الأسرة المسلمة
السيد حسين الهاشمي
منذ شهرما هي خصائص الأسرة المسلمة؟ وما هو نمط حياتها؟
1) تشكيل العائلة والزواج بالصالحين والصالحات
تبدأ حياة الأسرة بالزواج، وهي المرحلة الأساسية لتشكيل العائلة. وهنا تكمن الكثير من المصالح والمفاسد اللاحقة به، لأن الزوج والزوجة إذا كانا صالحين واهتما بتطبيق تعاليم الإسلام والالتزام بأسلوب الحياة الإسلامي، فإن حياتهما منذ البداية ستكون حياة دينية يعيشان فيها تحت رعاية الله سبحانه وتعالى، فينبغي الحرص على اختيار الزوج الصالح أو الزوجة الصالحة لنا ولأبنائنا. وبهذا صرّح الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم حينما قال: ﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (1). فقد صرح الله سبحانه وتعالى بأنه يجب أن يكون الزوج والزوجة صالحين ولا يجب أن يهتمّ الأشخاص بالأمور المادية إهتماما أكثر من الأمور الدينية والصلاح. وفي هذا الأمر ورد عن الإمام الباقر عليه السلام حيث : « كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَسْبَاطٍ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي أَمْرِ بَنَاتِهِ وَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ أَحَداً مِثْلَهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ بَنَاتِكَ وَ أَنَّكَ لَا تَجِدُ أَحَداً مِثْلَكَ فَلَا تَنْظُرْ فِي ذَلِكَ رَحِمَكَ اللَّهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ- إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَ دِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسادٌ كَبِيرٌ» (2). وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: « من أحب فطرتي فليستن بسنتي و من سنتي النكاح » و قال صلى الله عليه وآله وسلم: « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء » (3).
2) إظهار المحبة والعلاقة بين الزوجين
إبراز المحبة والعلاقة بين الزوجين من أهم الأمور التي يجب على الزوجين المواظبة عليها. لأن عدم مراعاتها من أبرز الأمور التي تسبب التفرقة بين الزوجين. فلا ينبغي للزوج أن يقول إن حبّه لشريكة حياته أمر قلبي وهي تعلم به، بل يجب عليه أن يعبّر عن هذا الحب بشكل مستمر لتعزيز المودة والرحمة بينهما. فالقرآن الكريم يقول حول حكمة الزواج: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (4). ومن الواضح أن المودة والرحمة لا تتحقق إلا بإظهارها والتعبير عنها بصدق واهتمام. وفي هذا الموضوع وردت روايات كثيرة. منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:« ما أفاد رجل بعد الإيمان ، خيراً من امرأة ذات دين وجمال ، تسرّه إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه في نفسها وماله إذا غاب عنها ، وأوحي إلى موسى عليه السلام : إني أعطيت فلاناً خير الدّنيا والآخرة ، وهي امرأة صالحة» (5)، وهذه الأمور من مصاديق إظهار المحبة للزوج. وعن الإمام الصادق عليه السلام: « ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلا كان خيرا لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها ويبنى الله لها بكل شربة تسقي زوجها مدينة في الجنة وغفر لها ستين خطيئة» (6)، وفي المقابل يجب على الزوج أيضا إظهار المحبة للزوجة. فعن الإمام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: « قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا» (7)، والنكتة الحائزة للأهمية هي أن قول (أحبك) من أصغر المصاديق لإبراز المحبة. فإذا كانت هذه الكلمة الصغيرة لاتخرج من قلب الزوجة، فكيف حال باقي الأمور والخدمات التي يمكن للزوج أن يفعلها لكي يبرز لزوجته أنه يحبها.
3) الصبر على المشاكل في الحياة الزوجية
إن طبيعة حياة البشر في هذه الدنيا الفانية هي أنها مليئة بالمشاكل والمصاعب. فهذه المشاكل والمصاعب هي التي تقوّي المجتمع وتساهم في تعزيز قوة الأسرة. فلا يمكن لأي شخص أن يدّعي أنه يعيش حياة خالية تماماً من المشاكل، وإن كان ظاهر حال حياة بعض الأشخاص أنهم يعيشون حياة بلا مشاكل إلا أنهم يخفون مشاكلهم. وأحد الأمور المهمة في نمط الحياة الإسلامي هو الصبر على هذه المشاكل والمصاعب. فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « والذي بعثني بالحق نبياً ورسولاً ، كلّ امرأة صبرت على زوجها في الشدّة والرخاء ، وكانت مطيعة له ولأمره ، حشرها الله تعالى مع امرأة أيوب... ما من امرأة تحمل من زوجها كلمة ، إلّا كتب الله لها بكلّ كلمة ما كتب من الاجر للصائم والمجاهد في سبيل الله عزّ وجل » (8). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: « من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه الله بكل مرة يصبر عليها من الثواب مثل ما اعطى ايوب على بلائه وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج فإن مات قبل ان تعتبه وقبل ان يرضى عنها حشرت يوم القيامة منكوسة مع المنافقين في الدرك الاسفل من النار، ومن كانت له امرأة ولم توافقه ولم تصبر على ما رزقه الله وشقت عليه وحملته ما لم يقدر عليه لم يقبل الله لها حسنة تتقي بها النار وغضب الله عليها ما دامت كذلك » (9).
4) تقسيم الأعمال في المنزل
بعد أن يتزوج الزوجان، يصبح من أهم الأمور في أسلوب الحياة الإسلامي هو تدبير شؤون العائلة. وأحد الأشياء الواردة في الآيات والروايات الشريفة في هذا المقام هو تدبير العائلة وتقسيم الأعمال. فإن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ (10)، فهذه الآية تدل على أن الرجال يجب عليهم الإنفاق على أهاليهم وعوائلهم، وعلى النساء الطاعة وحفظ شؤون المنزل. وفي أمر تقسيم الأعمال في المنزل أيضا وردت رواية جميلة عن الإمام الصادق عليه السلام: عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال: « تقاضى علي وفاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخدمة ، فقضى على فاطمة بخدمة مادون الباب ، وقضى على علي بما خلفه ، قال : فقالت فاطمة فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا الله بإكفائي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحمل رقاب الرجال« (11).
5) تعليم الأبناء الأحكام الشرعية والأمور الإلهية
إن الأبناء هم نتاج الحياة وثمرة العيش لكل من الزوجين، وهم الباقيات الصالحات لكل شخص. لذا، يجب على الآباء أن يحرصوا على تعليم أبنائهم وتربيتهم تربية جيدة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (12). وقد روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام: « وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته من حسن الادب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والاخذ له منه» (13).
فعلينا المواظبة عليهم وتعليمهم وتربيتهم تربية إسلامية.
1) سورة النور / الآية: 32.
2) الكافي (للشيخ محمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 5 / الصفحة: 347 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
3) مجمع البيان في تفسير القرآن (للشيخ الطبرسي) / المجلد: 7 / الصفحة: 220 / الناشر: دار المعرفة – بيروت / الطبعة: 1.
4) سورة الروم / الآية: 21.
5) مستدرك الوسائل (للمحدث الشيخ حسين النوري) / المجلد: 14 / الصفحة: 169 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
6) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 20 / الصفحة: 172 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 1.
7) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 14 / الصفحة: 10 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
8) مستدرك الوسائل (للمحدث الشيخ حسين النوري) / المجلد: 14 / الصفحة: 242 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
9) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 13 / الصفحة: 164 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
10) سورة النساء / الآية: 34.
11) بحار الأنوار (للعلامة محمدباقر المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 81 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
12) سورة التحريم / الآية: 6.
13) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 263 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
التعلیقات