استشهاد فاطمة الزهراء سلام الله عليها على رواية ٤٠ يوما
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 9 ساعاتتحتل شهادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام موقعاً محورياً في الوجدان الشيعي، إذ إنّها لم تكن حادثة تاريخية عابرة، بل شكّلت جزءاً من هوية أتباع أهل البيت عليهم السلام. فالسيدة الزهراء عليها السلام هي الامتداد الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وآله، وشهادتها المبكرة بعد رحيل أبيها عكست حجم المظلومية التي لحقت بالعترة الطاهرة، وأصبحت رمزاً للمظلومية التاريخية التي رافقت مسيرة التشيّع عبر العصور.
كثيراً ما يتسال بعض المومنين عن رواية استشهاد سيدة نساء العالمين عليها السلام ؟
فنقول : ان الروايات الواردة في ذلك كثيرة ومختلفة باختلاف مصادر التاريخ ، لكن المعتمد ثلاث روايات فمن يعتمد على المصدر التاريخي الذي يذكر الرواية الاولى فانه يتبنى تلك الرواية ، ومن يعتمد على المصدر التاريخي الذي يذكر الرواية الثانية فانه تبناها، وهكذا الرواية الثالثة التي هي الاصح من خلال وثاقة المصدر والشواهد والقرائن لذا اصبحت الرواية الثالثة هي الاشهر.
واليكم الروايات الثلاث:
القول الأوّل: الثامن من شهر ربيع الثاني، وهذا ما يُعرف بـ (رواية الأربعين)، وهو الصحيح عند الحصيني (1)، وتشتهرُ نسبته في الألسنة إلى الشيخ ابن شهرآشوب قُدّس سرُّه في المناقب (2)، ولكنّه ممّا لا يمكن الجزم به، فإنّ نصَّ عبارته هو: (وعاشت بعده صلى الله عليه وآله اثنان وسبعين يوماً، ويقال: خمسة وسبعون يوماً، وقيل: أربعة أشهر، وقال القرباني: قد قيل: أربعين يوماً، وهو أصح)، وظاهر عبارته أنَّ الحكم بالأصحيّة من مقول القرباني، وأمّا الذي يراه في تاريخ شهادتها فهو ما ذكره أوّلاً، وإن كان يظهر من كلامه في الذيل ميله إلى رواية الخمسة والأربعين، حيث قال: (وتوفيت ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة) وبهِ ختم الكلام.
والملفت للنظر هو تصريح الفقيه الجليل الشيخ خضر شلّال قُدِّس سرُّه بأنَّ هذا القول هو مشهور سواد الإماميّة (3).
القول الثاني: الثالث عشر من جمادى الأولى، وهذا هو ما يُعرف بـ (رواية الخمسة والسبعين)، وهو مختار جمهرة من الأعلام، ومنهم: المحقق النائيني والشيخ عبد الكريم الحائري قدّس سرّهما، كما مختار السيد صادق الروحاني قدس سره.
القول الثالث: الثالث من جمادى الآخرة، وهذا هو ما يُعرف بـ (رواية الخمسة والتسعين)، وهو مختار الشيخ المفيد قُدّس سرّه (4)، والشيخ الطوسي قُدّس سره (5)، والسيّد ابن طاووس قُدّس سرّه (6)، والشيخ الكفعمي قُدِّس سرُّه (7)، وقد صرَّح العلامة المجلسي قُدِّس سرُّه بأنه قول المشهور (8).
مُرجِّحاتُ الأقوال:
ولكلِّ واحدٍ من هذه الأقوال مرجِّحاته التي ينبغي التعرّض لها، وهذا هو ما يعنينا في المقام.
1 – مرجِّحاتُ القول الأوّل:
وعمدتها: وروده في أقدم المصادر، أعني به: كتاب سليم بن قيس الهلالي رضي الله عنه نقلاً عن ابن عبّاس.
وقد يُؤيّد هذا المُرجِّح بنقل السيّد ابن طاووس قُدِّس سرُّه لهذا القول في كتابه (اليقين) نقلاً عن ابن جرير الطبري المؤرِّخ، ولا مجال إطلاقاً لاحتمال كون الطبري المنقول عنه هو الطبري الإمامي، لتصريح السيد ابن طاووس بهويّة مَن نقلَ عنه، حيث قال: (ننقله مما رواه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ، وهو من أعظم وأزهد علماء الأربعة المذاهب) (9)، فلا وجه لإثارة الاحتمالات في المقام.
2 – مرجِّحاتُ القول الثاني:
وعمدتُها: الروايات الصريحة الصحيحة الواردة في أهمِّ مجاميع الحديث عند الإمامية، ويكفي منها صحيحة أبي عبيدة التي نقلها ثقة الإسلام الكليني (أعلى الله مقامه) في كتاب (الكافي) بسنده عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه “عليه السلام” قَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه ص خَمْسَةً وسَبْعِينَ يَوْماً، وكَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا، وكَانَ يَأْتِيهَا جَبْرَئِيلُ عليه السلام فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا، ويُطَيِّبُ نَفْسَهَا، ويُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا ومَكَانِه، ويُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا، وكَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَكْتُبُ ذَلِكَ) (10).
ومثلها: حسنة هشام بن سالم، التي يرويها عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ القمّي، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْر، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام قَالَ: سَمِعْتُه يَقُولُ: (عَاشَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام بَعْدَ أَبِيهَا خَمْسَةً وسَبْعِينَ يَوْماً، لَمْ تُرَ كَاشِرَةً ولَا ضَاحِكَةً) (11).
ودلالةُ هذه الروايات على هذا القول لا تتمُّ – كما تقدّم – إلا بضميمة الشهرة القائمة عند علماء الإمامية على شهادة النبي صلى الله عليه وآله في الثامن والعشرين من شهر صفر.
3 – مرجِّحاتُ القول الثالث:
وعمدتها: معتبرة الدلائل، وهي التي رواها الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الإمامي أعلى الله مقامه قائلاً: وحدثنا محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال: روى أحمد بن محمد البرقي، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: وُلدت فاطمة عليها السلام في جمادى الآخرة يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله، فأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وتسعين يوماً، وقُبِضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها (12).
ويمكن تأييدها بما رواهُ أبو الفرج الإصفهاني في مقاتل الطالبيين، حيث قال: (إلا أنَّ الثابت في ذلك ما رُويَ عن أبي جعفر محمد بن علي: إنَّها توفيت بعده بثلاثة أشهر.
حدثني بذلك الحسن بن عبد الله، قال: حدثنا الحرث عن ابن سعد، عن الواقدي، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمد بن علي) (13).
ووجهُ التأييد – مع غضّ النظر عن ضعف السند – هو أنَّ حمل الأشهر الثلاثة الظاهرة في التسعين على الخمسة والتسعين لا يتمُّ إلا مع المسامحة، وربما وقع ذلك في كلام المعصوم عليه السلام جرياً منه على قوانين أهل المحاورة، وقد أومأ لذلك العلامة المجلسي طاب ثراه في قوله: (وما رواه أبو الفرج عن الباقر عليه السلام من كون مكثها عليها السلام بعده صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة، بأن يكون عليه السلام أسقط الأيام الزائدة لقلتها، كما هو الشائع في التواريخ والمحاسبات من إسقاط الأقل من النصف وعدّ الأكثر منه تاماً) (14).
وعلى هذا الأساس من الاختلاف تعدّدت أيّام المناسبة المعبّر عنها بـ(الأيّام الفاطمية) أو (موسم الأحزان الفاطمية)، ولعلّ في هذا الاختلاف مصلحة كما أنّ في اختلاف محلّ قبرها مصلحةً وبركات ذُكرت في محلّها، ومن بركات هذا الاختلاف أن يجتمع محبّوها ليعقدوا عشرات الآلاف من مجالس العزاء والمآتم على مدى شهرين في المساجد والبيوت والحسينيات والمراكز الإسلامية المتّشحة بالسواد، ويُطعمون الطعام في يوم شهادتها بكلّ سخاء، ويرقى الخطباء المنابر، ويتحدّثون عن السيدة الزهراء عليها السلام وعن جوانب حياتها الزاخرة بالفضائل والمناقب والمواقف المشرِّفة، ويختمون كلامهم بذكر بعض مصائبها وآلامها التي جرت عليها بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله.
روايت الاربعين والوصية
جاء في كتاب البحار : مرضت عليها السلام مرضاً شديداً ومكثت أربعين ليلة في مرضها، فلما نعيت إليها نفسها، دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس، ووجهت خلف علي عليه السلام وأحضرته فقالت: يابن عم، أنه قد نعيت إلي نفسي وإنني لأرى ما بي ولا أشك إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي، قال لها علي عليه السلام: أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ثم قالت:
يابن عم، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني فقال عليه السلام: معاذ الله أنت أعلم وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله أن أوبخك غداً بمخالفتي، فقد عز عليّ بمفارقتك وبفقدك، ألا وأنه أمر لا بد منه والله جدد علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها.
ثم بكيا جميعاً ساعة وأخذ علي عليه السلام رأسها وضمها إلى صدره ثم قال:
أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفياً أمضي كلما أمرتيني به وأختار أمرك على أمري .
ثم قالت: جزاك الله عني خير الجزاء، يابن عم أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أُمامة فأنها لولدي مثلي فأن الرجال لابد لهم من النساء.
ثم قالت: أوصيك يابن عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوروا صورته. فقال لها: صفيه إليّ. فوصفته فاتخذه لها، فأول نعش عمل في وجه الأرض ذلك.
ثم قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي فأنهم أعدائي وأعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وأن لا يصلي عليّ أحد منهم ولا من أتباعهم وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار، ثم توفيت صلوات الله عليها وعلى أبنيها وبعلها وبنيها (15).
الخاتمة
رواية الأربعين يوماً في شهادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام تمثّل إحدى المحطات المهمة في الذاكرة الشيعية، إلى جانب الروايات الأخرى التي تذكر ٧٥ أو ٩٥ يوماً. والاختلاف في التحديد لم يضعف من حضور شهادتها في وجدان المؤمنين، بل جعله أكثر امتداداً عبر الزمن، حيث يحيي الشيعة أكثر من مناسبة مرتبطة بذكراها، لتبقى السيدة الزهراء عنوان المظلومية والقداسة والهوية الرسالية للتشيّع.
السؤال : ورد أن هناک عشر روايات مختلفة حول يوم استشهاد الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، أرجو من سماحتکم ذکرها جميعها.
الجواب من سماحة السيد مرتضى الموسوي الاصفهاني:
الروايات المعروفة الواردة من طرق الشيعة في يوم شهادة الزهراء عليها السلام علی ثلاث طوائف بعضها تدل علی أنها استشهدت بعد 75 يوم من وفاة النبي صلی الله عليه وآله وسلم وهي المشهورة رواية وعملا، وبعضها تدل علی أنها بقيت بعد أبيها 90 يوما، وبعضها تدل علی انها توفيت بعد أربعين يوم من وفاة النبي صلی الله عليه وآله وسلم ولأجل ذلک اختلفت الاقوال في وفاتها، فقيل: إنها توفيت في 8 ربيع الثاني وقيل وهو المشهور: أنها توفيت في 13 جمادي الاولی وقيل: إن وفاتها في 3 جمادي الثانية.
نعم روی العامة أن فاطمة عاشت بعد أبيها ستة أشهر ثم توفيت ولکن هذا القول باطل يکذبه روايات أهل البيت عليهم السلام وهم اولاد فاطمة عليها السلام ولعل غرضهم من القول بتأخير وفاتها هو دفع توهم شهادتها بسبب ما جری عليها من قبل الظالمين والغاصبين لکن خفي عليهم أن الحقائق التاريخية لا يمکن إخفاؤها بمثل هذه الاکاذيب.
1. الهداية الكبرى / للحصيني / الصفحة : 176.
2. مناقب آل أبي طالب / للشيخ بن شهر آشوب / المجلد : 3 / الصفحة: 132.
3. أبواب الجنان / الشيخ خضر بن شلال / الصفحة : 100.
4. مسار الشيعة / الشيخ المفيد / الصفحة : 54. وفيه قال: (شهر جمادى الآخرة، اليوم الثالث منه سنة إحدى عشرة من الهجرة كانت وفاة السيدة فاطمة بنت رسول الله “صلى الله عليه وآله”، وهو يوم يتجدد فيه أحزان أهل الإيمان).
5. مصباح المتهجد / الشيخ الطوسي / الصفحة : 793.
6. إقبال الأعمال / السيد ابن طاووس / المجلد : 3 / الصفحة: 160، وفيه قال: (روينا عن جماعة من أصحابنا ذكرناهم في كتاب التعريف للمولد الشريف أنَّ وفاة فاطمة صلوات الله عليها كانت يوم ثالث جمادى الآخرة، فينبغي أن يكون أهل الوفاء محزونين في ذلك اليوم، على ما جرى عليها من المظالم الباطنة والظاهرة، حتى أنها دفنت ليلاً، مظهرة للغضب على من ظلمها وأذاها وآذى أباها، صلوات الله عليه وعلى روحها الطاهرة).
7. المصباح / الشيخ الكفعمي / الصفحة : 511.
8. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 43 / الصفحة : 215، مرآة العقول: 5 / 314، وقال في (زاد المعاد) 281: (لكن بما أنها مشهورة، وفيها رواية معتبرة، يجب القيام في الثالث من هذا الشهر أيضاً بمراسم العزاء للسيدة الزهراء وزيارتها والإكثار من اللعن على ظالميها عليها السلام).
9. اليقين / السيد بان طاووس / الصفحة : 487.
10. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 241، وجدير بالذكر أنَّ صاحب (بصائر الدرجات) في الصفحة 173 قد نقلها أيضاً بسنده عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة.
11. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 3 / الصفحة : 228.
12. دلائل الإمامة / الشيخ الطبري / الصفحة : 79، ورواها مع زيادةٍ في مورد آخر – في الصفحة: 134 – بواسطة أبي الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبيه، عن ابن همام.
13. مقاتل الطالبيين / أبو الفرج الاصفهاني / الصفحة : 31.
14. مرآة العقول / العلامة المجلسي / المجلّد : 5 / الصفحة : 314.
15. بحار الأنوار - العلامة المجلسي / المجلّد : ٤٣ / الصفحة : ١٩٢.
التعلیقات