يوم العالمي للمتاحف | دور المتاحف في الثقافة الإسلامية
السيد حسين الهاشمي
منذ 3 أسابيعأحد المناسبات الموجودة في شهر مايو هي يوم المتاحف العالمي. فلهذه المناسبة، في الثامن عشر من شهر مايو ،الموافق الثامن والعشرين من شهر أيار، يحتفل العالم باليوم العالمي للمتاحف. هذه المناسبة ليست مجرد احتفال سنوي، بل هي فرصة ثمينة لإعادة النظر في دور المتاحف كمؤسسات تحفظ الذاكرة الجماعية للإنسانية، وتعرض جوانب مختلفة من تاريخنا وثقافتنا.
أصل كلمة متحف
كلمة متحف مشتقة من الكلمة اليونانية (Mouseion)، والتي تعني مكان آلهات الإلهام والعلم. يعكس هذا الأصل الأهمية التاريخية للمتاحف كمراكز للمعرفة والفنون، حيث تعتبر أماكن مقدسة مخصصة للفنون والعلوم وهي المكان المختص للزائرين والمشاهدين حتى يتعلموا من مخترعات السابقين وأقوالهم وأفعالهم ويسعوا في خلق مجتمع أفضل وأكثر تطورا بواسطة التعلم من تجارب الأقوام والأجيال السابقة.
فرصة لإعادة قرءة الذاكرة التاريخية
تلعب المتاحف دورًا حاسمًا في حفظ الذاكرة التاريخية للبشر. فإنّ المتاحف من خلال عرض التحف والوثائق التاريخية، تساعد الزوار على فهم الماضي والتواصل معه. إنها توفر لنا لمحة عن حياة أسلافنا والأقوام السابقة وعاقبتهم، وتساعدنا على فهم التحديات التي واجهوها والانتصارات التي حققوها والأعمال الحسنة والسيئة والأغلاط التي فعلوها. بالإضافة إلى ذلك، تعمل المتاحف كمنصات للحوار والتفكير النقدي. إنها تشجع الزوار على التفكير في القضايا التاريخية والمعاصرة، وتساعدهم على تطوير فهم أعمق للعالم من حولهم.
أهمية المتاحف
المتاحف اليوم، هي أكثر من مجرد أماكن لعرض التحف والآثار. إنها مؤسسات تعليمية وثقافية تسعى إلى تعليم الناس وتثقيفهم. فيجب على الزائرين للمتاحف أن يتأملوا ويتفكروا في الأشياء والكلمات الموجودة في المتاحف. فإن المتاحف ذو أهمية كثيرة ويمكننا أن نذكر بعض النقاط المهمة في المتاحف.
جمع وحفظ وصيانة القطع الأثرية والتاريخية والفنية التي تمثل جزءًا من تراثنا الثقافي هي أحد أهم الأمور التي تجعل المتاحف أماكن مهمة لنا. فإن المجتمع إذا أصبحت بلا ثقافة فهي مجتمع منحط ونازل. وأيضا من الامور التي تجعل وجود المتاحف مهما هي عرض التاريخ. فإن تقديم التاريخ بطريقة شيقة وتفاعلية، مما يساعد الزوار على فهم الأحداث والشخصيات التي شكلت عالمنا من الضروريات في تثقيف المجتمع وخلق حظارة ذات جودة عالية. وأيضا يمكن أن تكون المتاحف أماكنا لتعزيز التعليم بواسطة توفير برامج تعليمية وورش عمل للطلاب والجمهور، تهدف إلى زيادة الوعي بالتاريخ والفن والثقافة. وهذا يسبب في تشجيع الطلاب والجمهور والزائرين بالبحث والعمل الجاد. إلى جانب كلّ هذه الأمور، نرى أن للمتاحف دور عظيم في تقوية السياحة. فإنها تساعد في جذب السياح من جميع أنحاء العالم، مما يساهم في التنمية الاقتصادية للمجتمعات المحلية.
الصلة الواعية بين المؤمن وماضيه
قد يجد الإنسان نفسه في زحمة الحياة المعاصرة، منجرفًا نحو المستقبل، متناسيًا جذوره وتراثه. إلا أن المؤمن الحقيقي يدرك أن الماضي ليس مجرد سلسلة من الأحداث المنقضية، بل هو الأساس الذي يقوم عليه الحاضر، والمصدر الذي يستمد منه الإلهام والقوة للمستقبل. فما هي الأسباب التي تجعل الصلة الواعية بالماضي ضرورة لكل مؤمن؟
الماضي مرآة الذات
إن التاريخ هو مرآة تعكس صورة الذات بكل أبعادها. فإننا نستكشف نقاط قوتنا وضعفنا من خلال استكشاف تاريخنا الشخصي وتاريخ أجدادنا، ونفهم كيف تشكلت شخصياتنا وقيمنا. هذه المعرفة الذاتية تساعدنا على اتخاذ قرارات أفضل في الحاضر، وتجنب تكرار الأخطاء التي ارتكبها أسلافنا.
الماضي منبع الحكمة
التاريخ مليء بالحكمة والتجارب التي يمكن أن تفيدنا في حياتنا اليومية. من خلال دراسة التاريخ، نتعلم كيف تعامل الناس مع التحديات والمصاعب، وكيف تغلبوا عليها. هذه الدروس المستفادة تساعدنا على مواجهة التحديات التي تواجهنا اليوم، وإيجاد حلول مبتكرة للمشاكل التي تعترض طريقنا.
التاريخ هوية وانتماء
إن الماضي هو الذي يمنحنا هويتنا وانتماءنا. فنحن وجميع الناس نشعر بالفخر والاعتزاز بجذورنا من خلال معرفة تاريخنا وثقافتنا، وننتمي إلى مجتمع أكبر منا. هذا الشعور بالانتماء يعزز ثقتنا بأنفسنا، ويساعدنا على التواصل مع الآخرين من خلفيات مختلفة.
التاريخ إلهام ومسؤولية
التاريخ يمكن أن يكون مصدر إلهام وإبداع للمؤمن. فحينما نستكشف الفنون والآداب والرسوم التي أنتجها أسلافنا، نكتشف كنوزًا دفينة من الجمال والإبداع. هذه الاكتشافات يمكن أن تلهمنا لإنتاج أعمال فنية وأدبية جديدة، أو لإيجاد طرق مبتكرة للتعبير عن إيماننا. وفي نفس الوقت، إن التاريخ مسؤولية لنا. فإنه يفرض علينا مسؤولية ووفاء تجاه أسلافنا. من خلال الحفاظ على تراثهم وثقافتهم، نكرم ذكراهم ونضمن أن تظل إنجازاتهم حية في ذاكرة الأجيال القادمة. هذا الوفاء تجاه الماضي يعزز قيمنا الأخلاقية، ويساعدنا على بناء مجتمع أفضل.
المتاحف والتاريخ في القرآن الكريم
عندما نراجع الآيات الشريفة في القرآن الكريم، نرى أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر آيات متعددة حول التاريخ والتعلم من عاقبة الأقوام السابقة وأفعالهم وتصرفاتهم وما تسببوا فيه من هلاك وإحراج لأنفسهم نتيجة عدم العمل حسب الموازين الأخلاقية والإلهية والإنسانية. وهنا يأتي دور المتاحف في تعليم هذه الأمور المهمة.
فعندما نراجع القرآن الكريم نرى أنه ذكر 14 آية في هذا الكتاب العظيم يذكر فيها السير في الآفاق والأماكن المختلفة والعبرة والنظر في عاقبة القرون الماضية والأقوام والأجيال السابقة. فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ (1). ويقول في آية أخرى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ (2). وأيضا نرى أن الله سبحانه وتعالى يعاتبنا على عدم التفكر والنظر في عاقبة الأقوام السابقة ويقول:﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ (3).
وأيضا يوجد آيات كثيرة يحكي فيها الله سبحانه وتعالى حكايات عن الأنبياء السابقة وكيفية معاملة الناس مع الآخرين وعاقبة الذين لم يتبعوا الرسل. فراجعوا سورة القصص والأنبياء ويوسف والكهف. فهذه السور مليئة بحكايات الأقوام السابقة. والغرض من ذكر هذه الحكايات ليس مجرد تسلية بل التعلم والعبرة منها. لأنه يقول الله سبحانه وتعالى في غير مرة: ﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ﴾ (4)، و ﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ (5).
الروايات حول التاريخ ومتاحف
هناك تذكرات عظيمة حول التاريخ وعاقبة الأمم السابقة والعبرة منها. وهذا هو المتوقع من أهل البيت عليهم السلام. لأنهم تراجمة وحي الله ولايدعون هذا الموضوع الأساسي ودروه في عاقبة المؤمنين بل وجميع البشرية. فقد ورد في وصية أميرالمؤمنين عليه السلام إلى إبنه الإمام المجتبى عليه السلام:« أَيْ بُنَيَّ إِنِّي وإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ وفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِه ونَفْعَه مِنْ ضَرَرِه » (6).
وهذه الرواية تدلّ على أهمية التاريخ والعبرة منه فإن الإمام المعصوم عليه السلام يقول هذا عن نفسه لأن نعتبر نحن من كلامه. هو عليه السلام قال: « مَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ ومَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ ومَنْ فَهِمَ عَلِمَ» (7).
وأيضا يقول أميرالمؤمنين عليه السلام في العمل حسب ما عرفت من التاريخ: « اسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ فَإِنَّ الأُمُورَ أَشْبَاه ـ ولَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ لَا تَنْفَعُه الْعِظَةُ إِلَّا إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلَامِه فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالآدَابِ والْبَهَائِمَ لَا تَتَّعِظُ إِلَّا بِالضَّرْبِ» (8).
أحد أهم العبر التي يمكننا أن نتأمل فيها حين نزور المتاحف هي عاقبة الظالمين والمستكبرين. فأين ذهب فرعون وأعوانه، وأين نمرود وأمراؤه؟ وفي هذا السياق يقول أميرالمؤمنين عليه السلام: « فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ الأُمَمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّه وصَوْلَاتِه ووَقَائِعِه ومَثُلَاتِه واتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ ومَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ واسْتَعِيذُوا بِاللَّه مِنْ لَوَاقِحِ الْكِبْرِ» (9).
وأحد أهم المواضع التي يمكننا العبرة منها هي المتاحف. فإن آثار الأمم السابقة وكتبهم موجودة فيها.
النتيجة
النتيجة أن المتاحف ليست مجرد مكان للأشياء والآثار القديمة بل هي مكان لإيقاظ القلوب من نوم الغفلة. ويمكننا أن نتصل بين الإيمان والعقل والقلب والتاريخ بواسطة المتاحف. لأجل هذا ندعوكم بأن تزوروا المتاحف زيارة واعية.
وفي الأخير سؤال موجه إليكم: إذا أردتم أن تشرحوا لابنكم قطعة أثرية واحدة فقط، فما هي القطعة التي ستختارونها ولماذا؟
أجيبونا في التعليقات حتى نستفيد من تجاربكم.
1) سورة الأنعام / الآية: 11.
2) سورة يوسف / الآية: 109.
3) سورة الروم / الآية: 9.
4) سورة النازعات / الآية: 26.
5) سورة آل عمران / الآية: 13.
6) نهج البلاغة (للسيد الشريف الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 393 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
7) نهج البلاغة (للسيد الشريف الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 506 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
8) نهج البلاغة (للسيد الشريف الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 404 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
9) نهج البلاغة (للسيد الشريف الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 290 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
التعلیقات