قصة خروج آدم وحواء عليهما السلام من الجنة
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 11 ساعةتُعدّ قصة خروج آدم وحواء عليهما السلام من الجنة من أبرز القصص القرآنية التي أثارت عبر العصور تساؤلات حول أصل الخطأ والمسؤول عنه، والعِبر المستفادة من هذا الحدث التأسيسي في تاريخ البشرية. يروي القرآن الكريم هذه القصة في عدة مواضع، منها سور البقرة، الأعراف، وطه، حيث صدر أول تكليف إلهي لآدم وزوجه: ﴿ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ (1).
كان الأمر واضحًا: المسموح كثير، والممنوع شجرة واحدة فقط. لكن مع دخول الشيطان على الخط، بدأت القصة تأخذ مسارًا آخر.
الشيطان، المطرود من رحمة الله بسبب امتناعه عن السجود، لم ينسَ ثأره مع آدم، فصمّم على إغوائه وإبعاده عن الجنة. وسوس لهما بأساليب متعددة، بدءًا بإغراء الخلود وبلوغ مرتبة الملائكة، وانتهاءً بالقَسَم الكاذب بأنه ناصح لهما: ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ (2).
ففي إحدى الروايات أنّ آدم وحواء لم يكونا يعرفان إلى ذلك الوقت أنّ من المعقول والممكن أن يحلف شخص بالله تعالى كاذباً ولم يخطر ذلك ببالهما أبداً، القرآن يوضح أن هدف الشيطان كان إسقاط آدم وزوجه في المخالفة، وقد نجح في ذلك عن طريق الخداع والتغرير: ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ (3).
وبمجرد أن أكلا من الشجرة، انكشفت لهما سوآتهما، وسقطا في الخطأ، فكان الخروج من الجنة نتيجة طبيعية لذلك.
تسلّط هذه القصة الضوء على عدة محاور مهمة: كيف بدأت العلاقة بين الإنسان والتكليف؟ من كان المسؤول الفعلي عن الأكل من الشجرة؟ هل كان آدم وحده المخطئ؟ أم أن حواء كانت شريكة في ذلك؟ وما هو دور الشيطان؟
في هذا المقال، سنستعرض هذه القصة من خلال المصادر الإسلامية وتفاسير علماء الشيعة، لنفهم الأبعاد الحقيقية لهذا الحدث، ونحدّد من يتحمل المسؤولية الأكبر فيه، آدم، حواء، أم الشيطان.
من المسؤول عن أكل الشجرة: آدم، حواء أم الشيطان؟
في الرؤية الإسلامية ، لا يُلقى اللوم على طرف واحد، ولا يُقدَّم الحدث كمعصية مطلقة، بل كعمل مشترك ناتج عن وسوسة الشيطان وضعف بشري مؤقت. ومن خلال النصوص القرآنية وتفاسير العلماء وروايات أهل البيت عليهم السلام ، تتضح صورة متوازنة لا تُجرّم المرأة وحدها كما فعلت بعض القراءات الأخرى، بل تشير إلى مسؤولية مزدوجة، مع تركيز خاص على دور آدم كالمُخاطب الأول بالأمر الإلهي.
هل كان أكل الشجرة ذنبًا أم تركًا للأولى؟
في الفكر الإسلامي، لا يُفهم الذنب على إطلاقه، بل يُفرّق بين المعصية الحقيقية وبين ما يُعرف بـترك الأولى. فالمعصية تعني مخالفة واضحة ومتعمدة لأمرٍ واجبٍ من أوامر الله، وهي ما يُحاسَب عليه العبد. أما ترك الأولى، فهو أن يترك الإنسان الفعل الأفضل، دون أن يقع في الحرام شرعًا. وهو لا يُعد ذنبًا بالمعنى الاصطلاحي، بل نوعًا من النقص في مقام القرب، يليق بالنبي أو العبد الصالح أن يتجنبه.
إنّ الأوامر والنواهي الإلهيّة على نوعين:
1- أوامر ونواه مولويّة، والأولى يجب امتثالها، ويترتّب على ذلك الثواب، والثانية يجب تركها، ويترتّب على فعلها العقاب.
2- أوامر ونواه إرشاديّة، والأولى لا يترتّب على فعلها ثواب، والثانية لا يترتّب على معصيتها عقاب، إنّما يكونان في مقام بيان أنّ في الفعل مصلحة للإنسان، أو ضررًا عليه، وحال هذه الأوامر والنواهي الإلهيّة الإرشاديّة، كحال أوامر ونواهي الطبيب للمريض.
موقف علماء الشيعة من أكل آدم للشجرة
عند علماء الشيعة، تُفهم قصة أكل آدم من الشجرة على أنها تركٌ للأولى، وليست معصية بالمعنى الفقهي. فقد كان آدم نبيًا، والأنبياء في عقيدة الشيعة معصومون من المعصية، سواء قبل البعثة أو بعدها. لكن العصمة لا تعني عدم الوقوع في مخالفة أدنى مرتبة، بل تعني عدم ارتكاب الذنب الذي يُنافي مقام النبوة.
في هذا السياق، يوضح العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان أن نهي الله لآدم عن الشجرة كان من باب الإرشاد لا التحريم التشريعي، أي أن الله تعالى أرشده إلى ما هو الأفضل له، لكن لم يُحرّم عليه الأكل منها كتحريم قطعي. وبالتالي فإن أكل آدم منها لم يكن ذنبًا شرعيًا، بل تركًا لما هو أولى وأفضل في مقام الطاعة.
الأدلة من القرآن
القرآن لا يستخدم لفظ "ذنب" أو "إثم" عند ذكر ما فعله آدم، بل يستخدم تعبيرات مثل : ﴿ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ﴾ (4)، ﴿ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ (5).
وهذا لا يعني الظلم المطلق، بل مخالفة أمرٍ لم يكن واجبًا بالمعنى التشريعي، بل هو من قبيل التوصية. لذلك قال تعالى بعد ذلك: ﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ ﴾ (6).
أي أن الله اجتباه واصطفاه رغم هذا الفعل، ما يدل على أن الفعل لم يُخرجه من مقام القرب، وإنما كان تجربةً تربوية في بدايات النبوة.
رجوع آدم إلى الله وتوبته:
وفي المآل عندما عرف آدم وحواء بكيد إبليس، وخطته ومكره الشيطاني، ورأيا نتيجة مخالفتهم فكرا في تلافي ما فات، وجبران ما صدر منهما، فكانت أول خطوة خطياها هي: الاعتراف بظلمهما لنفسيهما أمام الله: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ (7).
والخطوة الأولى في سبيل التوبة والإنابة إلى الله وإصلاح المفاسد هي: أن ينزل الإنسان عن غروره ولجاجه، ويعترف بخطأه اعترافا بناء واقعا في سبيل التكامل.
والملفت للنظر أن آدم وحواء عليهما السلام يظهران أدبا كبيرا مع الله في توبتهما وطلبهما العفو والغفران منه تعالى فلم يقولا: ربنا اغفر لنا، بل يقولان : ﴿ إِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾.
ولا شك أن مخالفة أوامر الله ونواهيه ظلم يورده الإنسان على نفسه، لأن جميع البرامج والأوامر الإلهية تهدف إلى خير الإنسان، وتتكفل سعادته وتقدمه، وعلى هذا الأساس فإن أية مخالفة من جانب الإنسان تكون مخالفة لتكامل نفسه، وسببا لتأخرها وسقوطها، وآدم وحواء وإن لم يذنبا ولم يرتكبا معصية، ولكن نفس هذا الترك للأولى أنزلهما من مقامهما الرفيع، واستوجب حط منزلتهما.
إن توبة آدم وحواء عليهما السلام الخالصة وإن قبلت من جانب الله تعالى - كما نقرأ ذلك في الآية (37) من سورة البقرة فتاب الله - ولكنهما لم يستطيعا على كل حال التخلص من الأثر الوضعي والنتيجة الطبيعة لعملهما، فقد أمرا بمغادرة الجنة، وشمل هذا الأمر الشيطان أيضا: قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (8).
الدروس الأخلاقية والفلسفية من قصة خروج آدم وحواء عليهما السلام
من قصة إخراج آدم وحواء عليهما السلام من الجنة، يستخلص عدة دروس مهمة:
حرية الإرادة: الله ترك الخيار لآدم، مما يؤكد أن الإنسان مخلوق حر الإرادة، مسؤول عن اختياراته.
تحمل المسؤولية الفردية: آدم وحواء بعد الخطأ لم يبررا فعلتهما ولم يتهربا، بل قالا بصدق : ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ﴾ أي اعترفا بخطئهما دون لوم الشيطان وحده.
أهمية التوبة : التوبة الصادقة لها قيمة عظيمة. فقد تاب آدم توبة خالصة، فقبل الله توبته، كما قال تعالى : ﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾.
حتى بعد التوبة، بقي الأثر الطبيعي للخطأ (أي الهبوط إلى الأرض)، مما يعلمنا أن بعض الآثار الدنيوية للخطايا لا تزول بالتوبة، رغم غفران الذنب نفسه.
يتناول القرآن الكريم والروايات الشيعية مسألة أكل الشجرة من زوايا مختلفة، حيث يُظهر كل منهما تفسيرات متباينة. في القرآن، يُعتبر أكل الشجرة مخالفة إرشادية، وليس ذنبًا عقابيًا، حيث تُستخدم ألفاظ مثل "غوى" للدلالة على الضلال عن الطريق الأفضل، و"ظلم" للإشارة إلى ظلم النفس بترك الكمال. ويعكس هذا الفهم أن الخطأ لم يكن تحديًا لله أو عنادًا، بل نتج عن جهل بخبث الشيطان وسذاجة في تقدير الموقف. وهكذا، تم قبول توبتهما فور اعترافهما، مما يُظهر رحمة الله وتعاطفه مع عباده.
مراجعة رأي علماء الشيعة في هذه المسألة
علماء الشيعة أمثال: الشيخ الصدوق، الطبرسي في مجمع البيان، العلامة الطباطبائي في الميزان، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في الأمثل، جميعهم متفقون على أن: الأنبياء معصومون من المعاصي الكبرى والصغرى قبل النبوة وبعدها. فعل آدم لم يكن ذنبًا، بل تجربة تكميلية ضمن سنن الابتلاء الإلهي.
الهدف من القصة ليس التشهير بآدم وحواء عليهما السلام، بل بيان طبيعة الإنسان: الحرية، المسؤولية، والقدرة على التوبة.
أسئلة وأجوبة
1. ما هو مضمون قصة خروج آدم وحواء من الجنة حسب القرآن الكريم؟
الله تعالى أمر آدم وزوجه أن يأكلا من الجنة حيث شاءا، إلا شجرة واحدة نهاهما عنها.
الشيطان وسوس لهما حتى أكلا من الشجرة فظهرت سوءاتهما، وأُخرجا من الجنة.
٢. هل كان الأمر الإلهي لآدم وحواء تحريمًا قطعيًا أم إرشادًا؟
حسب تفاسير الشيعة، كان الأمر إرشادًا إلى مصلحتهما لا تحريمًا تشريعيًا ملزمًا.
٣. من كان المسؤول الأكبر عن الأكل من الشجرة: آدم أم حواء أم الشيطان؟
المسؤولية مشتركة بين آدم وحواء، لكن التركيز في الخطاب القرآني كان على آدم، لأن الله خاطبه أولًا.
الشيطان كان السبب في الوسوسة، لكنه لا يرفع مسؤولية الإنسان عن اختياراته.
٤. هل يعتبر أكل الشجرة ذنبًا أم تركًا للأولى؟
ليس ذنبًا شرعيًا بالمعنى الفقهي، بل ترك للأولى، أي ترك ما هو أفضل وأكمل.
٥. ما الدليل على أن أكل الشجرة كان تركًا للأولى وليس ذنبًا؟
القرآن لم يستخدم ألفاظ "ذنب" أو "إثم"، بل قال: "وعصى آدم ربه فغوى".
٦. هل توبتهما كانت مقبولة؟
نعم، تابا توبة خالصة، فقبل الله توبتهما فورًا كما في قوله تعالى: ﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ (سورة البقرة : الآية 37).
٧. لماذا أُخرجا من الجنة رغم قبول التوبة؟
الخروج كان أثرًا وضعيًا طبيعيًا للفعل، لا عقوبةً انتقامية. فكل مخالفة، حتى لو غُفرت، قد تترك أثرًا في الحياة.
٨. ما الدروس الأخلاقية والفلسفية المستفادة من هذه القصة؟
حرية الإرادة: الإنسان مسؤول عن أفعاله رغم وجود الشيطان.
تحمل المسؤولية الفردية: الاعتراف بالخطأ وعدم تبريره.
أهمية التوبة: باب الرحمة الإلهية مفتوح دائمًا للتائبين الصادقين.
1ـ سورة الأعراف : الآية ١٩؟
2ـ سورة الأعراف : الآية ٢١.
3ـ سورة الأعراف : الآية ٢2.
4ـ سورة طه : الآية 121.
5ـ سورة البقرة : الآية 35.
6ـ سورة طه : الآية 122.
7ـ سورة الأعراف : الآية ٢٣.
8ـ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل / الشيخ ناصر مكارم الشيرازي / المجلّد : 4 / الصفحة : 606.
التعلیقات