الانتحار من وجهة نظر الإسلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ سنتينهناك آيات في القرآن الكريم تنص على حرمة الانتحار، وترفضه تمام الرفض، ولا ترتضي هذا العمل القبيح.
وأوضحت آية يمكن الاستدلال بها على حرمة هذا الفعل الشنيع هي الآية الواردة في سورة النساء، حيث يقول الله تعالى فيها: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾.(1)
ولقد أورد صاحب كتاب الميزان في شأن هذه الآية ما يلي:
﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ ظاهر الجملة أنها نهت عن قتل الإنسان نفسه، لكن مقارنتها قوله: ﴿لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ﴾، حيث إن ظاهره أخذ مجموع المؤمنين كنفس واحدة لها مال يجب أن تأكلها من غير طريق الباطل ربما أشعرت أو دلت على أن المراد بالأنفس جميع نفوس المجتمع الديني المأخوذة كنفس واحدة نفس كل بعض هي نفس الآخر، فيكون في مثل هذا المجتمع نفس الإنسان نفسه ونفس غيره أيضا نفسه، فلو قتل نفسه أو غيره فقد قتل نفسه، وبهذه العناية تكون الجملة أعني قوله: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ مطلقة تشمل الانتحار ـ الذي هو قتل الإنسان نفسه ـ وقتل الإنسان غيره من المؤمنين.
وربما أمكن أن يستفاد من ذيل الآية أعني قوله: ﴿إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ أن المراد من قتل النفس المنهي عنه ما يشمل إلقاء الإنسان نفسه في مخاطرة القتل والتسبيب إلى هلاك نفسه المؤدي إلى قتله، وذلك أن تعليل النهي عن قتل النفس بالرحمة لهذا المعنى أوفق وأنسب، كما لا يخفى، ويزيد على هذا معنى الآية عموما واتساعا، وهذه الملاءمة بعينها تؤيد كون قوله: ﴿إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ تعليلا لقوله: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ فقط.(2)
وهناك آيات أخرى تشير إلى حرمة وشناعة هذا العمل، كما جاء في سورة الإسراء، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾.(3)
وهذه الآية تشير إلى مسألتين:
أولاً: لا تقتل من حرم الله دمه، أي: تحريم القتل والانتحار.
ثانياً: عبارة ﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ تشير إلى إقامة القصاص أو الحد، حيث يكون من حق الشخص أن يقتل الشخص الآخر، كما هي في أمر قصاص المرتكب لجريمة القتل العمد أو الزنا المحصنة. وعليه يقال إن الانتحار حرام عندما نضعه بجنب قتل الآخرين ظلماً من دون سبب مبرر، فيكون الانتحار جريمة قتل عدوانية من دون أي مبرر ظلماً للنفس.
التهلكة يعني الموت بدون سبب. فليس للإنسان أن يضع نفسه في المخاطرة من غير أي داع، ففي هذه الآية قال صاحب المجمع البيان: لا تكثر من الذنوب؛ لأنك مشتاق إلى مغفرة الله.
ففي هذا البيان لا يجوز على الإنسان أن يضع نفسه في محل يحتمل أن يكون في خطر، فكيف أن يجعل نفسه في معرض التهلكة ويعدمها الحياة، وهذا الأمر قد حرّمه المولى في القرآن الكريم.
وجاء في القرآن الكريم في سورة المائدة: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...﴾.(6) فبناءً على هذا الأمر يتضح أن الانتحار نوع من أنواع قتل النفس المحترمة.
الانتحار في الروايات
لقد ورد في قضية الانتحار روايات وأحاديث كثيرة نذكر بعضاً منها:
روى الحسن بن محبوب عن أبي ولّاد الحنّاط قال سمعتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ مُتَعَمِّداً فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا».(7)
وجاء في الخبر عن معاويةَ بن عمّار عن ناجيةَ قال: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُبْتَلَى بِكُلِّ بَلِيَّةٍ ويَمُوتُ بِكُلِّ مِيتَةٍ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ».(8)
وروي عن رسول اللّه ِ صلّى الله عليه وآله أنه قال: «الذي يَخنُقُ نفسَهُ يَخنُقُها في النارِ، والذي يَطعَنُها في النارِ».(9)
وروي عن أسباط بن سالم قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فجاءه رجل، فقال له: أخبرني عن قول الله ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ «عنى بذلك الرجل من المسلمين يشد على المشركين وحده، يجيء في منازلهم فيقتل فنهاهم الله عن ذلك».(10)
علي بن إبراهيم قال:كان الرجل إذا خرج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في الغزو يحمل على العدو وحده من غير أن يأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فنهى اللّه أن يقتل نفسه من غير أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.(11)
الحياة التي تكون من دون هدف ولا اعتقاد تكون منصة مناسبة للانتحار. وإن للمعتقدات الإسلامية دوراً مهماً في خلق معنى الحياة الطيبة؛ لأن الدين مصدر مهم لإلهام معنى الحياة للبشرية لما فيه من أهداف سامية، فلهذا يمنع أن يقضي الشخص وقته بالفراغ، ويمنع التشاؤم للشخص الذي لا هدف له، إن تقوية القيم الدينية ومحاولة حث الناس على أداء الأعمال الدينية في المجتمع سيجعل الناس لا ينسون رحمة الله، ويعتبرون الله ناصرهم عندما يشعرون بالفراغ واليأس.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تقوية المعتقدات الدينية تجعل الناس يعتبرون الانتحار خطيئة لا تغتفر كما هو في المفهوم الديني، حيث أن الجاني بعيد عن رحمة الله، ويعتبرون المولى سبحانه وتعالى مراقباً على أفعالهم، فهذا الأمر يقلل رغبة التفكير بالانتحار.
الحياة هبة من الله سبحانه وتعالى
الحياة هبة من الله، وهذا هو وجهة نظر الإسلام بالنسبة للحياة وهي الأساس في تقرّب الإنسان لله تعالى؛ لذلك مثل النعم الأخرى تحتاج إلى الشكر والامتنان. لقد وفّر الله للإنسان العديد من النعم، فيمكن أن يكون الانتحار مضيعة لهذه الهدية الثمينة وفقا للقرآن الكريم، فإن كيفية الاستفادة من هذه النعم موضع تساؤل: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾،(12) ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾؛(13) لذلك فإن الانتحار في نظر الإسلام يؤدي إلى ضياع بركات الحياة وعدم اتباع طريق الكمال يؤدي إلى ضياع الآخرة، وهذه الآية هي خير شاهد على هذه القضية: ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.(14)
التوبة
إن الاعتقاد بأن الله يغفر الذنوب عند المتدينين يحد من الشعور بالذنب الأخلاقي، فعندما يرتكب الإنسان الخطأ، ويرتكب المعصية، يشعر بالندم والقلق من الداخل، وتصبح نفسه الداخلية ملتهبة، ويعود إليه السلام والاطمئنان بالتوبة والمغفرة التي وعد الله قبولها لمن يأتي بها، فللتوبة تأثير هام على سلامة نفس البشرية، فالشعور بالذنب يسبب الشعور بالنقص والقلق لدى الإنسان، وهذا الشعور يؤدي إلى حدوث أمراض نفسية، ومن صفات الله تعالى في القرآن التي نعت نفسه بها: ﴿وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾،(15) فهذا يجعل الأمل مستيقظاً بداخل الإنسان.
وفقاً للآيات القرآنية، فإن النفس اللوامة أو ضمير الإنسان يستيقظ بعد ارتكاب المعصية، ويدعوها إلى التوبة، فالتوبة هي خير رادع للاكتئاب واليأس لدى المتدينين؛ لأنها تخفف من حدة القلق الداخلي، وتقلل من احتمال ارتكاب الإنسان للانتحار بسبب الاكتئاب التدريجي.
البلاء والامتحان
فمن السنن الاختبار والامتحان، فيمكن أن يختبر الله عباده في أي لحظة وتحت أي ظرف من الظروف بحيث يشتد به البلاء؛ ليختبره حيث يقول في كتابه الحكيم: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.(16) وقد يكون امتحان الله في أمور مختلفة، لكن النجاح يختص بالصابرين: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.(17)
ويقول الإمام الصادق عليه السلام في هذا الأمر: «إِنَّ أَشَدَّ اَلنَّاسِ بَلاَءً اَلْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ اَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ اَلْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ».(18)
التوكل
التوكل يعني تفويض الأمر لمن تثق به، كما يعني تكليف المالك بالأمر والثقة بوكيله. هذه العقيدة الإسلامية تمنع اليأس أثناء المحن، ولها دور رادع في خلق الأفكار الانتحارية. يقول المولى في القرآن الكريم: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.(19)
الارتباط مع الله تعالى
الدوام على الصلاة والذكر والدعاء تمنع الخوف والقلق، وتسبب الاطمئنان والأمن، كما ورد في القرآن الكريم: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾،(20) ولقد ورد أيضا في القرآن الكريم على لسان النبي الله يعقوب عليه السلام: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلى اللَّه﴾.(21)
1ـ سورة النساء: الآية 29.
2ـ الميزان في تفسير القرآن / العلامة الطباطبائي / المجلّد: 4 / الصفحة: 320.
3ـ سورة الإسراء: الآية 33.
4ـ سورة البقرة: الآية 195.
5ـ مجمع البيان في تفسير القرآن / الشيخ الطبرسي / المجلّد: 2 / الصفحة: 35 / ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
6ـ سورة المائدة: الآية 32.
7ـ من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق / المجلّد: 4 / الصفحة: 95.
8ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد: 3 / الصفحة: 112 / ط الاسلامية.
9ـ كنز العمال / المتقي الهندي / المجلّد: 15 / الصفحة: 35.
10ـ الميزان في تفسير القرآن / العلامة الطباطبائي / المجلّد: 4 / الصفحة: 322.
11 ـ البرهان في تفسير القرآن / السيد هاشم البحراني / المجلّد: 2 / الصفحة: 66.
12ـ سورة التكاثر: الآية 8.
13ـ سورة الأنعام: الآية 141.
14ـ سورة الحج: الآية 11.
15ـ سورة البقرة: الآية 160.
16ـ سورة العنكوب: الآية 3.
17ـ سورة البقرة: الآية 155 ـ 156.
18ـ وسائل الشيعة / للشيخ حرّ العاملي / المجلّد: 3 / الصفحة: 262 / الناشر: آل البیت ـ
19ـ سورة الطلاق: الآية 3.
20ـ سورة الرعد: الآية 28.
21ـ سورة يوسف: الآية 86.
التعلیقات