الصفحة : 320.
التعلیقات