قِدر فاطمة عليها السلام وطعام من السماء: شهادات وكرامات
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 7 ساعاتحين نتأمل سيرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، ندرك أننا أمام مقام لا يعرف قدره إلا الله ورسوله وأهل المعرفة من أوليائه. فهي بضعة المصطفى وروحه التي بين جنبيه، وهي التي قال لها والدها الكريم: « ان الله ليغضَبُ لغَضَبكِ ويرضى لرضاكِ » (1) ومع ذلك، عاشت هذه السيدة العظيمة بعد شهادة أبيها مظلومة، مجهولة القدر عند كثير من الأمة، محجوباً نورها عن عقول كانت أسيرة للسياسة وظلم التأريخ، مع أن فضلها يشهد به القرآن والسنة، وتشهد به أحداث ثابتة نقلها حتى المخالفون.
ورغم محاولات إخفاء منزلتها، بقيت الكرامات التي جرت على يديها نوراً لا تستطيع الأقلام المنحرفة طمسَه. ومن أعجب ما وصلنا ما نُقل على لسان عائشة نفسها حول كرامة القدر والنار، وهي من روايات غير الموالين، وكذلك كرامة الطعام النازل من السماء الواردة في كتبهم. هذه الروايات، مع ما تحمله من معانٍ عظيمة، تبرز مقامها المحفوظ عند الله، وتكشف أن للسيدة فاطمة عليها السلام منزلة فوق ما تصوره العقول، وأن الله أظهر فضلها حتى على ألسنة من لم يكن يميل إليها، ليكون الحجة أبلغ، والدلالة أظهر، والشهادة أعمق.
في الرواية الأولى نرى عائشة تدخل على فاطمة عليها السلام، فتراها تحرك القدر المغلي بيدها من دون أن تمسها النار، فتفزع وتخبر النبي صلى الله عليه وآله، فيصعد المنبر ليعلن أن الله حرّم النار على لحم فاطمة ودمها وشعرها وعصبها، وأن هذا ليس بالأمر الغريب على من جعلها الله آية بين عباده. وفي الرواية الثانية نرى كرامة نزول الطعام من السماء إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام في أيام الجوع، فتكون شبيهة بما جرى مع مريم، ويشهد النبي بأن هذا رزق من عند الله. وكلتاهما جاءت من طريق المخالفين ليكون برهاناً على أن المقام الإلهي للصديقة الطاهرة عليها السلام أكبر من أن يُحجب.
وبين هاتين الكرامتين تظهر صورة صادقة لسيدة الطهر، التي كان نورها يفضح ظلم الظالمين، وسموّها يعجز عنه الوصف، ومكانتها الإلهية تتجلى حتى في حياة الدنيا رغم كل محاولات الإخفاء.
في بيان ظهور آياتها مع القِدر والنار
عن أنس ، قال : سألني الحجّاج بن يوسف عن حديث عائشة ، وحديث القدر التي رأت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وهي تحركها بيدها ، قلت : نعم ، أصلح الله الأمير ، دخلت عائشة على فاطمة عليها السلام وهي تعمل للحسن والحسين عليهما السلام حريرة بدقيق ولبن وشحم ، في قدر ، والقِدر على النار يغلي (وفاطمة صلوات الله عليها) تحرك ما في القدر بإصبعها ، والقِدر على النار يبقبق (2) ، فخرجت عائشة فزعة مذعورة ، حتّى دخلت على أبيها ، فقالت : يا أبه ، إنّي رأيت من فاطمة الزهراء أمراً عجيباً ، رأيتها وهي تعمل في القدر ، والقدر على النار يغلي ، وهي تحرك ما في القدر بيدها ! فقال لها : يا بنية ، اكتمي ، فإنّ هذا أمر عظيم .
فبلغ رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلم ، فصعد المنبر ، وحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : « إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار ، والذي بعثني بالرسالة واصطفاني بالنبوة ، لقد حرّم الله تعالى النار على لحم فاطمة ودمها وشعرها وعصبها ، وفطم من النار ذرّيتها وشيعتها ، إنّ من نسل فاطمة من تطيعه النار والشمس والقمر والنجوم والجبال ، وتضرب الجنّ بين يديه بالسيف ، وتوافي إليه الأنبياء بعهودها ، وتسلّم إليه الأرض كنوزها ، وتنزّل عليه من السماء بركات ما فيها ، الويل لمن شك في فضل فاطمة ، لعن الله من يبغض بعلها ولم يرض بإمامة ولدها ، إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفاً ، ولشيعتها موقفاً ، وإنّ فاطمة تُدعى فتلبي ، وتشفع فتشفّع على رغم كلّ راغم » (3).
ولقد أجاد فيها الفاضل الشيخ حسن الدمستاني حيث يقول:
أيكبر عن قدر البتولة أنها
تلامس ما في القدر وهي تفور
أما هي بنت المصطفى طابع الحصى
بخاتمه والمسلمون حضور
ومظهر أسرار الإله التي لها
على باطن السر الخفي ظهــور
ومن كان الحور الحسان تزورها
لهن لديها غبطة وسرور
طعام من السماء في بيت فاطمة الزهراء عليها السلام
عن زينب بنت عليّ عليهما السلام ، قالت : صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الفجر ، ثمّ أقبل بوجهه الكريم على عليّ عليه السلام ، فقال : « هل عندكم طعام ؟ » فقال : « لم آكل منذ ثلاثة أيّام طعاما ، وما تركت في منزلي طعاماً ».
قال : « امض بنا إلى فاطمة » فدخلا عليها وهي تتلوى من الجوع ، وابناها معها ، فقال : « يا فاطمة ، فداك أبوك ، هل عندك طعام ؟ » فاستحيت فقالت : « نعم » فقامت وصلّت ؛ ثمّ سمعت حسّا فالتفتت فإذا بصحفة ملأى ثريداً ولحماً ، فاحتملتها فجاءت بها ووضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، فجمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجعل عليّ يطيل النظر إلى فاطمة ، ويتعجّب ، ويقول : « خرجت من عندها وليس عندها طعام ، فمن أين هذا ؟ ».
ثمّ أقبل عليها فقال : « يا بنت رسول الله ، ( أَنَّى لَكِ هذا ؟ ) »
قالت : ﴿ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ﴾ (4).
فضحك النبي صلى الله عليه وآله وقال : « الحمد لله الذي جعل في أهلي نظير زكريا ومريم إذ قال لها : ﴿ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ﴾ (5) ».
فبينما هم يأكلون إذ جاء سائل بالباب ، فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ، أطعموني ممّا تأكلون. فقال صلى الله عليه وآله : « اخسأ اخسأ » ففعل ذلك ثلاثا ، وقال عليّ عليه السلام : « أمرتنا أن لا نرد سائلاً ، من هذا الذي أنت تخسأه ؟ » فقال : « يا عليّ ، إنّ هذا إبليس ، علم أنّ هذا طعام الجنّة ، فتشبّه بسائل لنطعمه منه ».
فأكل النبيّ صلى الله عليه وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام حتّى شبعوا ، ثمّ رفعت الصفحة ، فأكلوا من طعام الجنّة في الدنيا. (6)
الخاتمة
إن ما ورد من الكرامات في هاتين الروايتين، مع كونه نقلاً عن المخالفين أو عن أشخاص لم يكونوا من أهل الولاء، يكشف حقيقة أكبر من الحدث نفسه. فهذه الأمة التي جهلت قدر الزهراء عليها السلام، وضيعت حقها، كانت مع ذلك تحفظ روايات تشهد بفضلها رغم أن من نقلها لم يكن من شيعتها، وهذا بحد ذاته دليل على أن فضلها بلغ من العظمة ما لا يمكن ستره.
ولذلك، لا ينبغي أن نستكثر هذه الكرامات أو نستعظمها، فهي قريبة لمن عرف مقام فاطمة عليها السلام عند الله، وأقرب لمن فهم معنى قوله صلى الله عليه وآله إنها جزء منه. فإذا كان أعداؤها هم من كتبوا التاريخ، وكانت الأقلام المأجورة بأيديهم، ومع ذلك تناقلت كتبهم هذه الآيات، فكيف بما لم يصلنا؟ وكيف بما طواه التحريف أو سُكِت عنه عمداً؟
إن ما روته عائشة في كرامة القدر والنار، وما جاء في رواياتهم من نزول الطعام السماوي في بيتها، مجرد إشارات يسيرة من بحر فضل أهل البيت عليهم السلام. ولو لم يكن الأمر عظيماً حقاً لما شهد به الخصوم. فهذه الشهادات تكفي لتدل على رفعة مقام الزهراء، وأن نورها لم تستطع يد السياسة محوه، وأن الله شاء أن يبقى ذكرها حجة على من أنكر فضلها أو تظاهر بعداوته لها.
نختم بالقول إن الزهراء صلوات الله عليها ليست كرامة عابرة، بل هي الآية الكبرى التي أرادها الله أن تكون ميزان الحق في هذه الأمة. والكرامات التي وصلت إلينا ليست إلا صفحات متفرقة في كتاب عظيم كتبته السماء، ولكن جهلته الأرض. ومن عرف هذه الحقيقة لم يعجب مما ورد في هذه الروايات، بل يعجب مما لم يصل إلينا مما أخفته الأيدي التي كتبت التاريخ على هواها.
وفي الختام، فإن كانت لك كرامة أو قصة حصلت لك ببركة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، فاذكرها لنا، لننشرها، ولنكُن من الذين يحيون فضائل أهل البيت عليهم السلام وينشرون نورهم بين الناس.
1. هذه الرواية مذكورة في كتب الفريقين: أخرجه الحاكم النيسابوري في «المستدرك»- 3/ 153، وهكذا أخرجه الذهبي في « ميزان الاعتدال» ( 1/ 535) بالرقم( 2002) قال: أخرجه ابن عدي وخرجه ابن الاثير الجوزي في « أسد الغابة» ( 5/ 522) بعين السند، وأخرجه المحب الطبري في « الذخائر» ( 39) وغيرهم...
2. البقبقة : حكاية صوت القدر في غليانه « تاج العروس ـ بق ـ ٦ : ٢٩٧».
3. الثاقب في المناقب / ابن حمزة الطوسي / المجلّد : 1 / الصفحة : 293 / الناشر مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر.
4. سورة آل عمران / الآية : ٣٧.
5. سورة آل عمران / الآية : ٣٧.
6. الثاقب في المناقب / ابن حمزة الطوسي / المجلّد : 1 / الصفحة : 296 / الناشر مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر.












التعلیقات