عوذة لوجع الرأس
الشيخ مهدي المجاهد
منذ شهروجع الرأس أو الصداع من الأعراض الشائعة التي يعاني منها الناس في مختلف الأعمار والأزمان، وقد تعددت أسباب الإصابة به بين الضغوط النفسية والجسدية. ومع تقدم العلم والطب، ظهرت العديد من العلاجات الدوائية للتخفيف من هذا الألم. إلا أن العلاج الروحاني والتوسل بالدعاء والأذكار، استنادًا إلى التعاليم الإسلامية، لطالما كان له حضور بارز بين المؤمنين.
لقد وردت في التراث الإسلامي العديد من الآيات والروايات المأثورة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، تتحدث عن وسائل علاجية تعتمد على الأذكار والآيات القرآنية والاحراز التي تستخدم في علاج الأوجاع المختلفة، بما في ذلك وجع الرأس. تلك الروايات تبرز أهمية الجمع بين الطب الروحاني والدعاء مع العلاج الطبيعي في تحسين الحالة الصحية.
فعلى سبيل المثال، جاء في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "من اشتكى رأسه فليمسحه بيده وليقل: « أَعُوذُ بِاللَّهِ الَّذِي سَكَنَ لَهُ مَا فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» سبع مرات فإنه يرفع عنه الوجع (1). هذه العبارات ليست مجرد كلمات، بل هي موجهة لتكون وسيلة للشفاء بإذن الله تعالى.
بالإضافة إلى الأذكار، تضمنت الروايات أحرازًا ورقىً تعتمد على تلاوة آيات من القرآن الكريم. من ذلك، ما ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام من توصية بقراءة آية من سورة الأنبياء على الماء وشربه لعلاج وجع الرأس.
هذه الروايات تعكس الجوانب الروحانية والبعد الإيماني في معالجة الأمراض، وتشجع المؤمنين على التمسك بالطرق الروحية إلى جانب السبل العلاجية الأخرى. هذه الدراسة تسعى إلى استعراض أبرز ما ورد من روايات وأحاديث حول علاج وجع الرأس في التراث الإسلامي، مع التركيز على الأحراز والعوذات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام.
آيات قرآنية لوجع الرأس
أيضاً لوجع الرأس عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي الحسن العسكريّ عليه السلام قال: « حضرته يوما و قد شكى إليه بعض إخواننا فقال: يا ابن رسول الله إنّ أهلي يصيبهم كثيرا هذا الوجع الملعون، قال: و ما هو؟ قال: وجع الرأس، قال: خذ قدحا من ماء، و اقرأ عليه ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ (2) ثم اشربه، فإنّه لا يضرّه إن شاء الله تعالى » (3).
وجاء في الخبر عن إسماعيل بن زياد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أصابه كسل أو صداع بسط يديه فقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين ثم يمسح بهما وجهه ، فيذهب عنه ماكان يجد » (4).
وورد عن معاوية بن وهب قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام قال : فصدع ابن لرجل من أهل مرو وهو عنده جالس ، قال : فشكا ذلك إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : ادنه مني قال : فمسح على رأسه ثم قال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ (5) » (6).
جاء في الرسالة الذهبية للإمام الرضا عليه السلام أنه قال: « و إذا أردت دخول الحمام و ان لا تجد في رأسك ما يؤذيك فابدأ قبل دخولك بخمس جرع من ماء فاتر فانك تسلم إن شاء اللّه تعالى من وجع الرأس، و الشقيقة، و قيل خمس مرّات يصبّ الماء الحار عليه عند دخول الحمام » (7).
وقد ورد فيه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: « مَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ الثَّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ لِإِحْدَى وَ عِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ كَانَتْ لَهُ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ مِنْ أَدْوَاءِ السَّنَةِ كُلِّهَا وَ كَانَتْ لِمَا سِوَى ذَلِكَ شِفَاءً مِنْ وَجَعِ الرَّأْسِ وَ الْأَضْرَاسِ وَ الْجُنُونِ وَ الْجُذَامِ وَ الْبَرَصِ » (8).
وجاء في الخبر عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: « الْحِجَامَةُ فِي الرَّأْسِ هِيَ الْمُغِيثَةُ تَنْفَعُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ(9) وَ شَبَرَ مِنَ الْحَاجِبَيْنِ إِلَى حَيْثُ بَلَغَ إِبْهَامُهُ ثُمَّ قَالَ هَاهُنَا » (10).
عوذة لوجع الرأس
عن أبي عبدالله ، عن آبائه : قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : هذه عوذة نزل بها جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله والنبي مصدع ، فقال : يا محمد عوذ صداعك بهذه العوذة ، يخفف الله عنك وقال : يا محمد من عوذ بهذه العوذة سبع مرات على أي وجع يصيبه شفاه الله بإذنه تمسح بيدك على الموضع الذي تشتكي وتقول : « بسم الله ربنا الذي في السماء تقدس ذكره ، ربنا الذي في السماء والارض أمره نافذ ماض ، كما أن أمره في السماء ، اجعل رحمتك في الارض ، واغفرلنا ذنوبنا ، وخطايانا ، يارب الطيبين الطاهرين ، أنزل أنزل شفاء من شفائك ورحمة من رحمتك ، على فلان بن فلانة » وتسمي اسمه (11).
وجاء في الخبر عن داود الرقي ، عن موسى بن جعفر عليه السلام قال قلت : يا ابن رسول الله لا أزال أجد في رأسي شكاة وربما أسهرتني وشغلتني عن الصلاة بالليل ، قال : يا داود إذا أحسست بشئ من ذلك فامسح يدك عليه ، وقل : « أعوذ بالله واعيذ نفسي من جميع ما اعتراني باسم الله العظيم وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ، اعيذ نفسي بالله عزوجل وبرسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين الاخيار ، اللهم بحقهم عليك إلا أجرتني من شكاتي هذه » فانها لا تضرك بعد (12).
عوذة مجرّبة لوجع الرأس وغيره من الأوجاع ، وهي : « أقسمت عليك أيتها العلة بعزة الله ، وعظمة عظمة الله ، وبجلال جلال الله ، وبقدرة قدرة الله ، وبسلطان سلطان الله ، وبلا اله الا الله وبما جرى به القلم من عند الله ، وبلا حول ولا قوة الا بالله إلا انصرفت ». ذكرها السيد الأجل ابن طاووس قدس سره في المجتنى ، قال : دعي به على فرس ميّت فوثب الفرس سالما. حدثني العلّامة السيد علي اكبر التبريزي رحمه الله انه جرّبه لوجع الرأس ، قال : تقرؤه ثلاث مرات على محلّ الوجع (13).
حرز لوجع الرأس
حرز القلنسوة، كان بالملك النجاشي صداع فكتب إلى النبي صلى الله عليه وآله في ذلك فبعث إليه هذا الحرز، فخاطه في قلنسوته، فسكن ذلك عنه، وهو:
« بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الحق المبين، ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (14). لله نور وحكمة، وعزة وقوة، وبرهان وقدرة، وسلطان ورحمة، يا من لا ينام لا إله إلا الله إبراهيم خليل الله، لا إله إلا الله موسى كليم الله، لا إله إلا الله عيسى روح الله وكلمته لا إله إلا الله محمد رسول الله وصفيه وصفوته، صلى الله عليه وآله عليهم أجمعين أسكن سكنتك بما سكن له ما في السماوات والأرض، وبمن يسكن له في الليل والنهار، وهو السميع العليم فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص ألا إلى الله تصير الأمور» (15).
علاج الصداع
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ : « الْهِنْدَبَاءُ شِفَاءٌ مِنْ أَلْفِ دَاءٍ مَا مِنْ دَاءٍ فِي جَوْفِ ابْنِ آدَمَ إِلَّا قَمَعَهُ الْهِنْدَبَاءُ قَالَ وَ دَعَا بِهِ يَوْماً لِبَعْضِ الْحَشَمِ وَ كَانَ تَأْخُذُهُ الْحُمَّى وَ الصُّدَاعُ فَأَمَرَ أَنْ يُدَقَّ وَ صَيَّرَهُ عَلَى قِرْطَاسٍ وَ صَبَّ عَلَيْهِ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ وَ وَضَعَهُ عَلَى جَبِينِهِ ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنَّهُ يَذْهَبُ بِالْحُمَّى وَ يَنْفَعُ مِنَ الصُّدَاعِ وَ يَذْهَبُ بِهِ » (16).
اشتكى إلى الصادق عليه السلام رجل من الصداع فقال : ضع يدك على الموضع الذي يصدعك واقرأ : آية الكرسي وفاتحة الكتاب وقل : « الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أجل وأكبر مما أخاف وأحذر ، أعوذ بالله من عرق نعار وأعوذ بالله من حر النار (17).
قصة المأمون مع قيصر الروم
وعن كتاب (ربيع الأبرار) أن المأمون أصابه في طرطوس صداع لم يعالج فبعث إليه قيصر الروم بقلنسوة وكتب إليه أنبئت بصداعك فبعثت إليك بهذه القلنسوة تضعها على رأسك ، ليسكن الألم ، فخشي المأمون أن تكون قد دُس فيها السمّ ، فأمر أن توضع على رأس حامله فلم تضره فأمر أن توضع على رأس من به صداع فسكن فاستعملها المأمون لرأسه فسكن صداعه ، فتعجب من ذلك فحلّها فوجد فيها مكتوبا : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ لله في عِرْقٍ ساكِنٍ حَّمَّ عَّسَّقَّ لايُصَدَّعونَ عَنها وَلا يُنْزِفونَ مِنْ كَنْزِ الرَّحْمنِ خَمَدَتْ النّيرانُ وَلاحَوْلَ وَلاقوَةَ إِلاّ بِالله.
وَجالَ نَفْعُ الدَواءِ فِيكَ كَما *** يَجُولُ ماءُ الرّبِيعِ في الغُصْنِ (18).
يتبين أن الأدعية والأذكار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام لها تأثير عميق في نفوس المؤمنين، وهي وسائل موجهة لا لطلب الشفاء الجسدي فقط، بل أيضًا لتعزيز الصلة بالله. لذا، يظل الدعاء علاجًا روحيًا مستمرًا يلجأ إليه المؤمنون في مواجهة مختلف التحديات الصحية، بما في ذلك وجع الرأس.
1ـ وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 2 / الصفحة : 640 / ط الاسلامية.
2ـ سورة الأنبياء : الآية 30.
3ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 95 / الصفحة : 51 / ط مؤسسة الوفاء.
4ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 95 / الصفحة : 7 / ط مؤسسة الوفاء.
5ـ سورة فاطر : الآية 41.
6ـ امالي الطوسي / شيخ الطائفة الطوسي / المجلّد : ٢ / الصفحة : ٢٨٤ ؛ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 95 / الصفحة : 51 / ط مؤسسة الوفاء.
7ـ مرآة الكمال / الشيخ عبد الله المامقاني / المجلّد : 3 / الصفحة : 451.
8ـ الخصال / الشيخ الصدوق / المجلّد : 2 / الصفحة : 386 / ناشر : جامعه مدرسين.
9ـ « هي المغيثة » يعنى يغيث الإنسان من الادواء. و السام: الموت.
10ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 8 / الصفحة : 160 / ط الاسلامية.
11ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 95 / الصفحة : 52 / ط مؤسسة الوفاء.
12ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 95 / الصفحة : 54 / ط مؤسسة الوفاء.
13ـ التحفة الرضويّة في مجرّبات الإماميّة / محمّد الرضي الرضوي / المجلّد : 1 / الصفحة : 58.
14ـ سورة آل عمران : الآية ١٨.
15ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 92 / الصفحة : 48 / ط مؤسسة الوفاء ؛ مكارم الأخلاق / الصفحة : 464.
16ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 6 / الصفحة : 363 / ط الاسلامية.
17ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 95 / الصفحة : 58 / ط مؤسسة الوفاء.
18ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 95 / الصفحة : 63 / ط مؤسسة الوفاء ؛ ربيع الابرار /المجلّد : ٤ / الصفحة : ١٢٦ باب ٧٧ في الامراض والعلل.
التعلیقات