أم البنين عليهاالسلام أسوة الأدب والوفاء
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتإن موضوع التربية الصالحة للأولاد كان وما زال من البحوث الأساسية والمهمة في الإسلام، وقد رسمت لها الشريعة المقدسة طرقا واضحة وجميلة، وطبّق أهل البيت عليهم السلام ومن ارتبط بهم هذه السلوك في حياتهم، فكانوا هم أفضل وأحسن النماذج للمسلمين، بل لجميع البشر.
واليوم رغم المشاكل العويصة والخارجة عن سيطرة الإنسان والتي تكمن في تطور التكنولوجيا وتدهور الأخلاق الاجتماعية فإن علماء الاجتماع تيقنوا أن التربية الدينية المتقبسة من السماء عن طريق الأنبياء والأوصياء عليهم السلام هي الملجأ في مثل هذه الظروف الصعبة.
فمن هذا المنطلق نريد اليوم ان نسلط الضوء على حياة أم البنين عليها السلام وكيفية تربية أولادها وكيف أنها غذتهم بحب أهل البيت عليهم السلام لنأخذ الدروس والعبرة منها.
لقد كانت أم البنين عليها السلام القدوة الحسنة والمثل الأعلى الذي يقتدى به، وكانت عنوانا للثبات والإخلاص والبسالة والتضحية والفداء والشرف والعزة والكرامة في سبيل الحق والعدالة.
وأما سبب اشتهارها بالكنية (أم البنين) عن اسمها (فاطمة) ؟
لحسها العاطفي الرفيع، ولحبها الكبير للحسن والحسين عليهما السلام، فقد روت بعض الأخبار، أنها طلبت من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، أن يعهد إلى أهل بيته بأن لا ينادي أحد بعد ذلك ـ تقصد بعد زواجها من الإمام ـ باسمها (فاطمة) مخافة أن يتذكر أبناء الزهراء عليها السلام أمهم، فيتجدد لهم الأحزان وألم الفراق، ويعود عليهم مصابهم، ويتذكروا غصصهم وأشجانهم، وعليه أرادت من الإمام عليه السلام أن يناديها بكنيتها (أم البنين) وكذلك فعل .(2)
ويظهر للمتتبع لأخبار أم البنين عليها السلام أنها كانت مخلصة لأهل البيت عليهم السلام متمسكة بولايتهم، عارفة بشأنهم، مستبصرة بأمرهم، فكانت هذه المبجلة قد أضاءت طريق الإصلاح لحالها ولحال أولادها حيث غذتهم بهذا الأمر، وجعلتهم ذائبين ومخلصين لأهل البيت عليهم السلام، فأحسنت تربيتهم، وجعلتهم فدائين ومضحين بأنفسهم في سبيل الإسلام وأخوتهم من ولد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام
ومضتْ على تلك السيرة الحسنة مع الحسنين عليهما السلام تنكَبُّ عليهما كالأمّ الحنون، هما واختاهما زينب الكبرى وأم كلثوم عليهما السّلام بل ذكر بعضُ أصحاب السير أن شفقتها على أولاد السيدة الزهراء عليها السّلام وعنايتها بهم كانتْ أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة: العبّاس وإخوته، عليها وعليهم السّلام، بل هي التي دفعتهم لنصرة إمامهم وأخيهم أبي عبدالله الحسين عليه السّلام، والتضحية دونه والاستشهاد بين يديه.
وكان من وفائها أنّها لمّا دخل بشْر بنُ حذلم إلى المدينة ناعياً سيّد الشهداء الحسين عليه السّلام خرجتْ مذهولة مفجوعة.
قال بشر: ورأيت امرأة كبيرة تحمل على عاتقها طفلاً، وهي تشق الصفوف نحوي، فلمّا وصلت قالت: يا هذا أخبرني عن سيدي الحسين عليه السلام ، فعلمت أنها ذاهلة؛ لأني أنادي «قتل الحسين»، وهي تسألني عنه، فسألت عنها، فقيل لي: هذه أم البنين عليها السلام ، فأشفقت عليها، وخفت أن أخبرها بأولادها مرة واحدة.
فقلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله.
فقالت: ما سألتك عن عبد الله، أخبرني عن الحسين عليه السلام.
قال : فقلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك عثمان.
فقالت: ما سألتك عن عثمان، أخبرني عن الحسين عليه السلام.
قلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك جعفر.
قالت: ما سألتك عن جعفر، فانّ ولدي وما أظلته السماء فداءً للحسين عليه السلام ، أخبرني عن الحسين عليه السلام.
قلت لها: عظم لك الأجر بولدك أبي الفضل العباس.
قال بشر: لقد رأيتها وقد وضعت يديها على خاصرتها، وسقط الطفل من على عاتقها وقالت : لقد قطعت نياط قلبي، أخبرني عن الحسين.
قال : فقلت لها: عظم الله لك الأجر بمصاب مولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام.(3)
ما أعظم موقفها عليها السلام وأعظم مصابها برزية الامام، مما يكشف عن مدى إيمانها ورسوخ اعتقادها وولاءها الوثيق وحبها الذي لا يوصف للحسين عليه السلام ، ولطالما كانت تقول : ليت أولادي جميعاً قتلوا، وعاد أبو عبد الله الحسين عليه السلام سالماً.
إنّ شدة حبها للحسين عليه السلام يكشف عن علو مرتبتها في الايمان والوفاء وقوة معرفتها بمقام الامامة بحيث تستسهل شهادة أولادها الأربعة -وهم لا نظير لهم أبداً - في سبيل الدفاع عن إمام زمانها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ العباس رائد الكرامة (للقرشي) : ٣٦.
2ـ الخصائص العباسية ـ ص 25.
3ـ امّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين:ج 1، ص 147.
التعلیقات