مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (١)
السيّد سعيد كاظم العذاري
منذ 11 سنة
أولاً : المراحل الوقائية :
ويتم العمل بها ابتداءً ، بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام ، أو دعوة المسلمين إلى التمسك بما آمنوا به من مفاهيم وقيم ، ومن خلالها يتم
تقرير مبادئ الإسلام في واقع الحياة بصورة عملية منظورة ومحسوسة عن طريق
:١ ـ تفنيد أُسس المفاهيم والعقائد الجاهلية : إنّ غريزة التديّن من الغرائز المشتركة بين جميع الاجناس البشرية ، وان الاهتمام بمعنى الإله وبما فوق الطبيعة هو (احدى النزعات العالمية الخالدة للانسانية)
وتختلف مظاهر هذا التدين من انسان إلى آخر ومن مجتمع لآخر. ومن يؤمن بالخالق بالكيفية التي ورثها أو اقتبسها ، فإنّه يشعر بالانتماء ، فيكون عقله وقلبه مشدودين لهذا الإيمان وان كان خاطئا ، ولهذا يصعب ابعاده عن إيمانه في الوهلة الاُولى ، وهو بحاجة إلى تفنيد تصوراته الخاطئة ، ومتبنياته العقائدية الواهية ، عن طريق الأدلة والبراهين والحجج، وتبيان نقاط الضعف في الاُسس التي تقوم عليها ، عن طريق اللفتات والاضاءات والاثارات التي تخاطب العقل لتوقظه.
وقد كانت سيرة الانبياء والمرسلين والأئمة والصالحين قائمة على أساس تفنيد أُسس المفاهيم والعقائد الباطلة ، كالشرك باللّه تعالى ، والإيمان بالاوهام والخرافات ، وبالوجودات الوهمية المتحكمة في الكون. فإذا ثبت بطلانها، فإنّ الإنسان سيتخلّى عنها ان كان طالبا للحقيقة.
٢ ـ الحيلولة بين الناس ومعتقداتهم الباطلة : الاستئناس بالمعتقدات أمر طبيعي في داخل الشخصية الإنسانية ، حتى إنّ عواطف الإنسان وأحاسيسه كلّها تدور حول محور تلك المعتقدات التي يتبناها ؛ وبذلك يتم الاستقرار داخل النفس بوحدة الافكار والعواطف والممارسات.
وتزداد الاُلفة والاُنس بمرور الوقت ، وخصوصا إذا أصبح الأمر جزءا من التراث ومن معتقدات الاسلاف.
قال تعالى : « وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أنزَلَ اللّه قَالُوا بَل نَتَّبِعُ مَا ألفَينَا عَليهِ آباءَنَا ... »
وتزداد كلّما كان المتبني لها من الشخصيات المؤثرة في نفوس الناس ، كالرؤساء والقادة والأبطال ، وتزداد أيضا كلّما وجد الإنسان أنّ جمهورا غفيرا من الناس يتبنى نفس معتقداته تأثرا بالعقل الجمعي.
وإذا اطبق الاُنس على عاطفته ، فإنّه سيغلق منافذ الهداية ، وفي هذه الحالة فان المرحلة الثانية لا بدّ أن تنحصر بكسر هذا الاُنس ، وتحطيم الأواصر المألوفة بين الإنسان ومعتقداته الباطلة.
ويتم كسر الاُلفة والاُنس عن طريق استخدام وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ التي تقدّمت ـ والعمل على ابعاد الإنسان عن المحيط الذي ألفه ، بإحاطته بمجموعة من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، ليتأثر بما يسمى بالعقل الجمعي المحيط به.
فإذا آمن بخطأ معتقداته السابقة، فإنّ كسر الاُلفة والاُنس بها سيكون أسهل.
٣ ـ تحطيم الحواجز النفسية بين الناس والعقيدة الإسلامية : حينما يؤمن الإنسان بعقيدة جاهلية أو منحرفة ويأنس إليها ويألفها ، فإنّ ذلك يؤدي إلى أن تشكّل هذه العقيدة حاجزا نفسيا بينه وبين غيرها ، وهو أمر طبيعي ، خاصة إذا كانت تحقق رغباته وشهواته.
فعلى المكلّف بتحمّل مسؤولية الهداية أن يحطّم هذه الحواجز النفسية عن طريق التدرج في الحجّة والبرهان ، والتدرج في التلقين ، وزرع الايمان في قلب ذلك الإنسان الذي يُراد هدايته ، عن طريق الشواهد الحسيّة ، ثم تبيان مظاهر التوحيد ، وتحريك العقل للايمان بانّ لطف اللّه تعالى يتجسد ببعثة الأنبياء ؛ ليؤمن بالنبي الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إيمانا حقيقيا من حيث العصمة والتسديد الالهي ، ثم يتم التدرج في اقناعه بضرورة الإمامة في كلِّ زمان ، مصحوبا كل ذلك بتركيز البعث والنشور والايمان باليوم الآخر ، وبالتدريج تتحطّم الحواجز النفسية بينه وبين العقيدة الإسلامية ، فيتقبل ما يقال له باسلوب شيّق وجذّاب.
وخير أُسلوب على هذا التحطيم هو أُسلوب الترغيب والترهيب بالجنّة والنار ، وبابراز نماذج من الشخصيات التي سعدت واستقرت نفسيا ؛ لايمانها باللّه تعالى وبالعقيدة الإسلامية.
٤ ـ إبعاد الناس عن السلوك الجاهلي : السلوك تتحكم به الافكار والعواطف ، فإذا آمن الإنسان بخطأ أفكاره ومعتقداته ، وانكسرت الاُلفة معها ، وتحطّمت الحواجز النفسية بينه وبين العقيدة السليمة ، عندها يسهل إبعاده عن السلوك الجاهلي ؛ لأنّه سيتّبع ما تمليه عليه عقيدته الجديدة وعواطفه اتجاهها. وقد حفلت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بالاوامر والنواهي الهادية للإنسان في سلوكه وممارساته العملية ، فقد بيّنت الآثار السلبية للسلوك الجاهلي كالكذب والغيبة والبهتان والتنابز بالالقاب ، وبيّنت مضار الخمر والزنا ، ومضار التقاطع والتدابر ، ثم زرعت الخوف من العقاب الالهي في الدنيا والآخرة في نفوس الناس ، وقصّت عليهم قصص الغابرين الذين تعرضوا له.
وأبرز القرآن الكريم والاحاديث الشريفة نماذج من الشخصيات التي يمكن الاقتداء بها في السلوك والخُلق الرفيع.
وينبغي على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ان يوجّه الناس طبقا للارشادات والتعاليم القرآنية ، وتعاليم رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام ، وان يوضّح لهم آثار الانحراف السلوكي على الفرد والمجتمع الذي يبتعد عن الإسلام ، حيث الامراض البدنية والروحية ، من اضطراب وبلبلة وفقدان الاستقرار والاطمئنان والسعادة ، وخصوصا في البلدان الغربية.
وإذا عرف الانسان مضرة السلوك الجاهلي ، وابتعد عنه فإنّه سيتوجه إلى الالتزام بالسلوك الاسلامي.
قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام : « من لم يعرف مضرّة الشر لم يقدر على الامتناع عنه »
« لن تتحقق الخير حتى تتبرأ من الشر »
« من ترك الشر فتحت عليه أبواب الخير »
« للعادة على كلِّ انسان سلطان »
« غيّروا العادات تسهل عليكم الطاعات »
« لن تهتدي إلى المعروف حتى تضلّ عن المنكر »
٥ ـ تمرين الناس على السلوك الإسلامي : السلوك الإسلامي يستدعي التحرر من ضغط الشهوات ، وثقلة المطامع ، وتهذيب العواطف والانفعالات ، والابتعاد عن المثيرات والمغريات الخارجية التي تدعو إلى اشباع الشهوات والمطامع باسلوب غير مشروع.
وهذه بدورها تحتاج إلى تمرين متدرج ، ورياضة متسلسلة ؛ لكي يكون السلوك الإسلامي جزءا من شخصية الإنسان ، ويتحقق ذلك عن طريق الدعوة لامتثال التكاليف كالصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر والداعية إلى السلوك الصالح ، والصوم الذي يهذب الغريزة ، والزكاة التي تزرع في القلب روح الايثار وحب الانفاق وهكذا في بقية التكاليف ، والتي هي تكاليف هينة يسيرة ، ثم التدرج لتحمّل التكاليف الأكبر للوصول إلى السمو والكمال السلوكي.
وينبغي ربط الإنسان بالشخصيات التي جعلها اللّه تعالى موضع قدوة ، وتبيان مظاهر سلوكها وخُلقها.
والتركيز على الآثار الايجابية للسلوك الرفيع في دار الدنيا والآخرة ، وما يحصل جراؤه من ثواب ورضوان من اللّه تعالى.
الاجواء المساعدة في المرحلة الوقائية :
إذا ترك الإنسان لوحده فإنّه قد تهجم عليه الشكوك ، وتنتابه الهواجس ، وتطغى عليه الغرائز ، وتثيره المغريات ، فهو بحاجة إلى أجواء فكرية وسلوكية تساعده على اصلاح وتغيير أفكاره وعواطفه وممارساته ، ومن هذه الأجواء :
١ ـ حلقات الذكر : هنالك تجمعات يذكر فيها اسم اللّه تعالى ، وتسودها اجواء الإيمان والتقوى ، فينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يشجِّع الآخرين على حضورها ، أو يصطحبهم معه إليها.
قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « بادروا إلى رياض الجنة » ، قالوا : وما رياض الجنة ، قال : « حلق الذكر
وتتنوع حلقات الذكر بتنوع الظروف ، كمجالس العلماء الاتقياء ، ومجالس الصالحين ، وجلسات الدرس ، وجلسات حفظ القرآن وتلاوته ، والجلسات الدوّارة التي تنعقد في بيوت مختلفة.
ومنها مجالس العزاء على الإمام الحسين عليهالسلام ، ويلحق بها الاحتفالات والمهرجانات التي تقام على مدار السنة في الاعياد ومناسبات ولادة رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام ، ويوم المبعث ، ويوم الغدير وغير ذلك.
٢ ـ ارتياد المساجد : المسجد من أهم الأجواء الايمانية التي لها دور كبير في اصلاح الإنسان وتغييره.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « من اختلف إلى المسجد أصاب احدى الثمان : أخا مستفادا في اللّه ، أو علما مستطرفا ، أو آية محكمة ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة تردّه عن ردى ، أو يسمع كلمة تدله على هدى ، أو يترك ذنبا خشية أو حياء »
٣ ـ زيارة قبور الأنبياء والأئمة عليهمالسلام والصالحين : لزيارة قبور الأنبياء والأولياء المعصومين وعباد اللّه الصالحين تأثير واضح محسوس على الإنسان ، حيث يرتبط من خلالها بأرقى الشخصيات الإسلامية ، ويندفع للاقتداء بها في أفكارها وعواطفها وسلوكها ، ويستمد منها روح السمو والارتقاء ، ويعاهدها على التقيّد بسيرتها.
وقد وردت أحاديث عديدة في الحث على زيارة قبور الأئمة الأطهار وأولياء اللّه الأخيار والصالحين من عباده وأفضل من الزيارة الفردية القيام بزيارات جماعية من قبل المؤمنين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر إلى تلك الأماكن المتبركة ، فإنّ لها وقعا أشدّ ، وتأثيرا أكبر على الإنسان المراد إصلاحه ؛ لأنّه سيتأثر حيئنذ بهذا الجمع المؤمن المتجه إلى اللّه تعالى بالدعاء وبالتوسل بأوليائه الصالحين.
٤ ـ الجليس الصالح : من وصية رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبي ذر الغفاري قال : « الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من جليس السوء ، واملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من املاء الشر »
ويلحق بهذه الاجواء المشاركة في السفرات الجماعية ، والحضور في المكتبات الإسلامية العامّة وأمثال ذلك.
التعلیقات