العفّة وأثارها
موقع وارث
منذ 7 سنوات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى.
معنى العفّة
:
العفّة هي صفة نفسانيّة في الإنسان. يمكن التعرّف إليها من خلال آثارها التي تظهر على الإنسان، هذه الآثار ذكرَتها بعض الروايات، فعن عليّ عليه السلام: "الصبر عن الشهوة عفّة"1.
وعنه عليه السلام: "العفاف زهادة"2.
وهي صون النفس وتنزيهها عن كلّ أمرٍ دنيّ، عنه عليه السلام: "العفاف يصون النفس وينزهها عن الدنايا"3.
هذه كلّها من آثار العفّة التي تشير إليها.
العفّة عن أي شيء؟
متعلّقات العفّة كثيرة نشير هنا إلى بعضها:
أ- العفّة عن إظهار الحاجة الماديّة:
يقول تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ...﴾4.
وعن عليّ عليه السلام: "العفاف زينة الفقر"5.
ب- العفّة في تشديد الحجاب:
يقول تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾6.
ج- العفّة عن الشهوة:
يقول تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ..﴾7.
وهذه العفّة يجب أن تزداد كلّما ازدادت المرأة جمالاً، وعن عليّ عليه السلام: "زكاة الجمال العفاف"8.
د- العفّة عن أكل الحرام:
عن علي عليه السلام: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً أعفّ بطنه وفرجه"9.
وهذا ينعكس على طلب الإنسان للدنيا، فعن علي عليه السلام: "على قدر العفّة تكون القناعة"10.
ثمرات العفّة:
لقد أشارت الروايات إلى العديد من الثمرات والبركات التي تترتّب على العفّة نذكر منها:
1- حسن المظهر:
فعن عليّ عليه السلام: "من عفّت أطرافه حسنت أوصافه"11.
وعن أبي جعفر عليه السلام: "أمّا لباس التقوى فالعفاف، إنّ العفيف لا تبدو له عورة وإن كان عارياً من الثياب، والفاجر بادي العورة وإن كان كاسياً من الثياب، يقول الله ﴿... وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ...﴾12"13.
2 ـ الوقاية:
فعن عليّ عليه السلام: "لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة"14.
فهذه الرواية تشير إلى أنّ العفّة سبب في ترك المعاصي والقرب من الله تعالى، بحيث يصبح سلوكه كلّه طاعة لله تعالى وكأنّ العفيف ملك من الملائكة، وكلمة أمير المؤمنين عليه السلام: "ثمرة العفّة الصيانة"15. تشير إلى ذلك أيضاً.
3 ـ الثواب العظيم:
فعن عليّ عليه السلام: "طوبى لمن تحلّى بالعفاف"16.
وعنه عليه السلام: "ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممّن قدر فعفّ"17.
من منافيات الحياء والعفّة:
1 ـ التشبّه بالرجال:
ذكرنا فيما سبق أن هناك أموراً تناسب الرجل وأخرى تناسب المرأة، وقد أكّد الإسلام على ضرورة أن يلتزم كلّ منهما بما يناسبه، فلا يقتحم الرجل ما يناسب المرأة ولا تقترف المرأة ما يناسب الرجل ولا يتناسب مع حيائها وعفّتها، لأنّ ما يصلح لأحدهما قد يكون مفسداً للآخر، وقد شدد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك حتى لعن المرأة التي تتخلّى عما يناسبها لتتشبّه بالرجال فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لعن الله المتشبّهات بالرجال من النساء ولعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء"18.
وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا يجوز للمرأة أن تتشبّه بالرجال، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن المتشبّهين من الرجال بالنساء ولعن المتشبّهات من النساء، بالرجال"19.
والتشبّه له الكثير من النماذج، وهو يشمل كلّ ما خالف طبيعة المرأة ووافق طبيعة الرجل، ومن أوضح هذه النماذج التشبّه باللباس بحيث تلبس المرأة لباس الرجل أو يلبس الرجل لباس المرأة!.
2- تقليد الغرب:
إنّ الضياع وفقدان الهويّة هو من أخطر الأمراض التي يمكن أن يتعرّض لها الإنسان، لأنه المرض الذي يهدم الكيان والشخصيّة والخصوصيّة، بل هو في الحقيقة انهيار لكلّ القيم السائدة في المجتمع، وتضييع للأساس الذي يبني عليه الإنسان مجتمعه، ومجتمع بلا موازين ثابتة وأساسيّات واضحة هو مجتمع متخلّف إلى أبعد الحدود، طفيليّ يعيش على فتات المجتمعات الأخرى...
ومن غير الطبيعيّ أن يضيّع الإنسان هويّته، فكيف إذا كانت هذه الهويّة هي الإسلام، وإذا كانت تلك القيم هي القيم الإلهيّة والعروة الوثقى التي لا هداية بعدها ولا خير في سواها! فكيف يتخلّى الإنسان عن هداه - يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين﴾20 - ليتمسّك بتقاليد مجتمعات وعادات أثبتت فشلها وانحطاطها وجرّت المجتمعات نحو الويلات على المستوى الأمنيّ والأخلاقيّ.
ولشدّة خطورة فقدان الهويّة رفض الإسلام تقليد الآخرين حتّى في أصغر الأمور، وحتّى على مستوى الشكل فضلا عن المضمون. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "غيّروا الشيب ولا تشبّهوا باليهود والنصارى"21.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "وقلّموا الأظفار ولا تشبّهوا باليهود"22.
وفي رواية ثالثة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "اكنسوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود"23.
فلاحظ كيف أنّه صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد على ضرورة تربية المجتمع على عدم تقليد الغير والتشبّه بهم. والخطورة في هذا التشبّه هو تضييع الهويّة كما يظهر من الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام، وحيث سُئل عن قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "غيّروا الشيب ولا تشبّهوا باليهود".
فقال عليه السلام: "إنّما قال صلى الله عليه وآله وسلم ذلك والدين قلّ، فأمّا الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار"24.
يعني المشكلة ليست في تغيير الشيب وعدمه، وإنّما المشكلة في التشبّه باليهود، فإذا كان التشبّه حاصلاً فابتعدوا عنه حتّى لو كان في الأمور التي لا مانع منها في نفسها.
يقول الإمام الخامنئي قدس سره: "الهجوم الثقافيّ الأكبر هو أنّهم طوال السنوات المتمادية لقّنوا الذهن... وعقائده أنّنا عاجزون وعلينا أن نتّبع الغرب وأوروبا، وهذا هو الهجوم الثقافيّ، إنّهم لا يدعوننا نثق بقدراتنا".
هذا في الأمور غير المحرّمة، فكيف بالتقليد الذي يتعلّق بالأمور المحرّمة شرعاً والتي تخالف الإسلام وشرعه، بل وتعتبر من الكبائر التي تفقد الإنسان التزامه وتجعله خاسراً لآخرته ومصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾25.
وفي هذا الإطار يجب أن نميّز بين الاستفادة من العلم والتقليد، فالعلم طريدة المؤمن أينما كان، وكما عن علي عليه السلام: "العلم ضالّة المؤمن"26.
هوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مستدرك الوسائل، ج11، ص263.
2- ميزان الحكمة، ج3، ص2006.
3- عيون الحكم والمواعظ، ص21.
4- البقرة: 273.
5- نهج البلاغة، ج4، ص15، الحكمة 68.
6- النور: 60.
7- النور: 33.
8- مستدرك الوسائل، ج7، ص46.
9- ميزان الحكمة، ج1، ص842.
10- عيون الحكم والمواعظ، ص327.
11- عيون الحكم والمواعظ، ص464.
12- الأعراف: 26.
13- بحار الأنوار، ج68، ص272.
14- نهج البلاغة، الحكمة 466.
15- عيون الحكم والمواعظ، ص208.
16- موسوعة أحاديث أهل البيت، الشيخ فادي النجفي، ج7، ص 215.
17- نهج البلاغة، الحكمة 466.
18- الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص552.
19- بحار الأنوار، ج14، ص163.
20- البقرة: 2.
21- وسائل الشيعة "الإسلاميّة"، الحر العاملي، ج1، ص401
22- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج1، ص414.
23- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص127.
24- العصر:1.
25- نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج4، ص5.
26- بحار الأنوار، ج1، ص168.
التعلیقات