مقام نسيبة بنت كعب
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتفي الخامس عشر من شهر شوال المكرّم سنة 3 للهجرة وقعت معركة أحد بين المسلمين والكفّار، ولقد كانت معركة دامية حيث استشهد عدد كثير من المسلمين، وفي هذا اليوم كسرت ثنايا رسول الله صلى الله عليه وآله وأدميت جبهته، وأستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب عليه السلام.
ولقد كان للمرأة في هذه المعركة دور أساسي من الطرفين من نساء الكفار هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان، ومن النساء المسلمات السيدة نسيبة بنت كعب المازنية.
لم يبق مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلاّ أبو دجانة، وأمير المؤمنين عليه السّلام، وكلّما حملت طائفة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله استقبلهم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، فيدفعهم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ويقتلهم حتّى انقطع سيفه، وبقيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله نسيبة بنت كعب المازنية، وكانت تخرج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في غزواته تداوي الجرحى، وكان ابنها معها فأراد أن ينهزم، ويتراجع، فحملت عليه، فقالت: يا بنيّ! إلى أين تفرّ عن اللّه وعن رسوله؟
فردّته، فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها، فحملت على الرجل فضربت على فخذه فقتلته، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «بارك اللّه عليك يا نسيبة!»، وكانت تقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بصدرها، حتّى أصابتها جراحات كثيرة. (1)
تميزت أم عمارة بالإخلاص لدينها، وشجاعتها في الدفاع عنه، وهو ما تجلّى من قتالها في غزوتي أحد وحنين ومعركة اليمامة، كما عُرف عنها صبرها، فعندما جاءها الخبر بمقتل ابنها حبيب على يدي مسيلمة، قالت: «لمثل هذا أعددته وعند الله احتسبته». ومن حرصها على ابتغاء ثواب عبادتها، أتت أم عمارة إلى النبي محمد يومًا ما، فقالت: «ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء؟»، فنزلت آية: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (2) (3)
ولقد روى غير واحد: أن النبي صلى اللّه عليه وآله نظر في معركة أحد إلى رجل من المهاجرين يفر، وقد ألقى ترسه خلف ظهره، فناداه: «يا صاحب الترس، ألق ترسك، وفر إلى النار»؛ فرمى بترسه.
فقال صلى اللّه عليه وآله: «لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان، وفلان». (4)
قال ابن أبي الحديد المعتزلي: «ليت الراوي لم يكنّ هذه الكناية، وكان يذكر هما باسمهما، حتى لا تترامى الظنون إلى أمور مشتبهة. ومن أمانة المحدث أن يذكر الحديث على وجهه، ولا يكتم منه شيئا؛ فما باله كتم اسم هذين الرجلين»؟! (5)
و يرى المجلسي: أن المراد بهما هنا: أبو بكر وعمر، إذ لا تقية في غيرهما؛ لأن خلفاء سائر بني أمية وغيرهم من الخلفاء، ما كانوا حاضرين في هذا المشهد؛ ليكني بذكرهم تقية من أولادهم وأتباعهم. (6)
ــــ
1ـ سفينة البحار ومدينة الحکم والآثار: ج 8، ص 235.
2ـ سورة الاحزاب: الآية 35.
3ـ الدر المنثور في التفسير بالماثور: ج 6، ص 608.
4ـ الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله: ج 8، ص 202.
5ـ شرح النهج للمعتزلي ج 14 ص 226، والبحار ج 2 ص 133 عنه.
6ـ بحار الأنوار: ج 20، ص 134.
التعلیقات