مصيبة مسلم بن عقيل عليه السلام
السيد مهدي الأعرجي
منذ 3 سنواتمدة القرائة: 4 دقائق
خانَ الزمانُ بِنا فَشَتتنا كما
خانَتْ بَنو صَخرٍ ببيعةِ (مُسلمِ)
لم أنسَهُ بينَ العدى وجَبينُهُ
كالبَدرِ في ليلِ العَجاجِ المُظلِمِ
أفديهِ من بَطَلٍ مَهيبٍ إنْ سَطا
لَفَّ الجُموعَ مُؤخَّراً بمُقَدَّمِ
شَهِمٌ نَمَتهُ إلى البسالةِ هاشمٌ
والشبلُ للأسَدِ المُجَرّب يَنْتَمي
حَتّى إذا ما أثخَنُوهُ بِالضُّبا
ضَرباً وفي وَسَطِ الحَفيرَةِ قدْ رُمي
جاؤوا إلى ابنِ زيادِ فِيهِ فَمُذْ رَأى
لِلقَصرِ قَد وافاهُ غَيرَ مُسلِّمِ
قالَ اصعَدوا لِلقَصرِ وَارمُوا جِسمَهُ
وَمِنَ الوَريدَينِ أخضِبُوهُ بالدمِ
صَعَدوا بِهِ لِلقَصرِ وَهوَ مُكَبلٌ
تَجري دِماهُ مِنَ الجوارحِ والفَمِ
قَتَلوهُ ظامٍ لَم يُبلَّ فَؤادُه
أفديهِ مِنْ ظامِ الحَشا مُتَضرِّمِ
دَفَعُوهُ مِنْ أعلى الطِمارِ إلى الثَرى
فَتَكَسّرت مِنْهُ حَنايا الأعْظُمِ(1)
صّلى العشاء في المسجد ومعه ثلاثون رجلاً، وخرج عليه السلام من المسجد، وغاب في أزقة الكوفة لا يدري أين وكيف سينتهي به الحال، حتى وصل إلى باب دار امرأة واقفة سلّم عليها، وطلب منها الماء؛ فسقته، فجلس على الباب قالت له: ألم تشرب الماء؟ قال: بلى. قالت: فاذهب إلى أهلك بارك الله فيك، فسكت، فأعادت عليه مثل ذلك، فسكت، فقالت له: سبحان الله، يا عبد الله! قم عافاك الله إلى أهلك لا يصلح لك الجلوس على باب داري، ولا أحلّهُ لك، فقام، وقال: يا أمة الله! ما لي في هذا المصر أهلٌ ولا عشيرة، فهل لكِ في أجرٍ ومعروف ولعلّي مكافيك بعد اليوم قالت: يا عبد الله وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل كذّبني هؤلاء القوم، وغرّوني قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم. قالت: ادخل، فدخل دارها:
اجت ليله العفيفة واسگته الماي
وگالت گوم شنهي گعدتك هاي
لا تگعد يروحي وماي عيناي
گوم وروح لهلك چا هلك وين
ون ونه يتگطّع منها الفواد
يهل حرّه هلي ما هم بالبلاد
غريب الّدار وهلي عنّي بعاد
وين أهلي هلي ما هم قريبين
نادت يا بعد عگلي والأنفاس
كأنك هاشمي مومن عرض ناس
هله وكل الهله عل عين والراس
إلك منزل يمسلم بين هل عين
دخل دارها أفردت له حجرة، وعرضت عليه الطعام والشراب، فلم يأكل، ولم يشرب، وما زال صافاً قدميه للصلاة حتى عاد ولدها بلال، وعلم بوجود مسلم عندهم، فما أصبح الصباح حتى ذهب إلى قصر الإمارة، وأخبر الخبر، فجاءت الخيل والرجال يقدمهم محمد بن الاشعث، ومعه خمسمائة فارس قام مسلم، وخرج يقاتل القوم، وهو يرتجز:
أقسمت لا أقتل إلا حرا
وإن رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا
أخاف أن اُخدع أو اُغَرّا
كل امرئ يوماً ملاقٍ شرا
فقاتلهم قتال الشجعان، فقتل منهم مقتلةً عظيمة، فأخذوا يشعلون النار بالقصب، ويرمونها عليه، ويرضخونه بالحجارة؛ فلم ينفع حتى حفروا له حفيرة، وغطّوها بالتراب. انهزموا من بين يديه، فسقط في الحفيرة، فاجتمعوا عليه، وأخرجوه، فضربه محمد بن الأشعث على فمه، فسالت دماؤه على لحيته الكريمة؛ وأخذوا سيفه، فبكى، فقال له ابن الأشعث: إن الذي يطلُبُ مثلَ ما تطلُبُ إذا نزل به الذي نزل بك لا يبكي. عندها قال: والله! ما على نفسي بَكَيْت، ولكن أبكي لأهلي المقبلين. أبكي لحسينٍ وآل حسين.
جاؤوا به إلى قصر الامارة، وأدخلوه على ابن زياد دار بينهما كلام، فشتم اللعينُ أمير المؤمنين عليه السلام والإمام الحسن والحسين وعقيلاً حتى أمر أن يُصعد إلى أعلى القصر، وتُضرب عنقُهُ، وفعلاً ضربه الغلام، فقتله، ومضى إلى ربّه مظلوماً شهيداً غريباً، ورميت جثته من أعلى القصر إلى الأرض، ثمّ أخرجوا هاني بن عروة، وضربوا عنقه، وسحبوهما في الأسواق.
أبوذيه :
عاده اليستجير ايكون ينجار
او عن چتله حليف الشرف ينجار
مثل مسلم صدگ بالحبل ينجار
واتتنومس بـچتله اعلوج امية
نعي:
المگدر جره وشاعت اخباره
رماه الگوم من قصر الإماره
وهاني انقتل بعده وبگت داره
مظلمة ولا بعد واحد يصلها
عگب هذا اطلعت مذحج امن الدور
وشگت لعد هاني ومسلم گبور
بس جثة حسين بيوم عاشور
ظلّت بالشمس والدم غسلها
1ـ القصيدة للمرحوم السيد مهدي الأعرجي رحمه الله
2ـ كتاب مجمع المصائب: ج 1، مصيبة مسلم بن عقيل عليه السلام.
التعلیقات