آداب الإعتكاف و أحكامه
السيد حسين الهاشمي
منذ 9 أشهرقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أفضَلُ النّاس مَن عَشِقَ العِبادَة فَعانَقَهَا وَ أحَبَّهَا بِقَلبِهِ وَ بَاشَرَها بِجَسَدِهِ و تَفَرَّغ لها.
الإعتكاف من أهم الأمور العبادية و التي يتقرب بها العباد إلى الله. والمهم في جميع العبادات أن نعرف أحكامها وآدابها حتى لاتكون عبادتنا فاسدة. فعلينا في كل عبادة أن نبحث ونسأل عن شروطها وأحكامها وآدابها الخاصة بها. فتصدينا لبيان أحكامها وآدابها وفق فتاوى السيد السيستاني دام ظله .
الإعتكاف هو اللّبث في المسجد بقصد التعبّد به، والأحوط استحباباً أن يضمّ إليه قصد فعل العبادة فيه من صلاة ودعاء وغيرهما، ويصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم، والأفضل شهر رمضان، وأفضله العشر الأواخر.
شروط صحة الإعتكاف
يشترط في صحّته مضافاً إلى العقل والإسلام، أُمور :
الأوّل: نيّة القربة، كما في غيره من العبادات. والواجب هو إيقاعه من أوّله إلى آخره عن النيّة، والمختار جواز الاكتفاء بتبييت النيّة مع قصد الشروع فيه في أوّل يوم، وأمّا لو قصد الشروع فيه وقت النيّة في أوّل الليل فيكفي بلا إشكال. لا يجوز العدول من اعتكاف إلى آخر اتّفقا في الوجوب والندب أو اختلفا، ولا من نيابة عن شخص إلى نيابة عن شخص آخر، ولا من نيابة عن غيره إلى نفسه وبالعكس.
الثاني: الصوم، فلا يصحّ بدونه، فلو كان المكلّف ممّن لا يصحّ منه الصوم لسفر أو غيره لم يصحّ منه الاعتكاف.
الثالث: العدد، فلا يصحّ أقلّ من ثلاثة أيّام غير ملفّقة، ويصحّ الأزيد منها وإن كان يوماً أو بعضه، أو ليلة أو بعضها، وتدخل فيه الليلتان المتوسّطتان دون الأُولى والرابعة وإن جاز إدخالهما بالنيّة، فلو نذر الاعتكاف كان أقلّ ما يمتثل به ثلاثة أيّام، ولو نذره أقلّ لم ينعقد إذا أراد به الاعتكاف المعهود وإلّا صحّ، ولو نذره ثلاثة معيّنة فاتّفق أنّ الثالث عيد لم ينعقد، ولو نذر اعتكاف خمسة فإن نواها مقيّداً من جهة الزيادة والنقصان بطل، وإن نواها مقيّداً من جهة الزيادة ومطلقاً من جهة النقصان وجب عليه اعتكاف ثلاثة أيّام، وإن نواها مقيّداً من جهة النقصان ومطلقاً من جهة الزيادة ضمّ إليها السادس سواء أفرد اليومين أو ضمّهما إلى الثلاثة.
الرابع: أن يكون في أحد المساجد الأربعة: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة، ويجوز إيقاعه في المسجد الجامع في البلد أيضاً إلّا إذا اختصّ بإمامته غير العادل فإنّه لا يجوز الاعتكاف فيه حينئذٍ على الأحوط، والأحوط استحباباً - مع الإمكان - الاقتصار على المساجد الأربعة. يدخل في المسجد سطحه وسردابه مع وجود أمارة على دخوله، وكذا منبره ومحرابه، والإضافات الملحقة به إذا جعلت جزءاً منه كما لو وسِّع فيه.
الخامس: إذن من يعتبر إذنه في جوازه، كالوالدين بالنسبة إلى ولدهما إذا كان موجباً لإيذائهما شفقة عليه، وكالزوج بالنسبة إلى زوجته إذا لم يكن يجوز لها المكث في المسجد بدون إذنه، وأمّا إذا كان يجوز لها ذلك ولكن كان اعتكافها منافياً لحقّه ففي اعتبار إذنه في بعض موارده إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك.
السادس: استدامة اللّبث في المسجد الذي شرع به فيه، فإذا خرج لغير الأسباب المسوّغة للخروج بطل، من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل، بل يحكم بالبطلان في الخروج نسياناً أيضاً، بخلاف ما إذا خرج عن اضطرار أو إكراه أو لحاجة لا بُدَّ له منها من بول أو غائط أو غسل جنابة أو استحاضة أو مسّ ميّت وإن كان السبب باختياره، ويجوز الخروج لحضور صلاة الجمعة وللجنائز لتشييعها والصلاة عليها وتغسيلها وتكفينها ودفنها ولعيادة المريض. أمّا سائر الأُمور الراجحة شرعاً فالأحوط وجوباً عدم الخروج لها إلّا إذا كانت حاجة لا بُدَّ منها، كما أنّ الأحوط لزوماً مراعاة أقرب الطرق عند الخروج، ولا تجوز زيادة المكث عن قدر الحاجة، وأمّا التشاغل على وجه تنمحي به صورة الاعتكاف فهو مبطل وإن كان عن إكراه أو اضطرار، ولا يجوز الجلوس تحت الظلال في الخارج بل الأحوط لزوماً ترك الجلوس فيه بعد قضاء الحاجة مطلقاً إلّا مع الضرورة.
الرجوع عن الاعتكاف
الاعتكاف في نفسه مندوب، ويجب بالعارض من نذر وشبهه، فإن كان واجباً معيّناً فلا إشكال في وجوبه قبل الشروع فضلاً عمّا بعده، وإن كان واجباً مطلقاً أو مندوباً لم يجب بالشروع، أي لا يجب إكماله بمجرّد الشروع فيه - وإن كان هو الأحوط استحباباً في الواجب المطلق - نعم يجب بعد مضيّ يومين منه فيتعيّن اليوم الثالث، إلّا إذا اشترط حال النيّة الرجوع لعارض، فاتّفق حصوله بعد يومين، فله الرجوع عنه حينئذٍ إن شاء، ولا عبرة بالشرط إذا لم يكن مقارناً للنيّة سواء أكان قبلها أم بعد الشروع فيه. إذا نذر الاعتكاف، وشرط في نذره الرجوع - بأن كان منذوره هو الاعتكاف مشروطاً - جاز له الرجوع وإن لم يشترطه حين الشروع في اعتكافه إذا أتى به وفاءً لنذره، لأنّه يكون من الاعتكاف المشروط به إجمالاً.
أحكام المعتكف
لا بُدَّ للمعتكف من ترك أُمور : منها:
الجماع، والأحوط وجوباً إلحاق اللمس والتقبيل بشهوة به، فضلاً عمّا يصدق عليه المباشرة بما دون الفرج كالتفخيذ ونحوه، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.
ومنها: الاستمناء على الأحوط لزوماً، وإن كان على الوجه الحلال كالنظر إلى الزوجة.
ومنها: شمّ الطيب مطلقاً ولو للشراء، وشمّ الريحان مع التلذّذ ولا مانع منه إذا كان بدونه، والريحان هو كلّ نبت طيِّب الرائحة.
ومنها: البيع والشراء بل مطلق التجارة على الأحوط وجوباً، ولا بأس بالاشتغال بالأُمور الدنيويّة من المباحات - حتّى الخياطة والنساجة ونحوهما - وإن كان الأحوط استحباباً الاجتناب، وإذا اضطرّ إلى البيع والشراء لأجل الأكل أو الشرب ممّا تمسّ حاجة المعتكف إليه ولم يمكن التوكيل أو ما بحكمه ولا النقل بغيرهما جاز له ذلك.
ومنها: المماراة في أمر دينيّ أو دنيويّ بداعي إثبات الغلبة وإظهار الفضيلة، لا بداعي إظهار الحقّ وردّ الخصم عن الخطأ، والمدار على القصد. إذا صدر منه أحد المحرّمات المذكورة سهواً لم يبطل اعتكافه حتّى في الجماع. إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع ولو ليلاً وجبت الكفّارة، ويلحق به على الأحوط لزوماً الجماع المسبوق بالخروج المحرّم وإن بطل اعتكافه به بشرط عدم رفع يده عنه، ولا تجب الكفّارة بالإفساد بغير الجماع وإن كان أحوط استحباباً، وكفّارته ككفّارة صوم شهر رمضان مخيّرة وإن كان الأحوط استحباباً مراعاة الترتيب فيها ككفّارة الظهار . وإذا كان الاعتكاف في شهر رمضان وأفسده بالجماع نهاراً وجبت كفّارتان، إحداهما لإفطار شهر رمضان والأُخرى لإفساد الاعتكاف، وكذا إذا كان في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، وإن كان الاعتكاف المذكور منذوراً معيّناً أو ما بحكمه وجبت كفّارة ثالثة لمخالفة النذر، وإذا كان الجماع لامرأته الصائمة في شهر رمضان وقد أكرهها وجبت كفّارة رابعة عنها على الأحوط لزوماً.
1) وسائل الشيعة، ج١، ص٨٣
التعلیقات