السيدة سكينة سلام الله عليها راوية الطف
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 3 سنواتلم يتح لسكينة بنت الحسين عليهما السلام ما أتيح لآل الحسين من الظهور على ساحة الأحداث في كربلاء والكوفة والشام؛ لتُلهب الأجواء بالخطب والبيانات، لأنّ مهمة ذلك موكولة إلى الكبار من أهل هذا البيت الطاهر.
- خطبة الإمام السجاد عليه السلام في الشام
- مجيء زوجة يزيد إلى خَرِبة الشام
- خربة الشام والسيدة رقية سلام الله عليها
نسبها وحالها
هي سكينة بنت الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب، وأمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس.
جاء في مستدركات النمازي أنّها كانت عقيلة قريش، ولها السيرة الجميلة، وهي ذات الفضل والفضيلة والكرم الوافر والعقل الكامل والمكارم الزاخرة والمناقب الفاخرة، وهي سيدة نساء عصرها وأجملهن وأظرفهن وأحسنهن أخلاقاً.(1)
إقامة العزاء عند القبر الشريف
فلما وصل آل بيت النبي الأعظم (ص) إلى كربلاء، أخذوا بالبكاء والنحيب واللّطم، وأقاموا العزاء إلى مدّة ثلاثة أيّام، واجتمع إليهم نساء أهل السّواد (العراق كانت تسمي بأرض السواد)، فخرجت زينب عليها السلام في الجمع، وأهوت إلى جيبها فشقّته، ونادت بصوت حزين يقرح القلوب، وا أخاه وا حسيناه وا حبيب رسول الله وابن مكة ومنى، وابن فاطمة الزهراء، وابن علي المرتضى، آه ثم آه، ووقعت مغشية عليها، وخرجت أمّ كلثوم لاطمة الخدّين تنادي برفيع الصوت: اليوم مات محمد المصطفى، اليوم مات علي المرتضى، اليوم ماتت فاطمة الزهراء وباقي النساء لاطمات ناعيات نائحات قائلات: وا مصيبتاه وا حسنا وا حسيناه. فلمّا رأت سكينة ما حلّ بالنساء رفعت صوتها تنادي: وا محمداه وا جدّاه يعزّ عليك ما فعلوا بأهل بيتك ما بين مسلوب وجريح، ومسحوب وذبيح، وا حزني أسفاً، ثم أمر علي بن الحسين عليهما السلام بشدّ رحاله، فشدّوها، فصاحت سكينة بالنساء لتوديع قبر أبيها، فدرن حوله فحضنت القبر الشريف وبكت شديداً، وحنّت، وأنّت، وأنشأت تقول:
ألا يا كربلاء نودعك جسماً
بلا كفن ولا غسل دفينا
ألا يا كربلاء نودعك روحاً
ألا يا كربلاء نودعك روحاً
لأحمد والوصيّ مع الأمينا (2)
وعندما وصل ركب أهل البيت عليهم السلام إلى مدينة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: أخذت زينب بنت أمير المؤمنين بعضادتي باب المسجد، وصاحت: يا جَدّاه، إنّي ناعية إليك أخي الحسين.
وصاحت سكينة: ياجَدّاه! إليك المشتكى ممّا جرى علينا، فوالله ما رأيت أقسى من يزيد، ولا رأيت كافراً، ولا مشركاً شرّاً منه، ولا أجفى وأغلظ، فلقد كان يقرع ثغر أبي بمخصرته، وهو يقول: كيف رأيت الضرب يا حسين.(3)
السيدة سكينة سلام الله عليها فوق الشبهات
لكثرة الشبهات المطروحة من قبل الإعلام الأموي والزبيري حول هذه السيدة الطاهرة من مجالسة الشعراء وتشكيل نادي للشعر والشعراء، وأنها كانت ناقدة لهم وتخالطهم في المجالس وذكر أمور لا تناسب أهل هذا البيت الطاهر والمقدس أجاب عن هذه الشبهات كثير من علماء الأعلام -رحم الله الماضين منهم وحفظ الله الباقين وسددهم- وهنا نذكر جواب للعلامة المحقق الشيخ محمد السند حفظه الله حول هذه المسألة.
السؤال: ما حقيقة ما ينسب إليها من مجالسة الشعراء والحديث معهم؟ و هل كان لها حظ- فعلًا- من الشعر والأدب حتى تروي عن الشعراء وتحكّم بينهم؟.
الشيخ السند: قد حقق العلامة السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه السيدة سكينة بن الإمام الشهيد عليه السلام أن مصعب الزبيري صاحب كتاب (نسب قريش) الذي كان من أشد الناس عداوة لأمير المؤمنين وولده وقد نسب كل ما كان لسكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير التي تجتمع مع ابن أبي ربيعة الشاعر والمغنيات يغنين لهم، فنسب ذلك إلى ابنة الحسين عليه السلام، ثم تابعه المدائني، ثم زاد عليها الزبير بن بكار وابنه -وهما من آل الزبير وهم المعروفون بعدائهم لآل علي عليه السلام- ثم تلقاها المبرد عن هؤلاء الوضاعين، وعنه أخذها تلميذه الزجاجي وغيره من دون تمحيص فأضلوا كثيراً من الكتاب والمؤرخين حتى رووها بلا إسناد موهمين أنها من المسلمات إلى غير ذلك من الكتاب كأبي الفرج الأصفهاني الأموي النزعة والعداوة لآل البيت عليهم السلام، وقد استعرض العلامة المقرم سند تلك الروايات وبيان تراجمهم في كتب الجرح والتعديل عند أهل السنة وشهادتهم عليهم بالوضع والعداوة لآهل البيت عليهم السلام.
وكيف يتصور في بنت سيد الشهداء التي قال عنها عليه السلام: (يا خيرة النسوان)(4) أن ينسب لها تلك الرذائل ومقارفة المحرمات وقال عنها عليه السلام:
(وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله).(5)
لاحظ إسعاف الراغبين للصبان بهامش نور الأبصار ص 202.
وكانت سلام الله عليها في كنف الإمام السجاد، ثم الإمام الباقر والإمام الصادق عليهم السلام بعد واقعة الطف، كما أنه تعرض إلى رواية تزوج مصعب بن الزبير بها، وإنها رواية موضوعة وذكر في ذلك فصول عديدة من كتابه وشواهد دامغة، فلاحظ الكتاب المزبور.(6)
1ـ مستدركات علم رجال الحديث: ج 8، ص 580.
2ـ الدمعة الساكبة: ج 5، ص 163.
3ـ رياض الأحزان: ص 163.
4ـ المناقب لأبن شهر أشوب: ج 4، ص 109.
5ـ الكنى والألقاب: ج 2، ص 465.
6ـ خلاصة معرفية: ص 231ـ 232.
التعلیقات