إن واقعة الطف الأليمة لم تكن مقتصرة على الرجال فقط، بل شاركت فيها العديد من النساء المؤمنات بشكل أو بآخر. فنرى في شرح واقعة عاشوراء أن للنساء المؤمنات أدواراً عظيمة جعلتهن خالدات عبر التاريخ، رغم مضي القرون والأزمان الطويلة. ومع ذلك، من الواضح أن دور النساء في كل واقعة إسلامية يختلف عن دور الرجال، وذلك ناتج عن كيفية نظر الإسلام والشريعة المحمدية صلى الله عليه وآله وسلم إلى النساء. فنحن نذكر بعض النساء اللاتي حضرن في كربلاء مع الإمام الحسين عليه السلام وأيضا نذكر أدوارهن.
النساء الحاضرات في كربلاء
1) زينب بنت أميرالمؤمنين عليهما السلام
إن زينب الكبرى سلام الله عليها هي بنت أميرالمؤمنين عليه السلام وأخت الشقيقة للإمام الحسين عليه السلام. هي كانت مع أخيها الإمام الحسين عليه السلام منذ البداية. يعني منذ خروجهم من المدينة، ثم الذهاب إلى مكة، ومن بعدها الذهاب إلى العراق والتوجه إلى الكوفة وإلى كربلاء، وأيضا شاهدت استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام وأصحابه الأوفياء. وبعد يوم عاشوراء أخذت أسيرة إلى إبن زياد في الكوفة، وبعد ذلك إلى يزيد في الشام وأيضا بعد ذلك رجعت مع بقية الأسارى إلى المدينة المنورة. فلزينب الكبرى سلام الله عليها دور عظيم في حركة الإمام الحسين عليه السلام. فهي تكلمت بكلمات عظيمة في مواطن عديدة. منها كلامها مع الإمام الحسين عليه السلام في ليلة عاشوراء: « قالت: بأبي أنت و امي يا أبا عبد الله! أ ستقتل؟ نفسي فداك. فرد غصته و ترقرقت عيناه و قال: لو ترك القطا ليلا لنام! قالت: يا ويلتى! أ فتغصب نفسك اغتصابا؟! فذلك أقرح لقلبي و أشد على نفسي! و لطمت وجهها، و أهوت الى جيبها و شقته و خرت مغشيا عليها. فقام إليها الحسين عليه السلام فصب على وجهها الماء و قال لها: يا اخية: اتقي الله و تعزي بعزاء الله، و اعلمي أن أهل الارض يموتون، و أن أهل السماء لا يبقون، و أن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته، و يبعث الخلق فيعودون، و هو فرد وحده، أبي خير مني، و امي خير مني، و أخي خير مني، ولي و لهم و لكل مسلم برسول الله اسوة. فعزاها بهذا و نحوه» (1)، وأيضا كلامها بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام كما جاء في الخبر : « فو الله لا أنسى زينب بنت علي عليه السلام تندب الحسين عليه السلام و تنادي بصوت حزين و قلب كئيب: يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء هذا الحسين مرمل بالدماء مقطع الأعضاء و بناتك سبايا إلى الله المشتكى و إلى محمد المصطفى و إلى علي المرتضى و إلى فاطمة الزهراء و إلى حمزة سيد الشهداء. يا محمداه هذا حسين بالعراء تسفي عليه الصبا قتيل أولاد البغايا وا حزناه وا كرباه اليوم مات جدي رسول الله يا أصحاب محمداه هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا و في رواية يا محمداه بناتك سبايا و ذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصبا و هذا حسين مجزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة و الرداء بأبي من أضحى عسكره في يوم الإثنين نهبا بأبي من فسطاطه مقطع العرى بأبي من لا غائب فيرتجى و لا جريح فيداوى بأبي من نفسي له الفداء بأبي المهموم حتى قضى بأبي العطشان حتى مضى بأبي من شيبته تقطر بالدماء بأبي من جده محمد المصطفى بأبي من جده رسول إله السماء بأبي من هو سبط نبي الهدى بأبي محمد المصطفى بأبي خديجة الكبرى بأبي علي المرتضى ع بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء بأبي من ردت له الشمس فصلى قال الراوي: فأبكت و الله كل عدو و صديق» (2)
2) سكينة بنت الحسين عليهما السلام
هي بنت الإمام الحسين عليه السلام ووالدتها تُدعى رباب بنت إمرء القيس. كانت حاضرة في واقعة عاشوراء، وبحسب نقل بعض العلما أنها كانت تبلغ العاشرة من العمر في تلك الواقعة. (3) وكان الإمام الحسين عليه السلام يحبّها بشدة. حتى ورد أن الإمام عليه السلام نظم شعرا في حقها حيث قال: « لعمرك إنني لاحب دارا * تكون بها سكينة والرباب أحبهما وابذل جل مالي * وليس لعاتب عندي عتاب» (4) ورد مواقف عديدة عن السيدة سكينة في واقعة عاشوراء وبعدها. فمنها وداع الإمام الحسين عليه السلام معها:« والتفت الحسين إلى ابنته سكينة التي يصفها للحسن المثنى «بأن الاستغراق مع اللّه غالب عليها» فرآها منحازة عن النساء باكية نادبة فوقف عليها مصبرا و مسليا» (5) ومنها موقفها حين استشهاد الإمام الحسين عليه السلام: « واعتنقت سكينة جسد أبيها الحسين عليه السّلام... و لم يستطع أحد أن ينحيها عنه حتى اجتمع عليها عدة و جروها بالقهر» (6) وقد روي أنها سمعت من نحر الإمام الحسين عليه السلام المقطوع أبياتا وهي: « شيعتي ما أن شربتم * عذب ماء فاذكروني * أو سمعتم بغريب * أو شهيد فاندبوني» (7)
3) أم وهب زوجة عبدالله بن عمير الكلبي
هي زوجة عبدالله بن عمير الكلبي وهي غير أم وهب والدة وهب بن عبدالله بن جناب الكلبي النصراني. التحقت أم وهب مع زوجها عبدالله بن عمير الكلبي بالإمام الحسين عليه السلام بشكل عجيب. فروى:« كان منا رجل يدعى عبد الله بن عمير، من بنى عليم، كان قد نزل الكوفه، و اتخذ عند بئر الجعد من همدان دارا، و كانت معه امرأة له من النمر بن قاسط يقال لها أم وهب بنت عبد، فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين، قال: فسأل عنهم، فقيل له: يسرحون إلى حسين بن فاطمه بنت رسول الله ، فقال: و الله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا، و إنى لأرجو إلا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون إبن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين، فدخل إلى إمرأته فأخبرها بما سمع، و أعلمها بما يريد، فقالت: أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك، إفعل و أخرجني معك، قال: فخرج بها ليلا حتى أتى حسينا، فأقام معه» (8)، وعندما ذهب عبدالله بن عمير إلى الميدان وقرب استشهاده، ذهبت أم وهب بعمود إلى الميدان لمساعدة زوجها في القتال والدفاع عن العترة الطاهرة عليهم السلام) (9)
4) زوجة عمرو بن جنادة
كان عمرو بن جنادة من الأنصار وحينما رأى أن أصحاب الإمام الحسين عليه السلام يتسابقون في الاستشهاد دونه عليه السلام، استأذن من الإمام الحسين عليه السلام وذهب إلى الميدان وقاتل قتالا عظيما حتى استشهد ورموا برأسه إلى خيام الإمام الحسين عليه السلام. فحين ذلك قامت زوجته ومسحت الدم من رأس زوجها ولم تجزع لقتل زوجها بل أرسلت ولدها أيضا للذب عن أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فجاء في كتب التاريخ: « ثمّ خرج من بعده شاب قتل أبوه في المعركة، و كانت أمّه عنده، فقالت: يا بني! أخرج فقاتل بين يدي ابن رسول اللّه حتى تقتل. فقال: أفعل. فخرج، فقال الحسين: «هذا شاب قتل أبوه، و لعل أمه تكره خروجه»، فقال الشاب: أمي أمرتني يا ابن رسول اللّه. فخرج و هو يقول: أميري حسين و نعم الأمير * سرور فؤاد البشير النذير * عليّ و فاطمة والداه * فهل تعلمون له من نظير. ثمّ قاتل فقتل، و حزّ رأسه و رمي به إلى عسكر الحسين. فأخذت أمه رأسه، و قالت له: أحسنت يا بني! يا قرة عيني و سرور قلبي» (10).
5) الرباب زوجة الإمام الحسين عليه السلام
السيدة رباب هي زوجة الإمام الحسين عليه السلام ووالدة عبدالله الرضيع عليه السلام. فلها دور عظيم في واقعة كربلاء وبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام. فإحدى أهم مواقفها هي عندما شاهدت رأس الإمام الحسين عليه السلام عند إبن زياد:« وأخذت الرباب زوجة الحسين الرأس ووضعته في حجرها وقبلته وقالت: وا حسينا فلا نسيت حسينا* أقصدته أسنة الأعداء* غادروه بكربلاء صريعا* لا سقى اللّه جانبي كربلاء. ودعا بهم ابن زياد مرة أخرى فلما أدخلوا عليه رأين النسوة رأس الحسين بين يديه و الأنوار الإلهية تتصاعد من أساريره إلى عنان السماء فلم تتمالك الرباب زوجة الحسين دون أن وقعت عليه تقبله وقالت: إن الذي كان نورا يستضاء به* بكربلاء قتيل غير مدفون* سبط النبي جزاك اللّه صالحة* عنا وجنبت خسران الموازين* قد كنت لي جبلا صعبا ألوذ به* وكنت تصحبنا بالرحم و الدين* من لليتامى ومن للسائلين ومن* يعنى ويأوي إليه كل مسكين* واللّه لا أبتغي صهرا بصهركم* حتى أغيّب بين الماء و الطين» (11)
هذه جملة من النساء التي حضرن مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وبعض مواقفهم من هذه الواقعة الأليمة.
1) وقعة الطف (لأبي مخنف الأزدي) / المجلد: 1 / الصفحة: 230 / الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام – بيروت / الطبعة: 3.
2) مقتل الحسين عليه السلام (للسيد عبدالرزاق المقرم) / المجلد: 1 / الصفحة: 446 / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 1.
3) السيدة سكينة إبنى الإمام الحسين عليه السلام (للسيد عبدالرزاق المقرم) / المجلد: 1 / الصفحة: 141 / الناشر: مؤسسة دار الأضواء – بيروت / الطبعة: 1.
4) مقاتل الطالبيين (لأبي الفرج الإصفهاني) / المجلد: 1 / الصفحة: 59 / الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر – قم / الطبعة: 2.
5) مقتل الحسين عليه السلام (للسيد عبدالرزاق المقرم) / المجلد: 1 / الصفحة: 400 / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 1.
6) مقتل الحسين عليه السلام (للسيد عبدالرزاق المقرم) / المجلد: 1 / الصفحة: 448 / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 1.
7) مقتل الحسين عليه السلام (للسيد عبدالرزاق المقرم) / المجلد: 1 / الصفحة: 448 / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 1.
8) تاريخ الأمم والملوك (للطبري) / المجلد: 5 / الصفحة: 429 / الناشر: دار التراث – بيروت / الطبعة: 1.
9) وقعة الطف (لأبي مخنف الأزدي) / المجلد: 1 / الصفحة: 250 / الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام – بيروت / الطبعة: 3.
10) مقتل الحسين عليه السلام (لأبي المؤيد الخوارزمي) / المجلد: 2 / الصفحة: 26 / الناشر: انتشارات أنوار الهدى – قم / الطبعة: 5.
11) مقتل الحسين عليه السلام (للسيد عبدالرزاق المقرم) / المجلد: 1 / الصفحة: 477 / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 1.
التعلیقات