استقرض علي عليه السلام ثلاثة أصوع من الشعير
عزّ الدين بحر العلوم
منذ 9 سنواتاستقرض علي عليهالسلام ثلاثة أصوع من
شعير :
علي عليهالسلام ، وهو صهر الرسول ، وابن عمه والمقرب عنده ، والذاب عن الإسلام.
وفاطمة بنت الزعيم الروحي ، والعسكري للمسلمين.
والحسنان ريحانتا رسول الله صلىاللهعليهوآله وولداه وحبه لهما أشهر من أن يتحدث عنه.
ومع كل هذا الخصوصيات نرى هذا البيت يخلوا من طعام يفطرون عليه مع ما عليه هذه العائلة من قلة العدد بحيث يضطر الإمام عليهالسلام أن يستقرض ثلاثة أصوع من شعير ليكون قوتاً
لهم في إفطارهم لصوم نذره لشفاء ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله .
ولم يحدثنا التاريخ ان الرسول الأعظم ، وهو القائد الأعلى للمسلمين والأب الروحي لهم ، وولي الأمر ، ومن بيده بيت المال المسلمين رعى هذا البيت من الجهة المالية بأكثر مما كان يرعى يه بقية البيوت.
ان فاطمة بنت محمد : صلىاللهعليهوآلهوسلم والذي كان يقبل يديها ويقول مفتخراً ليعلم الناس بمكانتها عنده ( فاطمة أم أبيها ) ، ويسلم عليها عند خروجه من المسجد ، وفي طريق عودته منه عنده كبقية نساء المسلمين.
وعلي : وهو الذي اتخذه أخاً عندما آخى بين المسلمين بعضهم مع البعض عنده من هذه الجهة كفرد من أفراد المسلمين من الجهة المالية.
والحسنان : ولطالما رأى المسلمون النبي صلىاللهعليهوآله يطيل في سجوده لأن ، أحدهما جلس على ظهر جده فلا يريد أن ينحى لئلا ينزعج الطفل فيفسد عليه بسمته ، وفرحته.
هذا البيت الطاهر بهذه الأسرة الكريمة نراه خالياً من ثلاثة أصوع من الشعير يقتات بها أهله.
وهكذا تتجلى الأمانة على الأموال ، والترفع عن مد اليد إلى أموال المسلمين وإن كان ذلك من مثل رسول الله صلىاللهعليهوآله وهوالولي ، والمشرع الذي لا يقف في وجهه شيء.
وفاطمة تطحن الشعير ـ ومن خلال هذا العمل تظهر عملية التكافل لتبرز بأجلى
صورة عاطفية :
ففاطمة بنت النبي ، وزوجة أمير المؤمنين ، وأم الحسنين ، وسيدة نساء العالمين تتحمل المسؤلية بنفسها ، فتطحن الشعير ، وتخبزه ، وهي صائمة مع وجود خادمتها فضة في البيت.
هكذا فليكن العطف والنحو نحو الخدم ، والمساعدين ان الإسلام لا يريد من الفرد ان يفرض سيطرته على الأفراد بغض النظر عن شخصية هذا الفرد فالناس اكرمهم عند الله اتقاهم ، وهم كأسنان المشط لافضل لأبيضهم على أسودهم ، ولا العكس إلا بالتقوى.
وإنما أجاز أن يخدم بعضهم بعضاً بعنوان المساعدة ، ولقاء أجور يتقاضاها من يقدم الخدمة.
أما أن يكون ذلك سبباً لتسلط أحدهم على لآخر تسلطاً يشوبه الظلم والاستعلاء ، والتكبر فهذا ما لا يريده للمسلمين.
وحري بسيدات المجتمع وأمهات البيوت أن تكون هذه الحادثة هي المقياس للمعاملة مع الخدم والمساعدين ، وكل الطبقات الضعيفة المحرومة.
إن على ربة البيت أن تفكر أن الخادمة انسانة مثلها ، وليس على الله بعزيز ان يمكنها لتكون أم بيت مثلها ، ولكن لحكمة اقتضت هذا التفريق بينهما فتكون هي أم بيت وتلك خادمة.
ان التاريخ يحدثنا عن سيرة أهل البيت عليهمالسلام مع خدمهم وجواريهم فيعطينا صوراً رقيقة لمعاملة حسنة تنسي الخادم ، أنه يخدم في البيت.
فهذا أمير المؤمنين عليهالسلام تقول مصادر التاريخ عنه انه كان يشتري الثوبين له ولغلامه قنبر ، ويخيره أولاً بانتقاء أحسنهما.
وفي صورة أخرى من صور العطف نرى الإمام زين العابدين عليهالسلام في مشهد من المشاهد المألوفة في تلك الأيام تصب الجارية الماء على يده فيقع الأبريق على رأسه أو يده فيشجه ، وقبل أن يلتفت الإمام إلى الجارية تسارع الجارية والخوف قد أخذ مأخذه منها.
فتقول للإمام : والكاظمين الغيظ.
فيجيب الإمام : كظمت غيظي.
وتعقب الجارية قائلة : والعافين عن الناس.
فيقول الإمام : قد عفوت عنك.
وتطمع الجارية في المسامحة التي تشاهدها من الإمام فتقول :
« والله يحب المحسنين » :
فيبتسم الإمام في وجهها قائلاً : أذهبي فأنت حرة لوجه الله.
صلوات الله عليكم يا أهل بيت النبوة ويا معدن الخلق ، والسماحة ، والكرم. بهذه المعاملة الطيبة تعاملون الطبقات الفقيرة كأنهم اخوان لا خدم فلا تشعرونهم بذلة الخدمة ، بل بعزة الإنسان الذي يتطوع لمساعدة أخيه.
٤ ـ فانطلق الرسول معهم فرأى فاطمة في محرابها وقد التصق بطنها بظهرها وغارت
عيناها فساءه ذلك ! :
يدخل رسول الله صلىاللهعليهوآله على ابنته الصائمة التي أخذ الجوع منها مأخذه ، وبدلاً من أن يجدها تولول ، أو تثور في وجهه شاكية من انتقالها إلى مثل هذا البيت الذي لا تضم خباياه ثلاثة اصوع من شعير ، بدلاً من كل هذا ، وغيره يراها في محرابها تتجه إلى خالقها في خلوة حبيبه تقدسه ، وتمجده وتصلي له.
لقد فقدت فاطمة عليهاالسلام الغذاء الجسمي لأنها بذلك ضربت المثل الإعلى للمواساة ، ولكنها عوضت عنه بالغذاء الروحي لتسلم أمرها إلى الله الذي بذلوا كل نفيس في سبيل التقرب إليه.
إن هذا البيت المقدس ليكون بجدارة ، واستحقاق موضع عناية الله ، ورعايته وتقديره ليُذهب عن أهله الرجس ، ويطهرهم تطهيراً.
ولتنال هذه الأسرة الصابرة المحتسبة جزاء حبهم لله وتعلقهم به أن يقول عنهم القرآن لكريم :
( فواقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا * متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا * ودانية عليهم ظلالها وذُلّلَت قطوفها تذليلا * ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا * قواريرا من فضة قدروها تقديرا * ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا * عيناً فيها تسمى سلسبيلا * ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتم لؤلؤا منثورا * وإذ رأيت ثم رأيت نعيما وملكاً كبيرا * عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسمقاهم ربهم شرابا طهورا * إن هذا كان لكم جزاء ) (١).
وبعد كل هذا الجزاء الوافي تلقوا من ربهم الوسام الروحي الذي يفترحون به على مرور الزمن حيث قال سبحانه يختم هذه المشاهد :
( وكان سعيكم مشكورا ) (٢).
وقبل أن نودع الآيات الكريمة بمشاهدها المثيرة وبما اشتملت عليه من عرض هذه الصور الجزائية نقول : ليس ذلك مختصاً بآل البيت عليهمالسلام ليحرم منه غيرهم لا ، بل أن أهل البيت إنما نالوا ذلك لأنهم أظهر المصاديق لعباد الله المؤمنين المحبين له ، والمتفانين في ذاته المقدسة ، وقد جعل الله الباب مفتوحاً لكل فرد من الناس يرغب في إنشاء مثل هذه العلاقة معه فهو الغفور الرحيم ، وهو الذي يقبل التوبة من عباده ، وهو الذي يقول عبدي أوجدت صدراً أوسع مني فشكوتني إليه ؟.
*****************************
(١ و ٢) سورة الدهر / آية : ١١ ـ ٢٢.
التعلیقات