تقسيم الأعمال المنزلية ورعاية الزوجة من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام
السيد حسين الهاشمي
منذ يومتقسيم الأعمال في المنزل ورعاية حال الزوجة من الموضوعات الحيوية التي تعكس القيم الاجتماعية والأخلاقية في الإسلام. فالأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وتوزيع الأدوار والمسؤوليات داخلها يلعب دورًا محوريًا في تعزيز الاستقرار والانسجام. ومن الشخصيات البارزة التي تجسد هذه المبادئ في سيرة حياة المسلمين هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي يُعد نموذجًا يُحتذى به في كيفية إدارة الحياة الأسرية.
لقد تميز أميرالمؤمنين عليه السلام بحكمته وعمق تفكيره، وكان يُعطي أهمية كبيرة لرعاية الزوجة وتقدير دورها في الأسرة. فقد كان يؤمن بأن التعاون بين الزوجين يُعزز من الروابط الأسرية ويُسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك. في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام، نجد العديد من المواقف التي تُظهر كيف كان يوزع المهام المنزلية بشكل عادل، مُراعيًا احتياجات زوجته وحقوقها، مما يُعكس فهمًا عميقًا لمفهوم الشراكة الزوجية. علاوة على ذلك، يُظهر أمير المؤمنين عليه السلام كيف يمكن للزوج أن يكون داعمًا ومساندًا لزوجته في كافة جوانب الحياة، سواء في الأمور المنزلية أو في الرعاية النفسية والعاطفية. لقد كان يُعبر عن حبه واحترامه لزوجته من خلال أفعاله، مما يُعزز من قيمة الاحترام المتبادل في العلاقة الزوجية.
لهذا سنستعرض بعض الجوانب المضيئة من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في تقسيم الأعمال المنزلية ورعاية حال الزوجة، مُستندين إلى مصادر تاريخية ودينية. وسنسلط الضوء على الدروس المستفادة من هذه السيرة العطرة، وكيف يمكن تطبيقها في حياتنا اليومية لتعزيز العلاقات الأسرية وبناء مجتمع قائم على المحبة والاحترام.
تقسيم المهام بناء على القدرات والمهارات
كان أمير المؤمنين عليه السلام يُدرك أهمية توزيع المهام وفقًا للقدرات الفردية. فقد كان يُشجع على الاستفادة من مهارات الأفراد لتحقيق الأهداف المشتركة. كما نشاهد في غزوة خيبر، على سبيل المثال، عُهد إليه بقيادة جيش المسلمين، وكان ذلك بناءً على شجاعته وكفاءته العسكرية. هذا الاختيار لم يكن اعتباطيًا، بل جاء نتيجةً لفهم الإمام العميق لقدراته ومهاراته، مما أدى إلى تحقيق النصر. كان أمير المؤمنين عليه السلام يُؤمن بالعدالة في توزيع المهام، حيث كان يُراعي قدرات الأفراد واحتياجاتهم. فقد كان يُعطي كل شخص المهمة التي تتناسب مع مهاراته، في سياق الحكم، كان يُعين الولاة والقضاة بناءً على كفاءاتهم ومعرفتهم، مما ساهم في بناء نظام إداري قوي وفعال. ففي هذا السياق وصى عليه السلام إلى إبنه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: « اجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ خَدَمِكَ عَمَلًا تَأْخُذُهُ بِهِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَلَّا يَتَوَاكَلُوا فِي خِدْمَتِكَ » (1). وأيضا قال عليه السلام:« مَنْ أَوْمَأَ اِلَى مُتَفَاوِتٍ خَذَلَتْه الْحِيَلُ» (2).
المشاركة والمساعدة في أعمال المنزل
تتجلى القيم الأخلاقية في سيرة أميرالمؤمنين عليه السلام من خلال تعامله مع أفراد أسرته. كان يُظهر الاحترام والتقدير لزوجته، ويعتبرها شريكة له في الحياة. هذه القيم تُعزز من روح المودة والرحمة في العلاقة الزوجية، مما يُسهم في بناء بيئة أسرية صحية. كما كان يُحثّ على المساعدة في الأعمال المنزلية كجزء من الواجبات الإنسانية، وليس كعمل ثانوي. فعندما يشارك الزوج والزوجة في الأعمال المنزلية، يشعر كل منهما بالتقدير والاحترام، مما يُعزز من روح التعاون والمودة.
وهذه الحكاية الجميلة في هذا السياق حيث روي: « دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على علي عليه السلام فوجده هو وفاطمة سلام الله عليهما يطحنان في الجاروش فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أيكما أعيى؟ فقال علي: فاطمة يارسول الله. فقال لها: قومي يا بنية، فقامت وجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم موضعها مع علي عليه السلام فواساه في طحن الحب » (3). وقد روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: « كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَحْتَطِبُ وَ يَسْتَقِي وَ يَكْنُسُ وَ كَانَتْ فَاطِمَةُ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْهَا تَطْحَنُ وَ تَعْجِنُ وَ تَخْبِزُ» (4).
احترام آراء ورغبات الزوجة
كان أميرالمؤمنين عليه السلام يُؤمن بأهمية الاستماع إلى آراء زوجته، فاطمة الزهراء عليها السلام، ويُعتبرها شريكة له في اتخاذ القرارات. يُروى أنه كان يستشيرها في العديد من الأمور، سواء كانت شخصية أو اجتماعية، مما يُظهر تقديره لذكائها ورؤيتها. هذا الاحترام لم يكن مجرد كلمات، بل كان سلوكًا يُمارسه في حياته اليومية، حيث كان يُعطي أهمية كبيرة لرأيها في شؤون الأسرة والمجتمع. إلى جانب احترام الآراء، كان أمير المؤمنين عليه السلام يُظهر تقديرًا كبيرًا لرغبات زوجته. كان يسعى لتلبية احتياجاتها ورغباتها، سواء كانت بسيطة أو معقدة. يُظهر هذا التقدير كيف أن العلاقة الزوجية يجب أن تكون قائمة على التفاهم والرعاية المتبادلة. فعندما يشعر الزوج بأن رغبات زوجته مهمة، يُعزز ذلك من شعورها بالراحة والأمان في العلاقة. وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: « فَوَ اللّهِ ما اَغْضَبْتُها و لا اَكْرَهْتُها عَلى اَمْرٍ حَتّى قَبَضَهَا اللّهُ عَزَّوَجَلّ اِلَيْهِ و لا اَغضَبَتْنى و لا عَصَتْ لى اَمرا و لَقَد كُنْتُ اَ نْظُرُ اِلَيْها فَتَنكَشِفُ عَنِّى الهُمومُ وَالاَحزانُ » (5).
الاهتمام بالاحتياجات العاطفية والروحية للزوجة
تتضمن الاحتياجات العاطفية للزوجة الشعور بالأمان، الحب، والتقدير. يجب على الزوج أن يكون واعيًا لهذه الاحتياجات وأن يسعى لتلبيتها. التواصل الجيد أحد أساسيات العلاقة الناجحة. يجب على الزوج الاستماع إلى مشاعر زوجته والتفاعل معها بصدق واهتمام. يُعزز ذلك من شعورها بالأمان والانتماء. يجب على الزوج أن يُظهر حبه واهتمامه بشكل مستمر، سواء من خلال الكلمات أو الأفعال. فالكلمات الطيبة واللفتات الرومانسية تُعزز من الروابط العاطفية. يجب أن يكون الزوج داعمًا لزوجته في الأوقات الصعبة، مما يُشعرها بأنها ليست وحدها في مواجهة التحديات. الدعم النفسي يُعزز من ثقتها بنفسها ويُقوي العلاقة. وفي هذا السياق ورد شعر عن أمير المؤمنين حول حياته عليه السلام مع فاطمة الزهراء سلام الله عليها:
« كُنَّا كَزَوْجِ حَمَامَةٍ فِي أَيْكَةٍ مُتَمَتِّعِينَ بِصِحَّةٍ وَ شَبَابٍ
دَخَلَ اَلزَّمَانُ بِنَا وَ فَرَّقَ بَيْنَنَا إِنَّ اَلزَّمَانَ مُفَرِّقُ اَلْأَحْبَابِ» (6).
التأكيد على العدالة والإنصاف في توزيع العمل
كان أمير المؤمنين عليه السلام يُحدد المهام بناءً على كفاءة الأفراد، مما يُساعد في تحقيق أفضل النتائج. فمثلاً، كان يُعطي كل شخص مهمة تتناسب مع مهاراته، مما يُعزز من شعورهم بالرضا والإنجاز. وكان عليه السلام يُشدد على أهمية الشفافية في توزيع المهام. فقد كان يُعلن عن المهام المطلوبة ويشرح الأسباب وراء توزيعها، مما يُعزز من الثقة بين الأفراد ويُشجع على التعاون. ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر حين ولاه مصر:« ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِکَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ. وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالْقَدَمِ فِي الاسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُمْ أَکْرَمُ أَخْلاَقاً وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الاُمُورِ نَظَراً.... ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ کُتَّابِكَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَکَايِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الاَخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ الْکَرَامَةُ، فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاَف لَكَ بِحَضْرَةِ مَلاَ وَلاَ تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُکَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ» (7).
التشجيع على التعلم والنمو الشخصي
كان أمير المؤمنين عليه السلام من أبرز الشخصيات التاريخية التي أسهمت في نشر العلم والمعرفة. فقد كان له دور كبير في تشجيع التعلم والنمو الشخصي. فقد قال عليه السلام: « يَا كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ. وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الانْفَاقِ... يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَاد، مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الاِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الاحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ، وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ » (8).
هذه كانت جملة من المطالب في سيرة أمير المؤمنين حول الأعمال المنزلية. نتمنى أنكم استفدتم منها.
1) نهج البلاغة (للسيد الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 405 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
2) نهج البلاغة (للسيد الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 547 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
3) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 51 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
4) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 5 / الصفحة: 86 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
5) كشف الغمة في معرفة الأئمة (للمحدث الإربلي) / المجلد: 1 / الصفحة: 363 / الناشر: مؤسسة الرضي – طهران / الطبعة: 1.
6) ديوان الإمام علي (للدكتور محمد عبدالمنعم الخفاجي) / المجلد: 1 / الصفحة: 15 / الناشر: دار إبن زيدون – بيروت / الطبعة: 2.
7) نهج البلاغة (للسيد الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 437 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
8) نهج البلاغة (للسيد الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 496 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
التعلیقات