بزوغ نور البضعة كوثر محمد(صلى الله عليه وآله)
مجلة الزهراء سلام الله عليها
منذ 8 سنواتواخيراً احست بتعب شديد ينتابها فأغمضت عينيها، فصارت لا ترى شيئاً، الا وهج نور ساطع ألق... فأحست انها وسط شمس تملأ الفضاء الرحيب بنورها.
فكللتها هالة من الانوار غطت بيتها، ثم لم تلبث حتى انتشر في الجو عبق لم تعهده الطبيعة من قبل فاختلط بنقاب تلك الشمس الساطعة.. وحجب نورها الكون، الذي امتلئت اجوازه بفراشات رائعة، وهي تنثر من اجنحتها ورد المياسم وعطر الجنان.
عند ذلك سقط من بين حنايا الام جسم ناعم مضىء ازهر نوره الدنيا.
فلم يبق في شرق الارض وغربها موضع الاّ اشرق فيه ضوءهُ.
.. فتنادت الكريمات نداءاً واحداً:
يالله يالله لهذا النور.. قطعة دُرية انفلق نورها الازهر وسط هذه الدنيا المرتقبة للهدى.
وافصحت سماء الملكوت عن فرحتها فنادت:
يا بشرى
يا بشرى لبنت المصطفى.
فالتفتنّ كريماتُ الجنة حول المولود الازهر، المتقد هيكله بأجمل نور. [اجل] سيدتي، كنت ساجدة على الارض، حينما ولدتك اُمك وانت تسبحين المولى تعالى.
فلقد اُنيرت دنيانا باشراق نوركم الابهر فسميت "بالزهراء".
.. [بلى] سيدتي، فلقد رفعتك الكريمات بأناملهنّ الرقيفة.. وقد علت ملامحهنّ مسحة من نورك البهي الجميل... فبدينّ ابهى واسعد مما كنّ عليه من نور الجنان.
فداعبنها بأبتساماتهنّ... يمسحنّ بأكفهن فوق بدن المولودة الطاهرة؛ ليتبركنّ من نورك سيدتي.
.. فهبط الى الارض من كان يترقب شمسك.
[اجل]، انهنّ الحور العين.. فلقد هبطت افواجهن تحمل معها الفرح والبهش وهنّ يحتضن ابريقاً ذهبياً مصاغاً بأعلى الفردوس، قد ملىء بماء الكوثر، الذي اُهدي حوضه الى رسول الله، فكان لك يوم ولدت، وسيورده شيعتك ومحبيك يوم يردون الورد المورود.
... ثم نزل موكب من الملائكة والحور العين يحملون طستأ هائلاً عظيماً يشع بأنواره البهية.
[اجل] = مولاتي فلقد تناولتك الحور، ووضعتك وسط الطست الذي غطى نورك نوره وتألقه.
ثم صُب الماء على بنت العصمة والطهارة، إن ماءه ابيض كالثلج حينما يلمح تحت اشعة الاصيل.
.. انحدرت ذرات المياه من بدنك الازهر، وكأنه جبل شامخ انحدرت من شاخصاته ينابيع العيون..
اما نورك فهو اشبه شيء بتلك القمة العالية، التي لا تصل لها الايدي ولا ترمقها العيون، وهي تقذف تلك الاشعة المتمثلة بشخصة على كل بقاع الارض.. وهو يتهالك يجلي بأشعته القلوب المحزونة.
.. (بلى): ملأ الطست المرصع بذرات النور الذهبية، فأنبثقت منه شمس جمالك ممتزجة برائحة بدنك الشريف.
.. فرفرفت الملائكة عالياً مبتهجة مسرورة، تنثر زهور البنفسج والقداح على البيت النبوي.
عند ذلك هبطن حور عين اُخريات يحملن لباس المولودة، انه من الجنة من سندس واستبرق.
فتشعشعت انوار تغشى العيون، فانجلت عن ذلك (خرقتين بيضاويتين). بل انهن اشد بياضاً من الدر واطيب ريحاً من المسك والعنبر.
فجففت سيدتي بتلك الاقمشة، وقنعت.
ثم تلقفنك ايادي المباركات مستبشرات فرحات، بما كرمهنّ الله به.. وانطقنها بأذن الله، فنطقت حبيبة رسول رب العالمين:
"اشهد ان لا اله الا الله وان ابي رسول الله، سيد الانبياء وان بعلي سيد الاوصياء، وولدي سادة الاسباط".
ثم سلمت عليهنّ باجمل واكمل وافصح سلام، وسمتهنّ باسمائهنّ..
ففاضت قلوبهم فرحاً وبشراً بولادة الزكية الزهراء.
وظهر في السماء نور لم ترهُ الملائكة من قبل.
[اجل] يا سيدتي فلقد استحال للشاعر الاديب البليغ ان يصف ببيتٍ شعري يرمز به الى جمالك، الذي هو اشبه شيء بجمال نبي الرسالة، وهو يرتل كلمات القرآن.
.. وانى له أن يصف سيدة العرفان والرفعة في هذا الوجود .
.. فهو لمنسجم وحروف الفرقان، التي رتلتها محبوبة خديجة ومحمد(صلى الله عليه وآله).
.. ثم دفعنها الى حجر العفة، بعد أن وضعنها في مهدٍ من نور، واقبلهنّ يتضاحكن قائلات:
[خذيها انها طاهرة مطهرة زكية بورك فيها وفي نسلها].
.. وها هي خديجة تملئها سعادة كبرى، وهي تلقم ريحانتها لبنها الطاهر، فيدر في فم الجمال.
فقد تغير كل شيء اليوم.
فها هو عطر الزهور يجتاح الوجود، ارضاً وسماءاً.
وها هي الكواكب تدور حول فلك تلك الشمس المضيئة.. فغردت البلابل.
وجرى الماء الرقراق نحو بيادره الضمأى، فألتمعت السواقي التماعاً، وكأنها لجين ناصع.
ثم تعالت شجرة الحور كعروس جميلة يلاعب النسيم اثوابها.
وهزت شجرة الصفصاف أغصانها القوية ابتهاجاً؛ لترافق ذلك العبق الفواح، الذي يتصاعد من بين حنايا الزهراء.. لتبعث به نحو السواحل حيث الامواج تحمله معها، الى البحار والمحيطات لتبشر بمولد الخير والرحمة مولد فاطمة عبق الرسالة.
.. فتصغى لذلك النداء ولتلك البشرى الحيتان والاسماك، التي راحت تطفو على الماء فرحة بشوشة.
ومن هناك، ومن بعيد تشمر الغزلان والريم الجميلة عن ساقيها الرشيقين نحو الرياض والسفوح المكتظة بالحسار الخضراء اليانعة.. انها اليوم لا تخاف الوحوش.
ووئيداً وئيداً ترسل زهرة الاقاح البيضاء عبقها المتهاوي من على المروج والوديان، وشاركتها وردة الياس ليبعثا بعطريهما لبنت سيد الورى، تبريكاً لها مولدها الخير.
.. فصار الطقس جميلاً رقيقاً.. وشمس الربيع ساطعة، والمطر رذاذ ينعش القلوب.
ان التاريخ لن ينسى هذا اليوم، وتلكم الساعات انه عاهد ان لا يسجلها، إلا بأحرف من نور مصقولة بالذهب.
التعلیقات