الأحبار وإشاعة فكرة القدر بين المسلمين
القضاء والقدر
منذ 15 سنة
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج2، ص 211 ـ 212
(211)
الأحبار وإشاعة فكرة القدر بين المسلمين
لقد ابتلي المسلمون بعد كعب الأحبار بكتابيّ آخر قد بلغ الغاية في
بث الإسرائيليات بين المسلمين ، هو وهب بن منبهر، قال الذهبير: ولد في
آخر خلافة عثمان ، كثير النقل عن كتب الإسرائيليات . توفّي سنة 114.
وقد ضعّفه الفلاّس (2).
وقال في ( تذكرة الحفاظ ) : عالم أهل اليمن ولد سنة 34 ، وعنده من
علم الكتاب شيء كثير ، فإنّه صرف عنايته إلى ذلك وبالغ . وحديثه في
الصحيحين عن أخيه همّام (3).
ويظهر من تاريخ حياته أنَّه أحد المصادر لانتشار نظرية نفي الاختيار
ــــــــــــــــــــــــــــ
(2) ميزان الاعتدال : 4 / 352 ـ 353 .
(3) تذكرة الحفاظ : 1 / 100 ـ 101.
________________________________________
(212)
والمشيئة عن الإنسان حتى المشيئة الظلية لمشيئته سبحانه الّتي لولاها لبطل
التكليف وأُلغيت الشريعة.
روى حماد بن سلمة عن أبي سنان قال : سمعنا وهب بن منبّه قال :
كنت أقول بالقَدَر حتى قرأت بضعاً وسبعين كتاباً من كتب الأنبياء في كلها :
« من جعل لنفسه شيئاً من المشئية فقد كفر» ، فتركت قولي (1).
والمراد من « القَدَر » في قوله: « كنت أقول بالقَدَر» ، هو القدرة
الإنسانية التي عبّر عنها في ذيل كلامه بالاختيار والمشيئة. كما يمكن أن
يكون المراد منه نفي القدر ، كما ربما يقال « القدرية » على نفاة القدر
والقضاء.
وهذا النقل يعطي أنَّ القول بنفي المشيئة للإنسان ممَّا ورد في أزيد من
سبعين كتاباً من كتب الأنبياء ، حسب زعم هذا الكتابي ، ومنها تسرب هذا
القول إلى الأوساط الإسلامية ، حيت أصبح مَن قال بالمشيئة يكفر حسب نقل
هذا الكتابي . وقد تسنم الرجل منبر التحدث عن الأنبياء يوم كان نَقْل
الحديث عن النبي ممنوعاً ، وكان نتيجة ذلك التحدث انتشار الإسرائيليات
الراجعة إلى حياة الأنبياء في العاصمة الإسلامية المدينة المنورة ، وقد جمع
ما ألقاه في مجلد أسماه في كشف الظنون: « قصص الأبرار وقصص
الأخيار» (2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ميزان الاعتدال : 4 / 353 .
(2) كشف الظنون : 2 / 223، مادة « قصص » .
التعلیقات