نموذج من عظمة تدبير المولى في قصة مريم(عليها السلام)
الشيخ مالك المصلاب
منذ 7 سنواتكانت تأتيها مائدة من السماء، وهي في صحة وسلامة في أمرها، وذلك عندما وصلت إلى تلك مكانة عند الله سبحانه وتعالى، فيقول جل ذكره في كتابه الحكيم:
﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (1)
فاختارها الله ونفح فيها من روحه حتى حملت حملها، ولكن حينما كانت على وشك الولادة وهي تريد وضع ما كانت تحمل في أحشائها حينها تمنت الموت:
﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ (2)
بعد وضع حملها لم تأتها تلك المائدة التي كانت سابقاً معتادة عليها بل جاءها النداء بأن تهز جذع النخلة!
﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ (3)
الحكمة:
كانت مريم(ع) في حالة الطلق تحتاج إلى الحركة، لذلك اقتضت حكمة الله أن تقوم بهز جذع النخلة، وروي أنها كانت تهز الجذع برجلها.
إن الله سبحانه عليم حكيم، هو أعلم أين مصلحتنا وحاجتنا، فقد يجعل رزق شخص سهلاً كشرب الماء، وقد يجعل رزق شخص صعبًا مُرُّا كأكل الحنظل.
الفقر والغنى، والمرض والصحة، وكل شيء يعتري الإنسان لحكمة ما، قدّرها عـلينا أحـكم
مَن في الوجود.
إننا لنثق في الدكتور الماهر عندما يعطينا الدواء الـمـر، ويعطي غيرنا الـدواء الحـلو، لـن نعترض عليه ونقول له لماذا لنا الدواء المر، ولهم الدواء الحلو، سنكون عـلى اطمئنان بـأن الـدواء المر ينصب في مصلحتنا.
فإذا كان الأمر يعود إلى الله سبحانه – وذلك بعد سعينا فيما أوجبه الله علينا - فأين محل سؤالنا واعتراضنا عليه؟
روي في حديث قدسي أنه جل جلاله قال:
إِنَّ مِنْ عِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يَصْلُحُ إِيمَانُهُ إِلَّا بِالْفَقْرِ ولَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ
وإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يَصْلُحُ إِيمَانُهُ إِلَّا بِالْغِنَاءِ ولَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ
وإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يَصْلُحُ إِيمَانُهُ إِلَّا بِالسُّقْمِ ولَوْ صَحَّحْتُ جِسْمَهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ
وإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يَصْلُحُ إِيمَانُهُ إِلَّا بِالصِّحَّةِ ولَوْ أَسْقَمْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ
إِنِّي أُدَبِّرُ عِبَادِي لِعِلْمِي بِقُلُوبِهِمْ فَإِنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ. (4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران :37
(2) سورة مريم: 23
(3) سورة مريم: 25
(4) التوحيد (للصدوق): ص 400
التعلیقات