هل إرث المرأة أقل من الرجل؟
السيد حسين الهاشمي
منذ 6 أيامفي عالم اليوم، تتزايد الأسئلة حول العدالة والمساواة بين الجنسين في مختلف الجوانب، ومن بين هذه الأسئلة هو نصيب المرأة من الإرث مقارنة بالرجل. تأخذ هذه القضية بُعدًا تاريخيًا ودينيًا معقدًا، حيث قال الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ﴾ (1).
القرون التي سبقت الإسلام كانت تُعرف بالجاهلية في جميع معاني الكلمة. عند مراجعة كتب التاريخ والتقارير القديمة، نرى أن المجتمعات والحضارات التي سبقت الإسلام كانت تعيش في ظروف تخلو من الثقافة الحقيقية وكانت العنصرية فيها ظاهرة منتشرة. عندما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدين الإسلام المبين، جاءت معه قيم جديدة تنبذ الجاهلية العمياء والعنصرية القاسية.
في الإسلام، توزيع الإرث ليس مجرد مسألة أرقام، بل هو جزء من نظام اجتماعي شامل يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن في الأسرة والمجتمع. الإسلام قدم هذه التشريعات كجزء من رؤية أوسع لتحقيق التكافل الاجتماعي وحماية حقوق الجميع، بما في ذلك النساء.
إذا نظرنا بعين الإنصاف إلى كيفية توزيع الإرث في الإسلام، نجد أن هناك حكمًا ومقاصد عميقة وراء هذه التشريعات. الإسلام لم يُقلل من قيمة المرأة، بل منحها حقوقًا لم تكن موجودة في العديد من الثقافات السابقة. ومن خلال فهم هذه الرؤية الكاملة، يمكننا تقدير كيف أن هذه الأحكام تسعى إلى خلق مجتمع متوازن ومتعاضد.
تفاوت وضع المرأة بين الجاهلية والإسلام
المرأة والبنات في العصر الجاهلية كنّ مجرد متاع للآخرين وكان الناس يحتقروهنّ في كافة المجالات الاجتماعية والعائلية والسياسية. فإذا ولد لأحد من العرب الجاهلي بنت كان يعتبرها عارا وسببا للمذلة والخذلان. وأيضًا، كانت المرأة مُتاعًا للرجال؛ فإذا مات الزوج وترك زوجته وأولاده، كانت العادة بينهم أن يأخذ الأبناء زوجة أبيهم إرثًا لهم، وكانوا يقسمونها ويجعلونها كالجارية لهم. وقد حارب الإسلام هذه الأفكار الجاهلية، حيث ساوى بين الرجال والنساء في كثير من الأمور، وعزز مكانة المرأة في المجتمع وأعطاها مقامًا عظيمًا في العائلة والمجتمع.
لكن يبقى سؤال مهم وهو أنه إذا كان الإسلام يساوي بين الرجال والنساء ولايفرق بينهما، فلماذا إرث المرأة نصف إرث الرجل؟
الجواب عن أقلية إرث المرأة بالنسبة إلى الرجل
للجواب عن هذا السؤال يجب أن نرجع إلى الآيات المرتبطة بالإرث والروايات الواردة فيها التي جعلها الله حجة علينا.
إرث المرأة ليس نصف الرجل في جميع الحالات
حينما نراجع الآيات القرآنية الواردة في موضوع الإرث، نرى أن في كثير من الموارد، ليس إرث المرأة بأقل من الرجل بل إن إرثها أكثر من الرجال في بعض الصور. فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ (2).
فإذا كان للميت أخت واحدة وأخ واحد، ينقسم الإرث بينهم نصفين. وأيضا إذا كان للميت أختان وأخ واحد، ينقسم الإرث بينهم بالتساوي. فللأختين الثلثان وللأخ ثلث. وأيضا إذا كان للميت أبوين وكان له أولاد كذلك، تكون إرث الأبوين سدس مال الميت وينقسم هذا السدس بين الأب والأم بالتساوي.
ففي هذه الحالات يكون إرث الرجل والمرأة مساويا ولافرق بينهم في تقسيم الإرث.
وأيضًا، هناك حالات في الإرث يكون فيها نصيب المرأة أكثر من الرجل. مثلًا، إذا كان أب المتوفى حيًا وكان للمتوفى بنت واحدة فقط، يأخذ الأب سدس مال المتوفى وتذهب البقية إلى بنته. في هذه الحالة، تأخذ البنت أكثر من أب المتوفى. وإذا لم يكن للمتوفى أبناء على قيد الحياة لكن كان له أحفاد، ففي هذه الحالة يأخذ أحفاد الإناث من ابن المتوفى أكثر من أحفاد الذكور من بنت المتوفى.
فهذا القول المشهور: « إرث النساء أقل من إرث الرجال أو نصف إرث الرجال» ليس صحيحا في جميع حالات الإرث. بل هذه المقالة يحصل فقط في حالة واحدة وهي أنه إذا كان للميت أولادا كثيرون من الذكور والإناث. ففي هذه الحالة يكون حصة كل بنت نصف كل إبن. فإذا كان للمتوفى أربع بنات وابنان، يُقسم مال المتوفى بينهم بالتثمين. فتأخذ كل بنت ثُمن أموال المتوفى ويأخذ كل من الأبناء ثُمنين من أموال المتوفى.
إرث الرجل أكثر من المرأة لأن عليه صرف المال
أحد العلل التي ذكرت في الروايات حول تنصيف إرث المرأة بالنسبة إلى الرجل هي أن الرجل في العائلة يصرف الأموال وينفق وعليه أن يعتني بعائلته ويعطيهم النفقة ويراعيهم في الأمور المالية. لكن الإسلام لم يوجب على النساء أيّ صرف مالي في العائلة. فيكون الإرث الذي تأخذه المرأة لها ولنفسها ولايجب عليها أن تصرفه للآخرين. لكن يجب على الرجل شرعا أن يصرف أمواله على زوجته وأولاده وينفق عليهم وأيضا يجب على الرجل أن يعطي لزوجته مهرها الذي إتفقا عليه. ولأجل هذا كان إرث الرجل ضعف إرث المرأة.
فإذا نظرنا إلى هذا الحكم الشرعي من هذه الجهة، يكون المال الذي وصل إلى المرأة لنفسها أكثر من المال الذي وصل إلى الرجل لنفسه.
ففي هذا الأمر وردت روايات. منها سؤال شخص زنديق بإسم إبن أبي العوجاء من الإمام الصادق عليه السلام: « قَالَ لِي ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ مَا بَالُ الْمَرْأَةِ الْمِسْكِينَةِ الضَّعِيفَةِ تَأْخُذُ سَهْماً وَاحِداً وَ يَأْخُذُ الرَّجُلُ سَهْمَيْنِ قَالَ فَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَ إِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا جِهَادٌ وَ لَا نَفَقَةٌ وَ لَا مَعْقُلَةٌ وَ إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ وَ لِذَلِكَ جَعَلَ لِلْمَرْأَةِ سَهْماً وَاحِداً وَ لِلرَّجُلِ سَهْمَيْنِ » (3) (4).
وأيضا سأل الفهفكي من الإمام الحسن العسكري عليه السلام نفس هذا السؤال. ففي الرواية الواردة : « سَأَلَ الْفَهْفَكِيُّ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام مَا بَالُ الْمَرْأَةِ الْمِسْكِينَةِ الضَّعِيفَةِ تَأْخُذُ سَهْماً وَاحِداً وَ يَأْخُذُ الرَّجُلُ سَهْمَيْنِ. فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام إِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا جِهَادٌ وَ لَا نَفَقَةٌ وَ لَا عَلَيْهَا مَعْقُلَة إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي قَدْ كَانَ قِيلَ لِي إِنَّ ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَهُ بِهَذَا الْجَوَابِ فَأَقْبَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام عَلَيَّ فَقَالَ نَعَمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَ الْجَوَابُ مِنَّا وَاحِدٌ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَاحِداً جَرَى لآِخِرِنَا مَا جَرَى لِأَوَّلِنَا وَ أَوَّلُنَا وَ آخِرُنَا فِي الْعِلْمِ سَوَاءٌ وَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَضْلُهُمَا » (5) (6).
وقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام في هذه المسألة أيضا حيث قال عليه السلام: « علة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لان المرأة إذا تزوجت أخذت والرجل يعطي ، فلذلك وفر على الرجال ، وعلة اخرى في إعطاء الذكر مثلي ما تعطى الانثى ، لان الانثى في عيال الذكر إن احتاجت ، وعليه أن يعولها وعليه نفقتها ، وليس على المرأة أن تعول الرجل ، ولا تؤخذ بنفقته إن احتاج ، فوفر على الرجل لذلك. وذلك قول الله عزّ وجل: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ (7)» (8).
ففي هذه الرواية دلالة صريحة على أن النفقة والصرف على الرجل فلهذا صار إرثه ضعف إرث المرأة.
أيضا ورد في هذه الروايات أن الرجل عليه المعقلة. والمعقلة هي الدية التي يجب على الرجل أن يعطي بدلا من أقاربه في القتل والجراحات الخطأ. وهذه أيضا أحد الأمور التي يختلف فيها الرجال والنساء.
الإختلاف بين الرجال والنساء في كثير من الأحكام
الاختلاف بين الرجال والنساء في بعض الأحكام ليس بأمر غريب في أي حضارة أو شريعة، سواء كانت دينية أو غير دينية. لأن لكل من الرجال والنساء خصوصيات خاصة ليس هذه الخصوصيات موجودة في الآخر. والأحكام الإلهية تابعة ومطابقة لهذه الخصوصيات النوعية في الرجال والنساء. ولهذا نرى يوجد كثير من الأحكام التي تُرى في النظرة الأولى تبعيضا للرجال. مثلا يجب على الرجال أن ينفق الأموال ويعطي النفقة لعائلته.
وأحد أهم هذه الأحكام التي تنتفع المرأة بها دون الرجل هي الصداق والمهرية. فالمهرية مال على ذمة الرجل ويجب على الرجل أن يعطي هذا المال لزوجته. فإذا اعتقدنا أنه يجب التساوي بين الرجال والنساء في جميع الأحكام، فيجب أن نسقط المهرية عن رقبة الرجل ولانقول بوجوبها. وفي هذا ورد رواية الإمام الصادق عليه السلام: « عن عبد الله بن سنان ، عن أبى عبدالله عليه السلام قال : قلت : لأي علة صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين؟ قال: لما جعل لها من الصداق » (9).
وأيضا أحد أهم الأحكام في باب الديات هي أن الطفل إذا قتل شخصا أو جرحه أو أتلف مال الآخرين، يجب على أبيه أن يدفع دية القتل أو الجرح وعلى أبيه أن يدفع الخسارة الواردة للآخرين دون والدته. ففي هذا الحكم أيضا نرى الإختلاف والتفرقة بين الرجال والنساء.
فالتفرقة والإختلاف في الأحكام بين الرجال والنساء أمر طبيعي ولايمكن لأي شخص أن ينزعج من هذا الإختلاف.
1) سورة النساء / الآية: 11.
2) سورة النساء / الآية: 11 و 12.
3) الكافي (للشيخ محمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 7 / الصفحة: 85 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
4) تهذيب الأحكام (للشيخ محمد بن حسن الطوسي) / المجلد: 9 / الصفحة: 275 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
5) الكافي (للشيخ محمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 7 / الصفحة: 85 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
6) تهذيب الأحكام (للشيخ محمد بن حسن الطوسي) / المجلد: 9 / الصفحة: 275 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
7) سورة النساء / الآية: 34.
8) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 101 / الصفحة: 327 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
9) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 104 / الصفحة: 327 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
التعلیقات