هدم قبور أئمة البقيع
السيد حسين الهاشمي
منذ 8 ساعاتهدم قبور أئمة البقيع، الذي وقع في 8 شوال عام 1344 هـ (1925 م)، هي أحد الأحداث التاريخية المؤلمة التي تركت آثارًا عميقة في نفوس المسلمين، وخاصةً لدى الطائفة الشيعية. يمثل هذا الحدث تجسيدًا للصراع التاريخي بين التوجهات المختلفة في الإسلام، حيث تتباين الآراء والممارسات حول العلاقة مع الأئمة والقديسين، وكذلك حول مفهوم التقديس والزيارة.
تعود أهمية البقيع إلى كونه أحد أبرز المقامات المقدسة في المدينة المنورة، حيث يضم مقابر العديد من الشخصيات الإسلامية البارزة، بما في ذلك الأئمة الأربعة من أهل البيت. كانت هذه القبور تُعتبر مراكز للعبادة والتبرك، حيث يتوافد الزوار من كل حدب وصوب لأداء الزيارات وإحياء الذكريات المتعلقة بتلك الشخصيات. ومع ذلك، في ظل الظروف السياسية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة في أوائل القرن العشرين، جاءت السلطات الوهابية، التي كانت تسعى لتطبيق تفسير صارم للإسلام، لتقوم بهدم هذه القبور، مُبررةً ذلك بأنه يتعارض مع التوحيد. وقد أدى هذا الفعل إلى انقسام عميق في المجتمعات الإسلامية، حيث اعتبره الكثيرون اعتداءً على المقدسات واعتداءً على تاريخهم الثقافي والديني.
ولأجل حلول 8 من شهر شوال وذكرى هدم قبور البقيع، قررنا أن نكتب لكم عن هذه المقبرة العظيمة وعن الجريمة الفجيعة التي إرتكبها المجرمون في حق أهل البيت عليهم السلام وبحق المسملمين بأجمعهم.
تاريخ مقبرة البقيع
كان يسمى مقبرة البقيع بالبقيع الغرقد. وذلك لأن أصل البقيع في اللغة: الموضع الذي فيه أُرم الشجر من ضروب شتى، وبه سمي بقيع الغرقد.(1) والغرقد: كبار العوسج ، فلذا سُمّي ببقيع الغرقد لأن هذا النوع من الشجر كان كثيراً فيه ولكنه قطع. (2).
قيل: كان البقيع مقبرة قبل الإسلام، وورد ذكره في مرثية عمرو بن النعمان البياضي لقوله:
«أين الذين عهدتهم فـي غبـطـة *** بين العقيق إلى بقيع الغــرقــد» (3).
إلا أنه بعد الإسلام خُصِّص لدفن موتى المسلمين فقط، وكان اليهود يدفنون موتاهم في مكان آخر يعرف بـ (حش كوكب) وهو بستان يقع جنوب شرقي البقيع. (4). وأول من دفن فيه من المسلمين هو أسعد بن زرارة الأنصاري وكان من الأنصار. (5). ثم دفن بعده الصحابي الجليل عثمان بن مظعون، وهو أول من دفن فيه من المسلمين المهاجرين، وقد شارك رسول الله صلى الله عليه وآله بنفسه في دفنه. (6). ثم دفن إلى جانبه إبراهيم بن الرسول صلى الله عليه وآله ولذلك رغب المسلمون فيها وقطعوا الأشجار ليستخدموا المكان للدفن. (7).
أصبح البقيع في أرض المدينة المنورة مدفناً لعدد من عظماء المسلمين , وأئمتهم , وأعلام الأنصار والمهاجرين , وكان النبي ص يقصد البقيع , يؤمه كلما مات أحد من الصحابة ليصلي عليه ويحضر دفنه. وقد ورد في كتب المخالفين:« عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم) يخرج مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ. فَيَقُولُ "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا. مُؤَجَّلُونَ. وَإِنَّا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، بِكُمْ لَاحِقُونَ. اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ» (8).
وبعد مضي الزمان، قد دفن في هذه المقبرة أئمة من أئمة المعصومين عليهم السلام هم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام والإمام زين العابدين عليه السلام والإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام والإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام. (9).
ولهذا ورد عن أحد المعصومين زيارة لأئمة البقيع:« إِذَا أَتَيْتَ الْقَبْرَ الَّذِي بِالْبَقِيعِ فَاجْعَلْهُ بَيْنَ يَدَيْكَ ثُمَّ تَقُولُ- السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةَ الْهُدَى السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ التَّقْوَى السَّلَامُ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا السَّلَامُ عَلَيْكُمُ الْقُوَّامَ فِي الْبَرِيَّةِ بِالْقِسْطِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الصَّفْوَةِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ النَّجْوَى...» (10).
هدم قبور أئمة البقيع
بعد أن تم سيطرة الوهابيين على تلك البلاد المقدسة قاموا بهدم تلك القباب الطاهرة في البقيع وغيرها، وكان هدم البقيع في الثامن من شوال عام 1344هـ الموافق لـ21 نيسان (إبريل) 1925م.
يعتقد الوهابيون على خلاف جمهور المسلمين أن زيارة وتعظيم قبور الأنبياء وأئمة أهل البيت عبادة لأصحاب هذه القبور وشرك بالله يستحق معظمها القتل وإهدار الدم. ولقد انصب الحقد الوهابي في كل مكان سيطروا عليه، على هدم قبور الصحابة وخيرة التابعين وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله الذين طهرهم الله من الرجس تطهيرا.. وكانت المدينتان المقدستان مكة والمدينة ولكثرة ما بهما من آثار دينية، من أكثر المدن تعرضا لهذه المحنة العصيبة، التي أدمت قلوب المسلمين وقطعتهم عن تراثهم وماضيهم التليد. وكان من ذلك هدم البقيع الغرقد بما فيه من قباب طاهرة لذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته وخيرة أصحابه وزوجاته وكبار شخصيات المسلمين.
فقاموا بتهديم قبور البقيع مرتين. الأولى عام 1220هـ كانت الجريمة التي لاتنسى، عند قيام الدولة السعودية الأولى حيث قام آل سعود بأول هدم للبقيع وذلك عام 1220 هـ وعندما سقطت الدولة على يد العثمانيين أعاد المسلمون بناءها على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين، فبنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد أن ولى خط الوهابيين لحين من الوقت. والثاني عام 1344 ه. فحين ذاك عاود الوهابيون هجومهم على المدينة المنورة مرة أخرى في عام 1344هـ وذلك بعد قيام دولتهم الثالثة وقاموا بتهديم المشاهد المقدسة للائمة الأطهار عليهم السلام وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بعد تعريضها للإهانة والتحقير بفتوى من وعّاظهم. فاصبح البقيع وذلك المزار المهيب قاعا صفصفا لا تكاد تعرف بوجود قبر فضلا عن أن تعرف صاحبه.
فهذه أسماء القباب الشريفة التي هدموها في الهدمة الثانية في 8 من شوال: قبة أهل البيت عليهم السلام المحتوية على ضريح سيدة النساء فاطمة الزهراء - على قول - ومراقد الأئمة الأربعة عليهم الصلاة والسلام ، وقبر العباس ابن عبد المطلب. وقبة إبراهيم إبن النبي صلى الله عليه وآله وقبة أزواج النبي وقبة عمات النبي وقبة وقبة حليمة السعدية وقبة اسماعيل إبن الإمام الصادق عليه السلام وقبة أبي سعيد الخدري وقبة فاطمة بنت أسد وقبة عبدالله والد البني وقبة حمزة سيد الشهداء وقبة عقيل بن أبي طالب ومكان بيت الأحزان.
وفي هذا قال المرجع الكبير السيد صدر الدين العاملي:«
لعمري إنّ فاجعة البقيع *** يشيب لهولها فود الرضيع
وسوف تكون فاتحة الرزايا *** إذا لم نصح من هذا الهجوع
أما من مسلم للّه يرعى *** حقوق نبيّه الهادي الشفيع» (11).
النساء المدفونات في البقيع
دفنت نسوة كثرة في مقبرة البقيع. فلنذكر البعض منها. دفنت في البقيع: فاطمة بنت أسد والدة أميرالمؤمنين عليه السلام وصفية بنت عبدالمطلب عمة النبي صلى الله عليه وآله وعاتكة بنت عبدالمطلب عمة النبي وفاطمة بنت حزام الكلابية المعروفة بأم البنين زوجة أميرالمؤمنين عليه السلام وزينب ورقية وأم كلثوم بنات النبي صلى الله عليه وآله وأم كلثوم بنت أميرالمؤمنين عليه السلام وسكينة بنت الحسين عليه السلام وزينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وآله والحليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وآله.
كما أنه يحتمل أن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها أيضا قد دفنت في مقبرة البقيع.
هذه كانت جملة من الأمور المرتبطة بمقبرة البقيع والجريمة الفجيعة التي ارتكبها الوهابيون. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعجل في ظهور مولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه وأن ينتقم من الظلمة بوليه الغائب عليه السلام.
1) كتاب العين (لخليل بن أحمد الفراهيدي) / المجلد: 1 / الصفحة: 184 / الناشر: مؤسسة دار الهجرة – طهران / الطبعة: 2.
2) كتاب العين (لخليل بن أحمد الفراهيدي) / المجلد: 4 / الصفحة: 458 / الناشر: مؤسسة دار الهجرة – طهران / الطبعة: 2.
3) معجم البلدان (للشيخ ياقوت الحموي الرومي) / المجلد: 1 / الصفحة: 473 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 1.
4) شرح نهج البلاغة (لإبن أبي الحديد) / المجلد: 10 / الصفحة: 6 / الناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي – قم / الطبعة: 1.
5) الطبقات الكبرى (لإبن سعد) / المجلد: 3 / الصفحة: 459 / الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت / الطبعة: 1.
6) الطبقات الكبرى (لإبن سعد) / المجلد: 3 / الصفحة: 303 / الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت / الطبعة: 1.
7) أعيان الشيعة (لسيد محسن أمين) / المجلد: 3 / الصفحة: 299 / الناشر: دار التعارف للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 1.
8) صحيح مسلم (لمسلم بن الحجاج النيشابوري) / المجلد: 2 / الصفحة: 669 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 1.
9) الإرشاد (للشيخ المفيد) / المجلد: 1 / الصفحة: 80 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
10) الكافي (للشيخ محمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 4 / الصفحة: 559 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
11) بحوث في الملل والنحل (للشيخ جعفر السبحاني) / المجلد: 1 / الصفحة: 339 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات