التغذية الصحية في شهر رمضان من كلام أهل البيت عليهم السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 23 ساعةمع دخول شهر رمضان المبارك، تتجلى أمامنا فرصة ذهبية للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، حيث يملأ هذا الشهر الفريد قلوب المؤمنين بالرحمة والمغفرة. يختلف رمضان عن سائر الشهور، فهو ليس مجرد فترة للصيام والامتناع عن الطعام والشراب، بل هو دعوة للتأمل في النعم التي أسبغها الله علينا، وعيد لتجديد الروح وتقوية الإيمان.
تتجلى أهمية التغذية الصحية خلال هذا الشهر في كونها تساهم في دعم الجسم وتعزيز الروح، مما يساعدنا على أداء العبادات بشكل أفضل. لذا، فإن اختيار ما نتناوله من طعام يعد جزءًا لا يتجزأ من تجربة الصيام، ويعكس وعينا بأهمية الاعتناء بأنفسنا.
في هذه المقالة، سنستعرض سويًا كيف يمكننا تحقيق التوازن بين العبادة والتغذية السليمة من خلال الاستفادة من نصوص أهل البيت عليهم السلام والآيات القرآنية، لنكتشف معاً كيف نعيش رمضان بصحة ونشاط، ونستقبل أيامه المباركة بأفضل حال. فلنبدأ هذه الرحلة معًا نحو تغذية صحية تعزز من روح الصيام وتجعل من رمضان تجربة مميزة مليئة بالبركات.
1ـ أهمية الصيام في شهر رمضان من منظور الإسلام
دور الصيام في صحة الجسم والروح: الصيام في الإسلام هو عبادة تهدف إلى تقوية الروح وتعزيز الصحة الجسدية. يقول النبي محمد صلى الله عليه وآله : « صُومُوا تَصِحُّوا » (1)، وهذا الحديث يشير إلى العلاقة الوثيقة بين الصيام والصحة. إن الصيام يساعد الجسم على التخلص من السموم والفضلات، حيث يمنح الجهاز الهضمي فترة من الراحة ويساعد على تحسين وظائفه.
وذكر العالم الروسي ( الكسي سوفورين ) في كتابه: « الصوم سبيل ناجح في علاج أمراض فقر الدم، و ضعف الأمعاء، و الالتهابات البسيطة و المزمنة، و الدمامل الداخلية و الخارجية، و السل، و الاسكليروز، و الروماتيزم، و النقرس و الاستسقاء، و عرق النساء، و الخراز (تناثر الجلد)، و أمراض العين، و مرض السكر، و أمراض الكلية، و الكبد و الأمراض الاخرى.
العلاج عن طريق الإمساك لا يقتصر على الأمراض المذكورة، بل يشمل الأمراض المرتبطة بأصول جسم الإنسان و خلاياه مثل السرطان و السفليس، و السل و الطاعون أيضا » (2).
وإن الآيات القرآنية تدعم فكرة أن الصوم يرتبط بالصحة الجسمية والروحية، حيث يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (3). في هذه الآية، يربط الله تعالى بين الصيام والتقوى، مما يدل على أن الصيام لا يعزز الصحة الجسدية فحسب، بل أيضًا الصحة الروحية.
2. توصيات أهل البيت عليهم السلام بشأن الإفطار
أهمية بدء الإفطار بالتمر، الماء الدافئ أو الحليب
يعتبر الإفطار من اللحظات المهمة في يوم الصائم. يوصي أهل البيت عليهم السلام ببدء الإفطار بالتمر، والماء الدافئ أو الحليب. وقد ورد في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِذَا أَفْطَرَ بَدَأَ بِحَلْوَاءَ يُفْطِرُ عَلَيْهَا ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسُكَّرَةٍ ، أَوْ تَمَرَاتٍ فَإِذَا أَعْوَزَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَمَاءٍ فَاتِرٍ ، وَ كَانَ يَقُولُ : يُنَقِّي الْمَعِدَةَ وَ الْكَبِدَ وَ يُطَيِّبُ النَّكْهَةَ ، وَ الْفَمَ وَ يُقَوِّي الْأَضْرَاسَ ، وَ يُقَوِّي الْحَدَقَ وَ يَجْلُو النَّاظِرَ ، وَ يَغْسِلُ الذُّنُوبَ غَسْلًا ، وَ يُسَكِّنُ الْعُرُوقَ الْهَائِجَةَ وَ الْمِرَّةَ الْغَالِبَةَ ، وَ يَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَ يُطْفِئُ الْحَرَارَةَ عَنِ الْمَعِدَةِ ، وَ يَذْهَبُ بِالصُّدَاعِ » (4).
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه: « أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى اللَّبَنِ » (5).
والآيات القرآنية تشير أيضًا إلى أهمية الطعام الصحي. يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ (6). تدعو هذه الآية المؤمنين إلى تناول الأطعمة الطيبة والحلال التي رزقهم الله بها. الطيبات هنا تشير إلى الأطعمة الصحية والمفيدة التي تنفع الإنسان في حياته.
التأكيد على التوازن في استهلاك الغذاء والابتعاد عن الإسراف :
الإسلام يدعو إلى التوازن في استهلاك الغذاء ويحث على الابتعاد عن الإسراف. يقول الله تعالى : ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ (7). تشير هذه الآية إلى أهمية الاعتدال في الطعام والشراب، حيث يجب على المسلم أن يتناول ما يحتاجه جسمه دون إفراط.
كما أن روايات أهل البيت عليهم السلام تؤكد على هذا المعنى حيث قال الإمام الصادق عليه السلام: « إِنَّ مَعَ الْإِسْرَافِ قِلَّةَ الْبَرَكَةِ » (8). هذا يدل على أن الإسراف ليس محبذًا، بل يجب أن يسعى المسلم إلى الاعتدال والوعي فيما يتعلق بصحته.
الحذر من الإفراط في الأكل وتأثيره على صحة الجسم والروح:
يحرم الإفراط في الأكل إذا كان يتضمّن الإضرار بالنفس، وإلّا كان مكروهاً.
وقد وردت العديد من النصوص في النهي عن بلوغ حدّ التخمة عند الأكل وأنّ الأفضل أن يقوم الإنسان عن الطعام قبل أن يكتمل شبعه.
فقد جاء في الخبر عن ابن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كلّ داء من التخمة إلّا الحمى فإنّها ترد وروداً » (9).
وفي خبر أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: « ما من شيء أبغض إلى اللَّه عزّوجلّ من بطن مملوءة » (10). هذا يدل على أن تناول كميات كبيرة من الطعام قد يؤدي إلى مشاكل صحية ونفسية.
الوقت المناسب للإفطار وتأثيره على هضم الطعام
تظهر أهمية توقيت الإفطار في روايات أهل البيت عليهم السلام.حيث قال الشيخ المفيد في كتابه المقنعة: حد دخول الليل مغيب قرص الشمس وعلامة مغيب الشمس عدم الحمرة من المشرق، فإذا عدمت الحمرة من المشرق سقط الحظر وحل الافطار.
هذا يشير إلى ضرورة الالتزام بالوقت المحدد للإفطار، حيث إن الإفطار في الوقت المناسب يساعد على تحسين الهضم ويساهم في صحة الجهاز الهضمي.
3. توصيات أهل البيت عليهم السلام بشأن السحور
أهمية وجبة السحور وتأثيرها على القدرة على الصيام
تعتبر وجبة السحور من الأهمية بمكان، حيث تعطي الجسم الطاقة اللازمة للصيام طوال اليوم. يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: « إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ مَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُسْتَغْفِرِينَ وَ الْمُتَسَحِّرِينَ بِالْأَسْحَارِ فَلْيَتَسَحَّرْ أَحَدُكُمْ وَ لَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ وَ أَفْضَلُ السَّحُورِ السَّوِيقُ وَ التَّمْرُ وَ مُطْلَقٌ لَكَ الطَّعَامُ وَ الشَّرَابُ إِلَى أَنْ تَسْتَيْقِنَ طُلُوعَ الْفَجْرِ » (11). هذه العبارة تدل على أهمية السحور في تعزيز القدرة على الصيام.
توصية بتناول أطعمة خفيفة ومغذية في السحور:
يشدد أهل البيت عليهم السلام على ضرورة تناول أطعمة خفيفة ومغذية في السحور. يجب أن تحتوي الوجبة على مصادر غنية بالبروتين والألياف. و أما آداب السحور فمنها أن يكون لك حال مع الله جل جلاله تعرف بها أنه يريد أنك تتسحر و بماذا تتسحر و مقدار ما تتسحر به فذلك يكون من أعظم سعادتك حيث نقلك الله جل جلاله برحمته من معاملة شهوتك و طبيعتك إلى تدبيره جل جلاله في إرادتك و منها أن لا يكون لك معرفة بهذه الحال و لا تصدق بها حتى تطلبها من باب الكرم و الإفضال فلا تتسحر سحورا يثقلك عن تمام وظائف الأسحار و عن لطائف الطاعات في إقبال النهار. والحذر من الأطعمة الدهنية والثقيلة في السحور. ومن الأفضل اختيار الأطعمة الخفيفة مثل الفواكه والخضروات.
تساعد الأطعمة الطبيعية في الحفاظ على الصحة وتقوية الجسم. تناول هذه الأطعمة يمنح الجسم الطاقة ويعزز مناعته.
4. توصيات عامة للتغذية الصحية في شهر رمضان
شرب الماء بكميات كافية في الفترة بين الإفطار والسحور
يعتبر شرب الماء بكميات كافية أمرًا حيويًا خلال الفترة بين الإفطار والسحور. يساعد ذلك في الحفاظ على ترطيب الجسم ويقي من المشكلات الهضمية.
الابتعاد عن الأطعمة المقلية والدهنية
ينبغي تجنب الأطعمة المقلية والدهنية التي قد تؤدي إلى مشاكل صحية وزيادة الوزن. يجب اختيار الأطعمة الصحية والمغذية. تناول الأطعمة البروتينية والغنية بالألياف للشعور بالشبع لفترة أطول ، حيث يساعد بالشعور بالشبع لفترات أطول، مما يقلل من احتمالية الإفراط في الأكل. يُنصح بتناول الحبوب، واللحوم القليلة الدسم، ومنتجات الألبان.
في الختام، تُعد التغذية الصحية في شهر رمضان المبارك أمرًا حيويًا للحفاظ على الصحة الجسدية والروحية. من خلال اتباع توصيات أهل البيت عليهم السلام والاهتمام بالتوازن في تناول الطعام، يمكننا الاستفادة القصوى من هذا الشهر المبارك. لنعمل جميعًا على الاستفادة من التعاليم الدينية والعلمية للحفاظ على صحتنا وتعزيز إيماننا في هذا الشهر الفضيل.
1ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 96 / الصفحة : 255 / ط مؤسسة الوفاء.
2ـ الصوم طريقة حديثة لعلاج الأمراض / الكسي سوفورين / الصفحة : 65 / الطبعة الاولى.
3ـ سورة البقرة : الآية 183.
4ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 4 / الصفحة : 153 / ط الاسلامية.
5ـ وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 7 / الصفحة : 114 / ط الإسلامية.
6ـ سورة البقرة : الآية ١٧٢؟
7ـ سورة الأعراف : الآية 31.
8ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 4 / الصفحة : 55 / ط الاسلامية.
9ـ وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 24 / الصفحة : 247 / ط-آل البیت.
10ـ وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 24 / الصفحة : 248 / ط-آل البیت.
11ـ إقبال الأعمال / السيد بن طاووس / المجلّد : 1 / الصفحة : 82 / ط القديمة.
التعلیقات