علي الأكبر: رمز الشجاعة والإيمان ودروس خالدة للشباب المعاصر
السيد حسين الهاشمي
منذ أسبوعيُعتبر علي الأكبر، ابن الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، رمزًا من رموز الشجاعة والإيثار في التاريخ الإسلامي. وُلد في المدينة المنورة عام 33 للهجرة، وبرزت شخصيته القوية خلال معركة كربلاء، حيث أظهر قيمًا نبيلة ومبادئ سامية تجعل منه قدوة للشباب في مختلف العصور. علي الأكبر عليه السلام كان مثالًا للالتزام بالقيم الإسلامية. فقد أظهر احترامًا عميقًا لعائلته وقيمه، وكان يسعى دائمًا لتحقيق العدالة.
يُمكن للشباب أن يستلهموا من هذا الالتزام في حياتهم اليومية، من خلال التمسك بالمبادئ والقيم التي تعزز من مكانتهم في المجتمع. تُعتبر تضحية علي الأكبر عليه السلام من أبرز الصفات التي تجعله قدوة. فقد اختار القتال في سبيل الله والدفاع عن مبادئ الحق على حساب حياته. هذه الروح الإيثارية تُعلم الشباب أهمية التضحية من أجل القضايا العادلة والمبادئ السامية. إن الإيثار لا يعني فقط التضحية بالنفس، بل يشمل أيضًا تقديم المساعدة للآخرين والعمل من أجل مصلحة المجتمع. علي الأكبر عليه السلام يُمثل نموذجًا للشجاعة والإقدام، فقد كان من أوائل الذين شاركوا في معركة كربلاء للدفاع عن الحق والعدل. في مواجهة أعداء كثر، لم يتردد في القتال حتى آخر لحظة، مما يُظهر أهمية الشجاعة في مواجهة التحديات. إن هذه الشجاعة ليست مجرد قوة بدنية، بل هي شجاعة روحية تتطلب الإيمان العميق بالقيم والمبادئ.
لذا ينبغي علينا أن نعرف كيف يمكن لشبابنا أن يتعلموا من علي الأكبر، وكيف يمكنهم أن يجعلوه قدوة لهم.
الخصائص الفريدة والبارزة لعلي الأكبر عليه السلام
1) الشجاعة الفائقة: كان علي الأكبر مثالاً للشجاعة والإقدام، حيث واجه الأعداء في معركة كربلاء بكل شجاعة وثبات. وكان أحد مواقفه في كربلاء أن الإمام الحسين عليه السلام أرسله عليه السلام حتى يجيئ بالماء. فقد روى الشيخ الصدوق في كتابه: « وأرسل عليا ابنه عليه السلام في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقوا الماء، وهم على وجل شديد، وأنشأ الحسين عليه السلام يقول:
يا دهر أف لك من خليل
كم لك في الاشراق والاصيل
من طالب وصاحب قتيل
والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الامر إلى الجليل
وكل حي سالك سبيلي» (1).
وأن علي الأكبر عليه السلام كان أول شخص برز للقتال في يوم عاشوراء من أهل بيت الإمام الحسين عليه السلام. فقد روي : « روي أنّه لم يبقَ مع الإمام الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء إلاّ أهل بيته وخاصّته، فتقدّم علي الأكبر عليه السّلام، وكان على فرس له يُدعى الجناح، فاستأذن أباه عليه السّلام في القتال فأذن له، ثمّ نظر إليه نظرة آيِسٍ منه، وأرخى عينيه فبكى، ثمّ قال: اللّهُمّ كُنْ أنتَ الشهيد عَليهم؛ فَقد بَرَز إليهم غُلامٌ أشبهُ النّاس خَلقاً وخُلقاً ومَنطِقاً برسولك. فشَدّ علي الأكبر عليه السّلام عليهم وهو يقول: أنَا عَليُّ بنُ الحسين بن علي
نحن وبيتِ الله أولَى بِالنّبي
تالله لا يَحكُمُ فينا ابنُ الدّعي
أضرِبُ بالسّيفِ اُحامِي عَن أبي
ضَربَ غُلامٍ هَاشِميٍّ عَلوي
ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول: يا أباه العطش! فيقول له الحسين عليه السّلام: اصبِرْ حَبيبي؛ فإنّك لا تُمسِي حتّى يَسقيك رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بكأسه. ففعل ذلك مراراً، فرآه منقذ العبدي وهو يشدُّ على الناس، فاعترضه وطعنه فصُرِع، واحتواه القوم فقطّعوهُ بسيوفهم» (2).
2) العلم والمعرفة: البصيرة الدينية تعني القدرة على فهم المعاني العميقة للدين وتطبيقها في الحياة. كان علي الأكبر عليه السلام يتمتع ببصيرة دينية استثنائية. حيث كان يدرك أهمية القيم والمبادئ الإسلامية في مواجهة التحديات. في كربلاء، تجلى هذا الفهم عندما اختار القتال في سبيل الله والدفاع عن الحق، رغم معرفته بعواقب ذلك. وأيضا في طريق الذهاب إلى كربلاء، وقعت واقعة تبرز لنا ما مدى بصيرة علي الأكبر عليه السلام وعلمه ومعرفته بالأمور الإلهية. فقد روي: « ثم سار صلوات الله عليه حتى نزل الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد ثم استيقظ فقال : قد رأيت هاتقا يقول: أنتم تسرعون، والمنايا تسرع بكم إلى الجنة، فقا له ابنه علي: يا أبه أفلسنا على الحق؟ فقال: بلى با بني والذي إليه مرجع العباد، فقال: يا أبه إذن لا نبالي بالموت، فقال له الحسين عليه السلام جزاك الله يا بني خير ما جزا ولدا عن والد ثم بات عليه السلام في الموضع» (3).
3) شباهته برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن علي الأكبر عليه السلام كان أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4). وقد قال الله سبحانه وتعالى في حق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (5). فكذلك علي الأكبر عليه السلام كان سجاياه الأخلاقية والجسمية كجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
دور علي الأكبر في واقعة عاشوراء
قلنا إن علي الأكبر عليه السلام كان أول شخص من أهل البيت عليهم السلام الذي خرج إلى قتال الأعداء وقاتل قتال الأبطال. وقد روي حول قتاله عليه السلام:« تقدّم علي الأكبر نحو القوم فقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً بلغ المائة وعشرين، ثم رجع إلى أبيه وقال: يا أبت العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماءٍ من سبيل؟ فقال له الحسين: قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها. فبينما هو يقاتل قتال الأبطال بصر به مرة بن منقذ العبدي فقال: علي آثام العرب إن مرّ بي إن لم اثكله أباه، فمرّ الأكبر يشدّ على الناس كما مرّ في الأوّل فاعترضه مرّة بن منقذ وطعنه، فصرع واحتواه القوم فقطعوه بأسيافهم« (6).
وأيضا كان من الذين ذهب إلى نهر العلقمي حتى يأتي بالماء إلى مخيم أبيه الإمام الحسين عليه السلام.
مكانة علي الأكبر عند أبيه الإمام الحسين عليه السلام
لعلي الأكبر عليه السلام مكانة عظيمة وجليلة عند أبيه الإمام الحسين عليه السلام. وهذه المكانة العظيمة ليست فقط لأجل أن علي الأكبر عليه السلام هو الإبن الأكبر للإمام، بل هذه المكانة تنشأ من مقامه وفضائله عند الله عزوجل. لأن الإمام الحسين عليه السلام إمام معصوم من قبل الله سبحانه وتعالى. وهذه المكانة الرفيعة تتجلى في كلام الإمام الحسين عليه السلام حينما ذهب علي الأكبر عليه السلام إلى قتال الأعداء حيث روي: « لما رأى الإمام إصرار ولده الأكبر على القتال وتفانيه في محاربة القوم صاح: يابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول الله، وسلط عليك من يذبحك على فراشك. ثم قال: اللهم اشهد على هؤلاء فقد برز إليهم أشبه النّاس برسولك محمّدٍ خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً و كنّا إذا اشتقنا إلي رُؤيةِ نَبيك نَظرنا اِليه. ثم قال: أللّهم امنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً، وإجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا. ثمّ رفع صوته وتلا: ﴿ إنّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وآلَ إبراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ على العالَمين ذُريةً بَعضُها مِنْ بعض واللهُ سَميعٌ عليمٌ ﴾ (7) » (8).
وعندما استشهد علي الأكبر عليه السلام، أسرع الإمام الحسين عليه السلام إلى مصرعه حيث روي: « فجاء الحسين عليه السلام حتى وقف عليه، ووضع خده على خده وقال: قتل الله قوماً قتلوك، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله، على الدنيا بعدك العفاء. قال الراوي: وخرجت زينب ابنت علي تنادي: يا حبيباه يا بن أخاه، وجاءت فأكبت عليه. فجاء الحسين عليه السلام فأخذها وردها إلى النساء» (9).
هذه كانت جملة من الخصوصيات التي كان علي الأكبر عليه السلام واجد لها. وفقنا الله للتأسي به في الثبات على طريق الحق ونصرة الإمام عليه السلام.
1) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 221 / الناشر: قسم الدراسات الإسلامية لمؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 2.
2) مقاتل الطالبيين (لأبي الفرج الاصفهاني) / المجلد: 1 / الصفحة: 76 / الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 2.
3) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 44 / الصفحة: 367 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
4) مقاتل الطالبيين (لأبي الفرج الاصفهاني) / المجلد: 1 / الصفحة: 76 / الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 2.
5) سورة القلم / الآية: 4.
6) الملهوف على قتلى الطفوف (لسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 167 / الناشر: دار الأسوة – قم / الطبعة: 2.
7) سورة آل عمران / الآية: 33.
8) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 45 / الصفحة: 43 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
9) الملهوف على قتلى الطفوف (لسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 167 / الناشر: دار الأسوة – قم / الطبعة: 2.
التعلیقات