أسرار السعادة الحقيقية
السيد حسين الهاشمي
منذ أسبوعيوم السعادة العالمي (World Happiness Day) يُحتفل به سنويًا في 20 مارس. يُعقد هذا اليوم بهدف تعزيز السعادة والبهجة بين الناس، وكذلك التأكيد على أهمية الشعور بالسعادة في حياة الأفراد والمجتمعات.
تم تقديم هذا اليوم لأول مرة في عام 2013 من قبل منظمة الأمم المتحدة عندما أدركت الدول المختلفة في الاجتماع العام للأمم المتحدة أهمية السعادة والبهجة كأهداف مهمة للتنمية المستدامة. في هذا الاجتماع، أكد ممثلو الدول على أن قياس تقدم دولة ما لا يقتصر فقط على النمو الاقتصادي، بل يجب أن يشمل أيضًا الأبعاد الاجتماعية والنفسية. وهدفه هو تشجيع الدول المختلفة على قياس وتحسين جودة حياة الناس من خلال زيادة السعادة والبهجة. في هذا اليوم، تُنظم أنشطة مختلفة مثل ورش العمل، والندوات، والحملات الاجتماعية، التي تسهم في تعزيز القيم الإيجابية، والعلاقات الاجتماعية، وتحسين الصحة النفسية. كما يتم في هذا اليوم نشر تقارير عالمية حول مستوى السعادة في الدول المختلفة، حيث تشير إلى العوامل المؤثرة على السعادة وجودة الحياة.
يعود سبب تسمية 20 مارس بيوم السعادة العالمي إلى حقيقة أن هذا التاريخ يُعتبر يومًا مميزًا ورمزيًا في التقويم. في العديد من الدول، يتزامن هذا اليوم مع بداية فصل الربيع وولادة الطبيعة من جديد، مما يُعتبر رمزًا للتجديد والأمل والحيوية.
يوم السعادة العالمي هو فرصة للتركيز على أهمية السعادة والبهجة في حياة البشر. هذا اليوم لا يساعد فقط في تعزيز الشعور بالسعادة، بل يعمل أيضًا كتذكير للمجتمعات والحكومات للتركيز على تحسين جودة الحياة وصحة الأفراد النفسية. مع التحديات المتزايدة للحياة الحديثة، تزداد أهمية تعزيز السعادة والبهجة كهدف أساسي في التنمية المستدامة.
تعريف السعادة والبهجة وفروقهما
البهجة هي شعور أو حالة عاطفية تظهر استجابة لتجربة إيجابية، أو نجاح، أو حدث مفرح. يمكن أن تكون هذه المشاعر مؤقتة وعابرة، وعادةً ما ترتبط بعوامل خارجية. تتضمن البهجة خصائص مثل النشاط، والانتعاش، والرضا. ومع ذلك، فإن هذا الشعور غالبًا ما ينشأ نتيجةً للأحداث الخاصة واللحظات القصيرة، وقد يتغير بسرعة.
من ناحية أخرى، تُعتبر السعادة حالة أكثر استقرارًا وعمقًا من البهجة. يُعرَّف هذا المفهوم عادةً على أنه حالة عامة من الرضا والسكينة في الحياة، والتي يمكن أن تنشأ نتيجةً لوجود القيم، والأهداف، والعلاقات المعنوية في الحياة. تتعلق السعادة أكثر بالجوانب الداخلية والفردية، ويمكن أن تتأثر بالعوامل الخارجية، ولكنها أقل ارتباطًا بالأحداث الخاصة. يمكن أن تبقى هذه الحالة مستقرة على مر الزمن وتمنح الشخص شعورًا بالأمان والهدوء.البهجة عادةً ما تكون شعورًا عابرًا ومؤقتًا يظهر استجابةً لأحداث معينة، بينما السعادة هي حالة مستقرة وطويلة الأمد تتعلق بالحياة بشكل عام.
البهجة مرتبطة أكثر بالعوامل الخارجية، بينما السعادة ترتبط أكثر بالعوامل الداخلية والفردية.
يمكن أن تتغير البهجة بسرعة وتكون تحت تأثير الأحداث اليومية، بينما تشير السعادة عمومًا إلى حالة مستقرة وأعمق من الرضا والمعنى في الحياة.
ترتبط البهجة عادةً بلحظات خاصة وتجارب مفرحة، بينما تشير السعادة إلى جوانب الحياة العامة والقيم الفردية.
السعادة الحقيقية وخصائصها
تُعرَّف السعادة الحقيقية على أنها حالة مستقرة من الرضا والسكينة الداخلية، والتي تتجاوز المشاعر العابرة واللحظات الممتعة. تنشأ هذه السعادة نتيجة لوجود القيم والأهداف والعلاقات المعنوية في الحياة، وتشمل مشاعر مثل الرضا عن الحياة، والمعنى والهدف، والعلاقات الإيجابية مع الآخرين.
السعادة الحقيقية هي حالة مستقرة موجودة بشكل مستمر في حياة الفرد. تنشأ هذه المشاعر نتيجة للمعنى والهدف في الحياة، وتكون أقل تأثرًا بالأحداث اليومية.
تنبع السعادة الحقيقية من وجود أهداف ذات معنى وقيم شخصية في الحياة. الأفراد الذين لديهم أهداف ويلتزمون بها غالبًا ما يشعرون بسعادة أكبر.
تلعب العلاقات الصحية والمعنوية مع الآخرين دورًا مهمًا في تحقيق السعادة الحقيقية. يمكن أن تساهم العلاقات الإيجابية في زيادة الشعور بالرضا والسعادة.
السعادة الحقيقية هي حالة داخلية ناتجة عن قدرة الفرد على إدارة التحديات والمشاكل في الحياة. يتمتع الأفراد السعداء حقًا بقدرة عالية على مواجهة الضغوط والتحديات اليومية.
طرق تحقيق السعادة الحقيقية
تحديد أهداف ذات معنى: يساعد تحديد الأهداف التي تعتبر ذات معنى بالنسبة لك في خلق شعور بالرضا والسعادة. يمكن أن تكون هذه الأهداف في مجالات مختلفة مثل العمل، أو التعليم، أو العلاقات.
تعزيز العلاقات الاجتماعية: الاستثمار في العلاقات الإيجابية والمعنوية مع الأصدقاء والعائلة يمكن أن يساهم في زيادة السعادة الحقيقية. قضاء الوقت مع الأشخاص الذين يدعمونك والذين تشعر معهم بالراحة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على معنوياتك.
ممارسة الامتنان: خصص وقتًا كل يوم للتفكير في الأشياء التي تشعر بالامتنان لها. يمكن أن تساعدك هذه الممارسة على التركيز على الجوانب الإيجابية في حياتك.
العناية بالنفس: ابحث عن الأنشطة التي تجعلك تشعر بالراحة وتساهم في صحتك الجسدية والنفسية. يمكن أن تكون الرياضة، التأمل، والأنشطة الفنية من الأمثلة على ذلك.
قبول التحديات: تعلم أن ترى التحديات والمشاكل في الحياة كفرص للنمو والتعلم. يمكن أن تساعدك هذه العقلية على مواجهة الظروف المختلفة بهدوء أكبر.
هل السعادة قابلة للشراء؟
للسعادة نوعان أساسيان: السعادة المادية والسعادة المعنوية.
السعادة المادية هي الشعور بالسعادة الذي ينشأ نتيجة الوصول إلى السلع والخدمات المادية. قد تؤدي اقتناء سيارة جديدة، أو شراء منزل، أو حتى الحصول على ملابس جديدة إلى لحظات من السعادة. ومع ذلك، غالبًا ما تكون هذه السعادة فورية ومؤقتة، وقد تتلاشى مع مرور الوقت، مما يشير إلى أن الاعتماد على الماديات لتوليد السعادة قد لا يكون مستدامًا على المدى الطويل.
في كثير من الحالات، يمكن أن تلبي المشتريات المادية احتياجات الإنسان الأساسية، مثل الغذاء، والمسكن، والملابس. عندما يتم تلبية هذه الاحتياجات، يُحدث ذلك شعورًا بالرضا والسعادة. يمكن أن تساعد السلع المادية في تعزيز ثقة الأفراد بأنفسهم. خاصة في المجتمعات الاستهلاكية، قد يشعر الأفراد بقيمة أكبر عند شراء السلع الفاخرة. يمكن أن يجلب شراء واستخدام السلع الجديدة لحظات ممتعة ومثيرة. ومع ذلك، فإن السعادة المادية عادة ما تكون غير دائمة وتتناقص بسرعة. أظهرت الأبحاث أن الأشخاص يعودون بسرعة إلى حالتهم الطبيعية بعد شراء سلعة جديدة، مما يؤدي إلى انخفاض شعورهم بالسعادة.
السعادة المعنوية هي الشعور بالرضا والسكينة الداخلية الذي ينشأ عادة نتيجة للعلاقات الإنسانية العميقة، والقيم، والتجارب الروحية. على عكس السعادة المادية، فإن هذا النوع من السعادة يكون أكثر استدامة وقد يزداد مع مرور الوقت.
يمكن أن تسهم العلاقات الإيجابية والعميقة مع العائلة والأصدقاء في زيادة الشعور بالسعادة المعنوية. توفر هذه العلاقات شعورًا بالانتماء والدعم. يمكن أن تساعد الأنشطة التي تعتبر ذات معنى، مثل الفن أو الرياضة في خلق شعور بالسعادة والرضا.
في النهاية، يمكن القول إن السعادة مفهوم معقد لا يمكن ببساطة تقسيمه إلى مادية أو معنوية. يمكن أن توفر السعادة المادية لحظات من الفرح، لكن هذا الشعور غالبًا ما يكون غير مستدام. من ناحية أخرى، يمكن اعتبار السعادة المعنوية مصدرًا مستدامًا للرضا والسكينة الداخلية.
السعادة في المنظور الإسلامي
حينما نراجع الروايات المروية عن أهل البيت عليهم السلام نرى أنهم قد ذكروا أمثلة متعددة للسعادة وأكثرها مرتبطة بالسعادة المعنوية التي تستمرّ في وجود الإنسان. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام: « خلو الصدر من الغل والحسد من سعادة العبد » (1). وعنه عليه السلام أيضا: « السخاء إحدى السعادتين » (2). وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « أربعة من سعادة المرء: الخلطاء الصالحون، والولد البار، والمرأة المؤاتية، وأن تكون معيشته في بلده » (3). وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « ثلاثة من السعادة: الزوجة المؤاتية، والولد البار، والرزق يرزق معيشة يغدو على صلاحها ويروح على عياله » (4).
المزاح والضحك في سيرة أهل اليت عليهم السلام
المزاح والضحك كان متداولا في سيرة أهل البيت عليهم السلام ولكن بالمقدار المناسب الذي يناسب مكانتهم بين الناس. فقد روي عن الإمام الكاظم عليه السلام: « إنَّ رَسُولَ اللّهِ کانَ يأْتِيهِ الاَعْرَابِي، فَيهْدِي لَهُ الْهَدِيةَ ثُمَّ يقُولُ مَکانَهُ: أَعْطِنَا ثَمَنَ هَدِيتِنَا! فَيضْحَک رَسُولُ اللّهِ وَ کانَ إِذَا اغْتَمَّ، يقُولُ: مَا فَعَلَ الاَعْرَابِي؟ لَيتَهُ أَتَانَا » (5). وأيضا روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا وَ فِيهِ دُعَابَةٌ؛ قُلْتُ: وَ مَا الدُّعَابَةُ؟ قَالَ: اَلمِزَاحُ » (6). لكنهم لم يفرطوا في المزاح. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام: « کثْرَةُ الْمِزَاحِ تُذْهِبُ الْبَهَاءَ وَ تُوجِبُ الشَّحْنَاءَ » (7).
1) ميزان الحكمة (للريشهري) / المجلد: 2 / الصفحة: 1304 / الناشر: دار الحديث – قم / الطبعة: 1.
2) ميزان الحكمة (للريشهري) / المجلد: 2 / الصفحة: 1304 / الناشر: دار الحديث – قم / الطبعة: 1.
3) ميزان الحكمة (للريشهري) / المجلد: 2 / الصفحة: 1304 / الناشر: دار الحديث – قم / الطبعة: 1.
4) ميزان الحكمة (للريشهري) / المجلد: 2 / الصفحة: 1304 / الناشر: دار الحديث – قم / الطبعة: 1.
5) الكافي (للكليني) / المجلد: 2 / الصفحة: 663 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
6) الكافي (للكليني) / المجلد: 2 / الصفحة: 663 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
7) غرر الحكم ودرر الكلم (التميمي الآمدي) / المجلد: 1 / الصفحة: 526 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – قم / الطبعة: 2.
التعلیقات