ما هي الضوابط الشرعية لعمل السيدات؟
موقع البوابة الجامعة لأهل البیت(ع)
منذ 8 سنواتفي البداية لابد من الإجابة عن سؤالٍ مفاده: هل أن الإسلام أجاز العمل و النشاط الاقتصادي للرجال فقط، و أخرج المرأة
بشكل كلي من هذا الميدان؟ و بدون شك فإن الجواب هو النفي، و نشير إلى مثالين للأدلة على ذلك:
الأول أن للنساء حق التملك و التسلط على أموالهن؛ يقول تعالى في القرآن الكريم «للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن».
الثاني: لم يقتصر الإسلام على تجويز العمل و النشاط الاقتصادي للرجل و المرأة و حسب و إنما رغب كليهما بالعمل و حببه إليهما.
و مع أن الإسلام حث كلاً من الرجل و المرأة على الكسب و العمل و أن كلاً منهما يملك مما يكسبه من عمله، و لكنه وضع في هذا الميدان و كغيره من الميادين بعض الضوابط و الأطر. بعض هذه الضوابط يتعلق بدائرة و طبيعة العمل الاقتصادي في مجالي الإنتاج و التوزيع. و البعض الآخر يتعلق بعلاقات المسلمين مع بعضهم البعض و مع الآخرين.
أما بالنسبة إلى القسم الأول من الضوابط فلا يوجد أي اختلاف فيها بين الرجل و المرأة، فإذا كان الربا حراماً و التجارة مباحة فذلك مقررٌ لكلا الجنسين، و أما بالنسبة إلى القسم الثاني فإن خصوصيات الرجل و المرأة لها تأثير على الأحكام الجزئية.
إن الله تعالى جعل من الرجل قيماً على شؤون الأسرة. و من الطبيعي أن معنى قوامة الرجل على المرأة لا تعني أن إرادة المرأة و تصرفاتها فيما تملك من ذلك مصادرة و غير نافذة، كما لا يعني عدم استقلالية المرأة في حفظ حقوقها الفردية و الاجتماعية و الدفاع عنها بما تملك من مقدمات.
فرئاسة الرجل في الأسرة إذن لا تعني التفوق و التفضيل و إنما يكون الرجل مسؤولاً عن حفظ مصالح الأسرة، و أداء تكاليفه إزاء الأسرة و صيانة حرماتها.
و قد يتفق في بعض الأحيان أن الإنسان لا يتمكن من أداء الوظيفتين معاً، و عليه يكون مضطراً للتضحية بإحداهما لأجل الأخرى حيث يضحي بالمهم من أجل الأهم و ذلك ما يسمى «بالتزاحم» و العقل يحكم في مثل هذه الحالة بترك المهم لأجل الأهم. و إن تشخيص مثل هذه الأمور بعهدة راعي الأسرة و مدير شؤونها و هو الزوج. أي أنه هو الذي يشخص ما إذا كان عمل زوجته خارج البيت يعود بالنفع على الأسرة و مصالحها المشتركة أم لا، و هل يقع التزاحم حال خروجها للعمل؟ و أي الخيارين يكتسب أهمية أكبر الخروج أم البقاء؟ فالزوج هو الذي له حق منع زوجته من العمل بسبب تزاحم عملها في الخارج مع وظيفتها في البيت بما في ذلك حق زوجها و تربية أبنائها.
و بلحاظ ما تقدم يمكن القول: أن المادة ۱۱۰۵ من القانون المدني تقول: «فيما يخص العلاقة بين الزوجين فإن قيادة الأسرة من مختصات الزوج» و هذا ما يتفق مع أسس الإسلام، و كذلك المادة ۱۱۷ التي تقول «إن للرجل أن يمنع زوجته من عمل أو حرفة تتنافى مع مصالح الأسرة أو مع حيثياتها كإمراة» و هذه المادة تمثل مظهراً من مظاهر رياسة الرجل و قيمومته.
مفصل:
في البداية لابد من الإجابة عن سؤالٍ مفاده: هل أن الإسلام أجاز العمل و النشاط الاقتصادي للرجال فقط، و أخرج المرأة بشكل كلي من هذا الميدان؟. و بدون شك فإن الجواب هو النفي، لأنه لا يقتصر الأمر على عدم وجود دليل على مثل هذا المنع في الإسلام فحسب، بل من الممكن أن نورد عدة شواهد على خلاف ذلك، و نشير هنا إلى نموذجين من هذه الشواهد:
۱ـ ملكية المرأة لأموالها.
يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾.[۱] و هذا بيان و كلام صريح لا يدل على إثبات حق الملكية للمرأة و حسب و الذي منعته بعض القوانين الغربية حتى القرون الأخيرة.[٢] و إنما يثبت للمرأة حق العمل أسوة بالرجل. لأن الآية الكريمة تفرض حلية حق الاكتساب للمرأة، ثم رتبت على ذلك ملكية المرأة لما تحصل عليه من عملها.
٢ـ تشجيع الرجال و النساء على العمل.
لم يقتصر الإسلام على تجويز العمل و الفعاليات الاقتصادية للرجل و المرأة و حسب، و إنما دعا كلاً منهما إلى الجد و العمل و حبب إليهما النشاط في الميدان الاقتصادي.
و من أمثلة تشجيع الرجل و المرأة على العمل ما ورد في القرآن الكريم من الآيات التي تحث الناس على العمل و الفعالية في ميدان الكسب[۳] و تدعوهم إلى ذلك[۴] أو الآيات التي تدعو إلى إعمار الأرض و إحيائها.[۵]
و في جميع هذه الموارد لم يرد خطاب يختص بالرجال دون النساء، بل يوجه الخطاب إلى عموم المسلمين أو إلى الناس جميعاً، حيث تدعوهم إلى طلب فضل الله و السعي في تحصيل الرزق، و مما لا شك فيه أن العمل أهم طريق لتحصيل المال و قد أولاه الإسلام اهتماماً خاصاً، فإذا دُعي الرجل و المرأة إلى النشاط في ميدان الاقتصاد و الكسب، و إذا كان العمل من أبرز الطرق إلى تحصيل ذلك، فمن الممكن القول: إن العمل جائز للمرأة كما أنه جائز للرجل على حد سواء.
ضوابط العمل
و مع أن الإسلام حث كلاً من الرجل و المرأة على الكسب و العمل و أن كلاً منهما يملك مما يكسبه من عمله، و لكنه وضع في هذا الميدان و كغيره من الميادين بعض الضوابط و الأطر. بعض هذه الضوابط يتعلق بدائرة و طبيعة العمل الاقتصادي في مجالي الإنتاج و التوزيع. و البعض الآخر يتعلق بعلاقات المسلمين مع بعضهم البعض و مع الآخرين.
أما بالنسبة إلى القسم الأول من الضوابط فلا يوجد أي اختلاف فيها بين الرجل و المرأة، فإذا كان الربا حراما و التجارة مباحة فذلك مقررٌ لكلا الجنسين، و لكن في القسم الثاني تؤخذ خصوصيات الرجل و المرأة بنظر الاعتبار لما لها من تأثير على الأحكام الجزئية، مع أن كلا الجنسين يشتركان في الأحكام الكلية أيضاً. فالعفاف واجبٌ على كليهما مع أن مصداق العفاف بالنسبة إلى المرأة في الحجاب، في حين لا علاقة لهذا الأمر بالرجال. و كذلك بالنسبة إلى الأحكام الأخلاقية الأخرى كالنظر مثلاً. أي أن النظر بشهوة إلى غير الزوج حرام لكليهما و النظر دون شهوة جائز لكلٍ منهما، و لكن يوجد اختلاف في جواز النظر بلا شهوة بين الرجل و المرأة.
و في هذا الإطار فإن بعض الضوابط تختص بالأفراد المتزوجين و الذين يعطون لنسائهم بعض الحقوق باختيارهم. و إن الرجل و المرأة في حالة تعادل دقيق بالنسبة لما لهم و ما عليهم من الحقوق و الواجبات.
حقوق الرجل على المرأة:
الأسرة حضن دافئ يستطيع الرجل و المرأة أن يحصلا فيه على الهدوء، و الطمأنينة الواقعية و الأمن الروحي، يقول تعالى في ذلك: ﴿وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.[۶]
هذه هي النواة الأولى للمجتمع البشري، و هي لا تختلف عن أي تجمع آخر لا تستطيع أن تديم حياةً سليمة إلا من خلال نظام خاص و هذا الأمر لا يمكن أن يؤمن إلا في إطار معرفة الحقوق و الواجبات لأفراد المجتمع، الذي يتشكل من المرأة و الرجل.
و من جهة أخرى ففي كل مجتمع تظهر أحياناً اختلافات و وجهات نظر، و في مثل هذه الحالة إذا وجد شخص أكثر دقة في اتخاذ القرار و أقرب إلى الصحة من غيره فإنه يعطى مسؤولية قيادة المجموعة، و يلتزم الجميع بطاعته و امتثال أوامره، و بذلك تحل المشاكل. إن بعض المسؤوليات لدى مجموعة تفرض على فرد خاص تحملها و القيام بأعبائها. و مثل هذا الشخص لا بد و أن يتمتع بصلاحيات خاصة ليؤدي ما يتحمل من مسؤوليات.
و بالتوجه إلى كل ما تقدم فإن الله تعالى اختار الرجل لرئاسة الأسرة. ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَ بِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾.[۷]
و في هذه الآية نجد أن قوامة الرجال على النساء حكمٌ إلهي يستند إلى حكمة الله[۸]. و كذلك فإن مسؤولية الأسرة من الناحية المادية تقع على عهدة الرجل، فإذا كان للرجال رئاسة الأسرة فإن مسؤولية إدارتها و تأمين احتياجاتها تقع على عاتقهم أيضاً.
و إن الرئاسة لا معنى لها دون إطاعة، و إن الآية الشريفة تعتبر المرأة الصالحة تلك التي تطيع زوجها و الحافظة لسره و غيبه كما أن الله حافظ للضيف.
يقول العلامة الطباطبائي في هذه الآية: «قيمومة الرجل لزوجته ليست بأن لا نفوذ للمرأة في ما تملكه من إرادة و لا تصرف و لا أن تستقل المرأة في حفظ حقوقها الفردية و الاجتماعية و الدفاع عنها و التوسل إليها بالمقدمات الموصلة إليها بل معناها ... أن عليها ان تطاوعه و تطيعه في كل ما يرتبط بالاستمتاع و المباشرة عند الحضور و أن تحفظه في الغيب فلا تخونه عند غيبته بأن توطئ فراشه غيره، و أن تمنع غيره من نفسها ما ليس لغير الزوج التمتع منها بذلك و لا تخونه فيما وضعه تحت يدها من المال و سلطها عليه في ظرف الازدواج و الاشتراك في الحياة المنزلية».[۹]
إذن فرأيه أن الأزواج لهم حقٌ على زوجاتهم في حدود الدائرة الجنسية فقط، و لم تكن رئاستهم لنسائهم مانعة من استفادة النساء من حقوقهن الفردية و الاجتماعية، و لا تسلبهن الاستقلال في الدفاع عن حقوقهن و الحفاظ عليها، و لا تنافي حريتهن في التصرف بأموالهن و ممتلكاتهن.
و في موضع آخر يعتبر الطباطبائي سيرة النبي شاهداً على تفسيره للآية حيث لم يمنع النساء آنذاك من أي حق فردي أو اجتماعي و كان لهن الحق في ممارسات نشاطاتهن الاجتماعية بما في ذلك الاقتصادية و الثقافية.[۱۰]
إن رئاسة الرجل على المرأة لا تعني سلب المرأة إرادتها و منعها من التصرف فيما تملك. و لا نعني أيضاً عدم استقلالية المرأة في حفظ حقوقها و الدفاع عنها بما لديها من مقدمات.
فرئاسة الرجل في الأسرة لا تعني الأفضلية و التسلط إذن، و إنما يكون الرجل مسؤولاً عن حفظ مصالح الأسرة، و القيام بواجباتها و الدفاع عن حريمها، و قد علل الباري تعالى هذه الرئاسة بأمرين اثنين:
۱ـ فضَّل الله به بعضهم على بعض. [۱۱]،[۱٢]
٢ـ وجوب النفقة على الرجال.[۱۳] أي أن نوع الرجال و ليس أفرادهم فرداً فرداً ـ له نوع أفضلية على النساء، و ذلك يفرض إعطاء الرئاسة إلى الرجل.
و من جهة أخرى فإن مسؤولية الأسرة المالية الثقيلة ملقاة على كاهل الرجل، و هذا عامل آخر من عوامل إعطاء مقاليد قيادة الأسرة إلى الرجل.
و لابد من التوجه إلى أن المرأة غير معنية بأي شكل من الأشكال و على أي مستوى من المستويات فيما يخص تكاليف الأسرة و مسؤولياتها المادية. على الرغم من كون مشاركتها في ذلك محمودة على المستوى الأخلاقي.
و من جهة أخرى فإن العبارة «بما أنفقوا من أموالهم» غير ناظرة إلى الواقع الخارجي، و إنما ناظرة إلى اعتبارات الشارع و قانون الشرع. و لا يعني ذلك أن الرجل مكلف بالإنفاق و تأمين الوضع المادي للأسرة فله رئاستها و إدارة شؤونها، و إذا ما تغير الوضع يوماً و تحولت تلك المسؤوليات إلى المرأة فالرئاسة من نصيبها. و إنما المعنى: إن الشرع اعتبر الرئاسة لهم وفي نفس الوقت نفسه فرض عليهم الانفاق ايضا.
و كذلك لابد من التوجه أن عبارة: «بما فضل الله بعضهم على بعض و بما أنفقوا...»، توضح العلة التي أعطي الرجل الرئاسة من أجلها، و ليست ناظرة إلى حدود تلك الرئاسة و سعة دائرتها، أي أن مفهومها لا يقتصر على الرئاسة في الجوانب الاقتصادية و المالية.
و الآن و قد اتضح أن الرجل هو رئيس الأسرة و الرئاسة تستلزم الطاعة من الطرف المقابل، و هنا لابد من التعرف على حدود دائرة لزوم الإطاعة و محيطها. و قد ذكر العلامة الطباطبائي مورداً واحداً لذلك و هو إطاعة المرأة زوجها فيما يخص الحقوق الجنسية.
و قد صرحت بهذا الحق روايات عديدة. و الحق الآخر المفروض للرجل على زوجته ما ورد في العديد من الروايات المعتبرة و المتمثل بحق الرجل في منع زوجته من الخروج من البيت إلا بإذنه و عليها أن تطيعه في ذلك. و الحقيقة فإن خروج المرأة من بيت زوجها مرهون بإجازته.
و قد روي بسندٍ صحيح عن الإمام الباقر (ع): «جاءت امرأة إلى النبي (ص) فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه و لا تعصيه و لا تصدق من بيته إلا بإذنه، و لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، و لا تمنعه نفسها و إن كانت على ظهر قتب، و لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، و إن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماوات و ملائكة الأرض، و ملائكة الغضب، و ملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها»[۱۴]. و جميع الأحاديث التي نقلت عن الرسول الأكرم (ص) في هذا الموضوع مع أنها عن الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام إلا أن وسائطها أجدادهم الطاهرين.
و لم تكن قيومية هؤلاء على نسائهم مانعة إياهن من الاستفادة من حقوقهن الفردية و الاجتماعية و الاستقلال في حفظ حقوقهن و الدفاع عنها و التصرف بأموالهن و أملاكهن.
و ظاهر هذه الأحاديث الإطلاق، بمعنى أن للرجل أن يمنع زوجته عن الخروج من بيتها مطلقاً، بل إن خروج المرأة من بيت زوجها مقيد بإذنه و إجازته على كل حال. و عليه فما لم تحرز رضاه و إجازته لا يمكنها الخروج من المنزل، و قد اعتبر الإمام الخميني خروج المرأة من بيت زوجها دون إذنه بمثابة النشوز[۱۵] و هذا ما عليه مشهور الفقهاء لم يخالف فيه أحد.
و لكن بقرينة الروايات الواردة في مسألة حسن حبس المرأة في بيتها و التي جاء التأكيد فيها على إذكاء اشتياق النساء و اجتذابهن نحو الرجال[۱۶] يمكن أن يقال: إن خروج المرأة إذا كان ينطوي على المفاسد أو مقرونا بتزاحم المصالح يكون مشروطاً بإذن الزوج. فالأمر إذن فرع حالة التزاحم أو فقدان المصالح، و الذي سوف نناقشه، و في مثل هذه الحالة فإن تشخيص وجود التزاحم أو ترجيح أحد أطرافه إن وجد من مختصات رئيس الأسرة و هو الزوج و عليه فلا بد للمرأة أن تحصل على الإذن عندما تريد الخروج من بيتها حتى يعلم وجود التزاحم أو عدمه، و إذا وجد التزاحم فأي الطرفين هو الراجح و هل أن خروجها تتبعه المفاسد أو أنه يتنافى مع المصالح؟.
مسألة التزاحم
قد تفرض بعض الظروف على الإنسان عدم تمكنه من الإتيان بعملين مختلفين في آنٍ واحد، و بذلك يضطر إلى التضحية بأحدهما من أجل الآخر، و في مثل هذه الموارد التي يطلق عليها اسم «التزاحم» يحكم العقل بتقديم الأهم على المهم، و ترك المهم لصالح الأهم. أي أنه ينجز العمل الأكثر أهمية و يترك الأمر الآخر. و تشخيص ذلك يرجع إلى الشخص نفسه في حالة الواجبات الفردية الشخصية و أما في حالة التكاليف المتعلقة بالجماعة فمرد الأمر إلى رئيس الجماعة. و لذلك فإن تشخيص الأهم و المهم في دائرة المجتمع الإسلامي من مسؤوليات الولي الفقيه الذي يجلس على قمة الهرم بالنسبة إلى سلم إدارة المجتمع.
و أما بالنسبة إلى الأسرة فالمرجع في هذه الأمور هو الزوج الذي يكون في موقع رئاسة الأسرة. إنه هو الذي يشخص وجود التزاحم من عدمه بالنسبة لعمل زوجته خارج البيت مع عملها و واجبها إزاء زوجها و أبنائها، و إذا كان التزاحم بين ما هو المهم و ما هو الأهم؟. و عليه بإمكانه أن ينع زوجته من العمل بسبب تزاحم عملها مع واجباتها الزوجية و البيتية، و من الطبيعي أن مسألة التزاحم تصدق عندما يكون للطرفين وظيفتان، أي أن التزاحم يكون في حالة كون شغل المرأة وظيفة و واجب، حتى لو كان من الوظائف الاجتماعية و من الواجبات الكفائية التي لا يوجد عدد كافٍ من الأشخاص للعمل بها، و أما إذا كان الشغل من غير باب الواجب و الوظيفة و كان يتعارض مع واجبات المرأة في بيتها لا يجوز لها أن تمارس هذا العمل، إلا أن يكون واجب المرأة في البيت من قبيل حقوق الزوج الجنسية و قد أسقط الزوج ذلك الحق.
المصلحة و المفسدة:
وظيفة كل رئيس لجماعة المحافظة على مصالحها، و هو القادر على أن يمنع ما ينافي مصالحها أو ما يلزم منه المفسدة بالنسبة لها، فإذا كان عمل المرأة يتصادم مع مصالح الأسرة أو مصالح أفرادها أو يستلزم مفسدة ما، فالرجل له أن يحول بين المرأة و العمل باعتباره رئيس الأسرة و مدير شؤونها.
نظرة إلى القانون المدني الإيراني:
بالتوجه إلى ما تقدم من فقرات البحث يمكن أن نستنتج أن المادة ۱۱۰۵ من القانون المدني جاءت منسجمة مع أسس الإسلام بالكامل، حيث جاء فيها: «إن رئاسة الأسرة من خصائص الزوج»، و كذلك المادة ۱۱۷ التي جاء فيها: «للرجل أن يمنع زوجته من العمل أو الصنعة التي تتنافى مع مصالح الأسرة أو تتعارض مع شؤونه و شؤون زوجته» و هذه المادة تبين و تؤكد رئاسة الرجل و قيمومته على الأسرة. و من الطبيعي أن يكون الأفضل مبادرة المقننين إلى إيضاح و بيان سعة دائرة رئاسة الرجل بشكل دقيق، على الرغم من أن هذا الأمر مبين إلى حد ما في الأحكام المتناثرة في الموارد المختلفة من القانون المدني كمسألة تبعية الزوجة، و محل الإقامة و... .
إن رئاسة الرجل للأسرة لا تعني الأفضلية و التسلط و إنما تعني أن الرجل مسؤول عن حفظ مصالح الأسرة و تحقيق مصالحها و الدفاع عن حريمها.
و للرجل أن يمنع زوجته من الحرفة التي تتعارض مع مصالح الأسرة أو تتنافى مع شؤونه أو شؤون زوجته.
أما بالنسبة لمنافاة عمل الرجل مصالح الأسرة أو شؤونه و شؤون زوجته فلم يوضع لها علاج في مواد القانون المدني يبين موقف المرأة، و لكن يمكن التماس الحل في المادة ۱۱۰۴ و التي تقول: «على الزوجين التعاون فيما بينهما من أجل إدارة شؤون الأسرة و تربية الأولاد» و بالنظر إلى ولاية الفقيه المطلقة و حكومته على ولاية الزوج على زوجته، فإن المرأة بإمكانها أن ترجع إلى الدوائر القانونية أو إلى حاكم الشرع بالتعبير الفقهي لتطلب منع زوجها من العمل و قد ورد التصريح بهذه الفقرة في نص القانون المدني[۱۷].
و لكن لا توجد معالجة مباشرة في حالة كون عمل الزوج متنافياً مع مصالح الأسرة أو متعارضاً مع شؤون الزوج أو شؤون زوجته.
الزوج المحجور:
إذا فقد الزوج صلاحيته على إدارة الأسرة بسبب مرضٍ جسمي أو جنون أو نسيان أو أمثالها فبإمكان الزوجة مراجعة القانون و المطالبة بإعطائها قيادة و إدارة شؤون الأسرة و هنا تكون ولاية الفقيه المبنى الذي يعتمد عليه هذا الفقيه في هذا الأمر.
المصادر:
۱ـ الميزان للعلامة الطباطبائي، ج۴، ص۳۱۵.
٢ـ الميزان للعلامة الطباطبائي، ج۴، ص ۳۶۶.
۳ـ الميزان للعلامة الطباطبائي، ج۴، ص ۳۶۹.
۴ـ وسائل الشيعة، للشيخ الحر العاملي، ج ۱۴، ص۱٢.
۵ـ وسائل الشيعة، للشيخ الحر العاملي، ج ۴.
۶ـ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۱۱٢ ـ ۱٢۵.
۷ـ وسائل الشيعة، ج۱۴، ص ۱۱۴ـ ۱۵۴.
۸ـ وسائل الشيعة، ج۱۴، ص۱۵۵ـ ۱۵۶.
۹ـ تحرير الوسيلة، ج٢، ص۳۰۵.
۱۰ـ وسائل الشيعة، ج۱۴، ص ۴۰.
المصادر:
[۱] النساء، ۳٢.
[٢] على أساس القانون المدني الفرنسي لا تزال النساء المتزوجات لا يتمتعن بحق الملكية. راجع كتاب الشهيد المطهري، نظام حقوق المرأة في الإسلام. ص٢٢۰ ـ ٢٢۶.
[۳] الإسراء، ٢٢ و ۶۶؛ الجمعة، ۱۰؛ فاطر، ۱٢.
[۴] "وابتغوا من فضل الله"، الجمعة، ۱۰.
[۵] (هو أنْشَأَكم مِن الأرضِ وَاسْتَعْمَرَكُم فيها) هود، ۱؛ تفسير الميزان، ج۱۰، ص ۳٢۱.
[۶] الروم، ٢۱.
[۷] "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَ بِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ"، النساء، ۳۴.
[۸] و من الطبيعي أن العلامة الطباطبائي استفاد من الآية قيومية الرجال العامة على النساء في دائرة أوسع من الأسرة كالحكومة و القضاء.
[۹] مع بعض التلخيص، انظر: العلامة الطباطبائي، الميزان، ج ۴، ص ۳۴۴.
أ ـ الروايات التي ذكرت حق المرأة على الرجل و التي ذكرت هذه المسألة ثلاث روايات: حديث محمد بن مسلم، حديث عمرو بن جبير الغررمي، و حديث عبد الله بن سنان، راجع: وسائل الشيعة، ج ۱۴ ، ص ۱۱٢ و ۱٢۵.
ب ـ حديث المناهي الذي منع فيه النبي (ص) عن بعض الأمور من جملتها خروج المرأة من البيت بدون إذن زوجها. و لا يوجد في هذا إلا حديث واحد: رواية حسين بن زيد، راجع: كتاب وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۱۱۴ و ۱٢۵.
جـ ـ رواية المعراج التي ذكر فيها (ص) مشاهداته و أحدها المرأة التي تعذب و هي التي تخرج من بيت زوجها من دون إذنه، و هي رواية عبد العظيم بن عبد الله الحسني، راجع: كتاب وسائل الشيعة، ج ۱۴ ، ص ۱۵۵ و ۱۵۶.
[۱۰] الميزان، ج ۴، ص ۳۶۹.
[۱۱] "بِما فَضَّل اللّه ُ بعضَهُم على بَعضٍ"، النساء، ۳۴.
[۱٢] "لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ"البقره ، ٢٢۸.
[۱۳] "بما انفقوا من اموالهم"النساء ، ۳۴
[۱۴] و هذا التعبير الذي ورد بصيغة مختلفة في الكثير من الروايات، و هو كناية عن لزوم استعداد المرأة لتلبية مطالب زوجها الخاصة.
[۱۵] تحرير الوسيلة، ج ٢، ص ۳۰۵.
[۱۶] الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۱۱٢؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۱٢۵ و ۱۵۴ و ۱۵۵.
[۱۷] انظر: وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص۴۰، ح ۴۱؛ ج ۵، ص۴۱ ؛ ج ۱ و ٢، ص۴٢؛ ج ۵، ص ۴٢؛ ج ۶، ۷.
التعلیقات