محاربة ألإسلام عن طريق تحريض المرأة ضده
موقع شبكة كربلاء المقدسة
منذ 8 سنواتكان رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم يتجهز لفتح مكة، وكانت قريش قد ارسلت
إمرأة تدعى سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام لتتجسس لها أخبار المسلمين لأنهم عرفوا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سيغزوهم بعد أن خرقوا إتفاقهم معه صلى ألله عليه وآله وسلم . فكتب حاطب بن ابي بلتعة كتابا إلى أهل مكة يخبرهم فيه الخبر وبعثه مع سارة فخرجت سارة من المدينة، فنزل جبرائيل عليه السلام، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما فعل حاطب، فأرسل خلفها أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فأدركها في المكان الذي ذكره رسوله ألله صلى الله عليه وآله وسلم له، ورجع بالكتاب إلى رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم .
فأرسل صلى الله عليه وآله وسلم إلى حاطب فأتاه، فقال له : «هل تعرف الكتاب؟» قال نعم . قال : «فما حملك على ما صنعت ؟» قال : يا رسول ألله، والله ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحت لك، ولا احببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنه، وهم عشيرته، أما أنا فكنت غريبا، وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت عليهم منهم، فأردت أن أتخذ عندهم يدا، وقد علمت أن ألله ينزل بهم بأسه، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا .
هذه اللحظات من الضعف من قبل حاطب حيث إن عائلته كانت عند قريش وكان يخاف أن ينكلوا بها فعمد إلى هذا الفعل لأنه يريد أن يحفظوا له ذلك الصنيع فلا يؤذون عائلته إذا ما تغلبوا على جيش النبي صلى الله عليه وآله وسلم(1) .
إن هذا ألأسلوب الذي تحدث عنه حاطب بن بلتعة ـ وهو أنه كان يخشى على عائلته تنكيل قريش ـ لهو أسلوب عام تستخدمه جميع النظم التي تدعي أنها نظم ثورية على مر التاريخ حيث تعمد إلى من يخالفها في الرأي وفي الرؤية وفي العقيدة أو المتبنيات الفكرية على اي مستوى كان إذا لم تتمكن من ألإمساك به والقضاء عليه من خلال اليد التي تؤلمه فيعمدون إلى أبنائه وبناته أو إلى أمه وزوجته فيقبضون عليهم .
وفي واقع ألأمر إن هذا اللون من التصرف هو تصرف يبرهن على أن ألإنسانية لا زالت حتى ألآن تعيش في مستنقع ضحل من القيم في ظل هذه ألأنظمة، وتقبع في حضيض من التعامل مع ألإنسان الذي ينبغي أن يرفع وأن يعامل معاملة حرة كريمة، لا أن ينظر إليه على أنه حثالة أو سلعة لليع في أسواق مزاد رغبات الحكام الجائرين والمتسلطين على رقاب الناس .
وعلى أية حال فالذي يهمنا من ذلك كله هو أن عنصر المرأة كان عنصرا فاعلا في المجتمعات، وكان له تأثير كبير على أن يوصل من يجنده إلى مبتغاه بما تملك تلك المرأة من قابلية على ألتأثير ومن سحر، وبالتالي فإنها تنجح في إستخلاص المعلومات التي تريدها وفي سحبها ممن توظف للإيقاع به .
وهكذا فإننا نعرف أنهم قد أخرجوا هذه المرأة من كونها عنصرا غير فاعلٍ و وضعوها في دور تكون فيه عنصرا فاعلا ذا أثر وتأثير كبيرين يعودان عليهم بالنفع، أنهم وجدوا أن لها قابلية كبيرة على القيام بذلك ألامر وتحقيقه، فكان أن جندوها في وظيفة يمكن أن نسميها في وقتنا الحاضر وظيفة إستخباراتية .
وأبرز مصداق ودليل على ذلك ـ وهو أن للمرأة تأثيرا على الرجل بإستعمال الغرائز والسحر ألأنثوي ـ ما كان يفعله النضر بن الحارث مع المسلمين مستخدما جواريه، والذي يقول عنه المؤرخون : إنه كان يشتري الجواري المسبيات اللائي يجاء بهن من أفريقيا أو الخزر أو النبط أو من جهات أخرى من مختلف الجنسيات، ثم يأمرهن بمعاشرة المسلمين ليصرفهم عن دينهم، وكان لا يسمع بأحد يريد ألإسلام إلا إنطلق به إلى قينته فيقول : أطعميه وإسقيه وغنيه . ويقول : هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه، فنزلت فيه هذه ألآية الكريمة : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ» (2)..(3).
إذن فالنظر بن الحارث كان يمارس هذا الدور مع المسلمين في ذلك الوقت، فكان يأمر جواريه بأن يخضبن أكفهن بالحناء، بعد أن يشتريها لهن ويوفر لهن كل وسائل الغواية، فيأخذن الحناء ويضربن بهن أيديهن مستعملات ما يمكن لهن من أدوات الزينة، ويخرجن يطفن في شعاب مكة وأزقتها وهن يتغنين بهجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ونحن نعرف أن الرأي العام هو بسيط سريع ألإنخداع سرعان ما يتأثر وينخدع بمثل تلك المؤثرات، لأنه عادة يفكر بأذنه وليس بعقله . وكان من أمر النضر هذا أنه قد وقع اسيرا بيد المسلمين بعد أن خرج لقتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سرية من السرايا فجاؤوا به اسيرا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقدموه بين يديه ليُضرب عنقه فقال له : يا محمد، إستبقني للصبية والعائلة. فقال له صلى الله عليه وآله وسلم : «إن إستبقيتك لهم، فهل ترجع عما أنت فيه ؟»فقال : نعم . فعفا عنه رسولنا ألأكرم صلى الله عليه وآله وسلم واطلق سراحه، لكنه لم يحفظ العهد، بل عاد إلى ما كان عليه بأشد مما كان، وأخذ ينفق على تلك ألأمور بشكل أكثر حتى إنه حشد لفيفا كبيرا من الجواري والنساء اللواتي رحن يدرن في مكة ويتغنين بهجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبشتمه .
ولكن ألله شاء أن يجاء به أسيرا مرة ثانية في معركة بدر، فأدخلوه على رسول الله، فقال له : «الم أعف عنك» . فطلب من النبي الكريم صلى الله عليه وىله وسلم أن يستبقيه لصبيته قائلا له : إستبقني للصبية . فرفض النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك قائلا له : «تريد أن ترجع وتقول : هزئت بمحمد مرتين؟ قدمه يا علي وإضرب عنقه » . فجذبه أمير المؤمنين عليه السلام، ثم إخترط سيفه فقتله .
كما أنهم جندوا المرأة في ساحة الحرب حيث أخذ أبو سفيان مثلا الجواري ودفعهن في حربه مع الرسول ألأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حتى وصلت بهن إلى أن يخرجن مواضع الفتنة من أجسادهن أمام الجيش ألإسلامي حتى يغرين أفراد ذلك الجيس بقصد إستمالة عدد أكبر منهم إلى جانب المشركين . بل إنهم عمدوا إلى اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى في حالات السلم التي مر بها الجمعان، فصاروا يمنّونهم بالنساء وألأموال إغراء لهم، ومحاولة لحرفهم .
إذن فقد جُنّدت المرأة في شتى الميادين، وليس في حالات الحرب فقط، حتى إنهم إستغلوها نفسها، فرفعوا ما أسموه بـ «قضايا المرأة » سلاحا في وجل ألإسلام لمحاولة القضاء عليه، أو لا اقل من الحد من تحركه وإنتشاره وها نحن فيما يسمى بالعصر الحديث لكننا لا زلنا نجد هنا من يستغل هذه الظاهرة، فيعمل على مشروع القضاء على ألإسلام عبر إثارة جملة من المسائل، فهذه ألأنظمة المعادية للإسلام تحاول أن تحرض المرأة ضد ألإسلام عن طريق إثارة مواضيع لها علاقة بالميراث وما إلى ذلك مما يحاولون أن يقدحوه في نفوسهن من أنه ظلم من ألإسلام لهن، وأن مثل هذه التشريعات ليس فيها إنصاف لهن ابدا .
مع أن هذه ألأنظمة التي تسعى جاهدة إلى تحريض المرأة ضد ألإسلام إنما تفعل ذلك محاولة لإستغلال بعض النقاط التي عالج بها دين ألإسلام بعض المشاكل الحياتية التي تتعلق بالرجل والمرأة مما له صلة بالحياة الزوجية أو ألاسرية، ومن هذه ألأمور نذكر ثلاث مسائل هي :
المسألة ألأولى : قضية الميراث
إننا نعرف أن ألله تبارك وتعالى قد أعطى المرأة في قانون الميراث ألإسلامي نصف نصيب الرجل، وهذا ما تنص عليه ألآية الكريمة التي تقول : «لِلذَكَرِ مِثْلُ حَظِّ ألُأنْثَيَيْنِ» (4)، ولذا فإن هؤلاء حاولوا أن يستغلوا هذه الظاهرة ضده بإثارة هذه المسألة في نفوسهن، مع علمهم مسبقا بأن ضعيفات النفوس منهن سوف يصدقن مثل هذا الهراء، فينجرفن وراءه بعيدا عن متطلبات ثقافتهن الدينية، سيما من كان منهن على دين ألإسلام، ويخضع مجتمعهن لمنظومة ثقافية إسلامية، ويعيش في ظل آدابه وأخلاقياته، سيما أؤلئك اللواتي يمتلكن وعيا ضحلا وثقافة متدنية، لا يستطعن معهما أن يصمدن أمام مؤثرات الثقافة الهدامة الوافدة، ولا أن يقاومن إغراءها بما توفره لهن من عوامل إشباع حاجات الجسد دون الروح، مما يتناغم مع رغباتهن النفسية، والهوى الذي يتركن من أنفسهن الضعيفة ألأمارة بالسوء أن تنساق وراءه بعيدا عن كل ألأخلاقيات والقيم الدينية .
معالجة
وهؤلاء طبعا غير ملتفتين إلى أن المرأة في النظام ألإسلامي ووفق ضوابط التشريع السماوي المقدس غير مسؤولة عن النفقات في شيء مطلق، ذلك أن الواجبات ألإجتماعية كلها تقع على عاتق الرجل دون أن يحملها ألإسلام شيئا منها، فلا ألإنفاق على العائلة، ولا توفير المسكن، ولا توفير المأكل أو الملبس وما إلى ذلك من ألإلتزامات ألإجتماعية وغير ألإجتماعية كافة تدخل في نطاق مسؤوليتها، بل إنها تقع ضمن دائرة مسؤولية الرجل وحده دون سواه . فكل ما يتعلق بإحتياجات ألأسرة، سواء كانت إحتياجات طبية، أو إحتياجات متعلقة بالمعيشة، أو إحتياجات ثانوية أخرى، فإنها في عهدة الرجل دائما .
ومن هنا فإننا نود أن نثبت أمرين إختصارا لما سبق :
ألأول : أننا نجد أن المرأة هي الرابحة دوما في هذه الجنبة وليس الرجل، لأنها حينما تأخذ نصيبها من الميراث فإنما تأخذه لنفسها فقط دون غيرها إلا إن أرادت أن تجود به . أما الرجل حينما يأخذ نصيبه من ميراثه، فإنه ينفقه على أسرته وعلى عائلته وعلى إلتزاماته ألإجتماعية وما تتعلق بحيثيات الحياة كافة .
الثاني : ومن خلال هذا التقريب والتصوير للمسألة، فإننا نستغرب أن تثار مثل هذه المواضيع أو المسائل التافهة، بعد أن عرفنا أنها تصب دائما في مصلحة المرأة، لا في مصلحة الرجل .
المسالة الثانية : قضية شهادة المرأة
كما أن هؤلاء المغرضين يثيرون كذك نقطة أخرى يعتبرونها إنتقاصا من الدين ألإسلامي للمرأة، وهي أنه يعتبر شهادتها نصف شهادة الرجل، مصورين ذلك بنحو يعتبرها ألإسلام فيه دون مستوى الرجل، ويعدها ناقصة عنه .
معالجة
وهذه مغالطة، لأن ألإسلام بطبيعته لا يمكن أن يعمد إلى شل المجتمع، وهو ينظر إلى المرأة على أنها تشكل نصفه، وبهذا فإنه لا يعتبرها ناقصة، وغاية ما في ألأمر أن ألإسلام إنما يشرع أحكامه عادة نظرا إلى ألأعم ألأغلب من الحالات التي يكون عليها مدار الحكم، ونعني به ألإنسان هنا . وفي حالة المرأة التي نحن بصدد معالجتها هنا، فإن ألإسلام ينظر غلى بعض الحالات التي تمر بها، والتي يمكن أن تؤثر سلبا على نفسيتها وعلى عاطفتها، مما يدفعها لأن تكون خاضعة لذلك المجال النفسي أو العاطفي الحرج، وهو ما يؤدي بها إلى أن تُخضع كل تصرفاتها وأحكامها لذلك التأثر النفسي أو العاطفي، ألأمر الذي يجعلها تقع فريسة للكثير من أعراض تلك المرحلة، وبالتالي فإنها سوف تعاني مما يجعلها قابلة لأن تكون عرضة إلى كثير من حالات الإضطراب التي ستمر بها حينها مما له علاقة بهذا الجانب، ومنها النسيان الذي عالجه المشرع ألإسلامي عندها في مسألة الشهادة بضم إمرأة معها فيها . فدرءاً لهذا نجده قد ضم إليها شهادة إمرأة أخرى (5).
المسألة الثالثة : قضية حرمان المرأة من العمل
إن هؤلاء يصورون هذه المسألة على النحو التالي، وهو أن المرأة تشكل نصف المجتمع فإذا منعناها عن العمل فإننا حينئذ نشل حركة نصف المجتمع وهو ما يجعلنا نشله كله، ونؤدي به إلى التراجع .
معالجة
بناءاً على هذه التراكمات التي تعيش في أذهان هؤلاء، وتحكم توصورهم المشوّه بصور مسبقة رسموها للإسلام من وحي حقدهم عليه كما ذكرنا في المسألة السابقة . فإنهم راحوا يُعملون معاولهم الهدامة المستندة إلى مجموعة متراثة متراكمة من ألأكاذيب التي إختلقوها وإخترعوها من وهم خيالاتهم الموبوءة، و وحي أنفسهم المريضة الضالة للنيل من ألإسلام، وليحاولوا أن يحققوا عبرها أإغراضهم الدنيئة لوقف حركة ألإسلام، وعرقلة مسيرته التي كانت وما تزال تشق طريقها في هذه الحياة بتراتيبة تسارعية دون توقف بين ركام المشاكل والقضايا بما تحمله من منظومة عالية في القابليات على وضع الحلول لمشاكل هذه الحياة كلها، أو محاولات الوقوف بوجهها وردعها عبر رصد أبعاد تلك المسيرة ووضع العراقيل في طريقها .
أما الواقع فهو أن ألإسلام كان ولا يزال ينظر إلى المرأةعلى أنها نصف المجتمع، والدليل على هذا أن ألإسلام قد إعتبر الزواج هو نصف الدين أي أن المرأة تحقق للرجل نصف دينه .
هذا في الأمور العبادية، أما في ألأمور الدنيوية فإنها من باب أولى أن تكون النصف الثاني للرجل، والذي يكمّل ألإنسان في هذه الحياة . وبناء على هذا التصور الإسلامي فإن ألإسلام لا يمكن أن يشل المجتمع عبر تقييد المرأة وتحجيم دورها فيه، بل إننا نجده على العكس من ذلك قد أعطاها دوراً بارزاً وريادياً في كثير من الجوانب، فهناك العالمات في تاريخنا ألإسلامي، والفقيهات، وهنالك المجاهدات، وهنالك اللواتي مارسن مهنة التمريض في المعارك ألإسلامية، بل إنهن إشتركن إشتراكا فعليا في حالات معينة في بعض المعارك ألإسلامية مع الرسول ألأكرم صلى ألله عليه وآله وسلم في بعض الحالات ألإستثنائية، بل حتى غير معارك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
إذن فمن المستحيل أن يشل ألإسلام المجتمع بشل هذا النصف الذي يصوره أعداؤه على أنه يعمد إلى تحييدها وتجميدها وتحجيم دورها فيه . في حين أن ألإسلام لا يمنع المرأة عن العمل ما دامت محتاجة إليه، أما إذا لم تكن محتاجة إليه لأن ألإسلام قد كفل معيشتها ومستلزماتها وجعلها من مسؤولية الزوج، فلا داعي له حينئذ، سيما إن كانت ظروف العمل هذا تتقاطع مع خطوط الحفاظ على كرامتها وعفتها اللتين يؤكد ألإسلام عليهما في كل حال، وتحت أي ظرف .
المرأة وظروف العمل
وبناء على هذا فإن ألإسلام يقر للمرأة أن تعمل فيما لو كانت محتاجة إليه وليس لها معيل يعيلها، لكنه بشرط أن يكون مكان العمل نظيفا وغير موبوء بحيث إنه يحفظ لها عفتها وكرامتها ووجودها وحريتها كإمرأة ذات كرامة، وذات إمتياز معين يمنع ألآخرين من النظر إليها على أنها أداة تسلية متداولة ومبتذلة، أو آلة لإشباع الغرائز المسعورة .
وعليه فحينما يكون هنالك عمل يحافظ على فطرة المرأة ولا يؤدي غلى إفسادها أو إلى إهدار كرامتها، فإن ألإسلام لا يمانع من أن تلج هذا الباب، أما إذا أدى عملها إلى خلاف ذلك، بحيث إنها تهتك صونها وحجابها بواسطته، ويؤدي ألأمر إلى إفسادها، فإن ألإسلام حتما سوف لن يقبل بذلك، لأنه ينظر إلى المرأة على أنها وحدة تصنيع العقول وألأفكار، ولما كانت كذلك فإنه لا يريد بأي حال من ألأحوال، وتحت ضغط أي ظرف من الظروف كان أن تصاب وحدة التصنيع هذه بألأمراض الخُلُقية الجائحة والمعدية، والتي سوف تقضي حتما على كيان المجتمعات ألإنسانية، وتهدمها من أساساتها .
ذلك أن ألإسلام الحنيف يعي أن مثل هذه ألأمراض السارية تشكل بؤرة خطر كبيرة على المجتمعات البشرية كافة بما أنها سوف تلقي بظلالها القاتمة الحادة والمدمرة بشكل سلبي غير مقبول ولا مستاغ على جميع افراد ألأجيال اللاحقة لكل المجتمعات مهما إختلفت أعراقها وأجناسها بفعل هذا التأثير السلبي الهدام، فتحرفها عن صراط ألله سبحانه وتعالى .
المرأة والمجتمع
وألإسلام إذ يتعامل مع أمثال هذه الحالات فهو إنما يتعامل معها لأنها تصبح مصدر خطر ضخم يهدد كيان المجتمعات البشرية بما يمثله إنتقال تلك العدوى بين أفراده من تهديد حقيقي للوجود الخُلُقي فيها، بسبب سرعة إنتشار مثل هذه ألأمراض الجائحة التي تكون عادة مما يتناغم مع ميول النفس ألإنسانية، وتتفاعل بسرعة كبيرة مع رغباتها وشهواتها، مع ملاحظة أمر هام جدا هو الميل السريع والكبير عند ألإنسان في كل حال من أحواله إلى إشباع جميع هذه الرغبات والشهوات .
وعليه فدين ألإسلام الحنيف ـ تأكيدا منه على الوجود الصحيح والسليم للمجتمعات المرتكز إلى طهارة المرأة وعفتها، والمستند إليهما في كل آن ـ كان منطلق حرصه على طهارة المرأة، وحفاظه على عفتها، فحرصا على كرامة المرأة كان الحرص على طهارتها، وحرصا على طهارتها كان الحرص على عفتها . فإذا كانت عفة المرأة وطارتها وكرامتها هي المرادة والمرصودة في المنظور ألإسلامي كان لابد من إعتبار ميدانها ألأول والثاني والثالث هو البيت، بما أنها تصنع كل ذلك ـ العقول وألأفكار ـ وبما أنها هي التي تخرّج ألأجيال السليمة للمجتمع، وتربيتهم إلا أن تكون هناك ضرورة ملحة خارجة عن إرادتها وإرادة المجتمع ألإسلامي، فلا بأس حينئذ مع مراعاة الجوانب الخلقية التي أكد عليها ألإسلام، وتبنى شروطها وفق التصور ألإسلامي لطبيعة المرأة ودورها الحرج والخطير والفاعل في إعداد ألأجيال .
وهذا هو السبب ألأول وألأساس الذي أراد ألإسلام لأجله أن تكون المرأة جوهرة ثمينة بيضاء ناصعة العفة ونقية ولا تشوبها شائبة .
فالإسلام حريص غاية الحرص وإلى أبعد تلك الغايات على تربية ألأجيال تربية سليمة، وتنشئتهم تنشة قويمة بحيث إنها تحفظ للمجتمع وجوده الصحيح والسليم والخالي من ألأمراض وألآفات ألإجتماعية، وتحفظ له كيانه الصالح بعيدا عما يفسده من أمصال تلك الدعوات .
فألإسلام إذن ينظر إلى ألمرأة على أنا صانعة ألأجيال، وأنها المباءة التي تربي ألأجيال، فهي تصنع العقول وتصنع ألأفكار، وإذا كان ألأمر كذلك فإننا نعي حينها مدى ألإهتمام الكبير الذي يوليه ألإسلام لها في سبيل الحفاظ عليها .
وبالتأكيد إذا ما رأينا ولدا غير ناضج أو غير متزن فحتما بأنه ليس وراءه أم ناضجة، والعكس من ذلك هو الصحيح، ذلك أن الولد ـ كما هو معروف وثابت ـ لا يأخذ من أمه الحليب فقط بل إنما يأخذ منها مع الغذاء ألأخلاق والتربية والقيم والمبادئ وألإلتزام بتلك المبادئ والصمود عليها وتطبيقها في الحياة العملية .
وبناء على هذا فإن هذا ألإشكال الذي يضعه هؤلاء هو إشكال تعسفي غير وارد، وهو نابع من هوى يقبع في ظلمات نفوس هؤلاء ودياجير عقولهم الحائرة بما إعتادوا أن يكونوا عليه من محاولات لتسقيط مكانة ألإسلام في نفوس الناس، وإبعادهم عنه، وإخراج من هو فيه منهم من ربقته، وإلا فإن الواقع الذي يأخذ برقابنا إلى التصديق به، ويحتم علينا قبوله هو أن ألإسلام يكرم المرأة غاية التكريم، ويعطيها مكانة خاصة تختلف حتى عن تلك التي يعطيها للرجل (6) .
نعم ألإسلام الحنيف إنما يمنع المرأة من العمل حينما تشكل بيئة العمل وسيلة خطر عليها، وتصبح سببا لإفسادها . ونحن نعلم أن فساد المرأة بشكل عام، وألأم بشكل خاص لا يتوقف عليها كإمرأة، بل إنه يتعدى هذا المفهوم الضيق والبليد، ويتسع ليُنظر إليه على أنه فساد ألأم أو المرأة التي تحتضن ألأجيال وألإنسان، ولذا فإنه يعتبر مرضا معديا كما أشرنا، لأنه حينئذ سوف ينتقل إلى أبنائها، ومن ثم المجتمع كله بديهة، فيستشري فيه إستشراء النار في الهشيم وإنتشارها فيه .
إذن فالمرأة إذا ما فسدت فقد فسد إبناؤها، وإذا ما فسد أبناؤها فسد المجتمع، وبهذا فإن المجتمع الذي يدعو إليه القرآن الكريم وألإسلام الحنيف سوف لن يكون ولن يوجد، وهو ما يخالف منطلقات ألإسلام في بناء ذلك الوجود الصالح القائم على أساس ألأخلاقيات الدينية، والمرتكزة إلى المبادئ والقيم السماوية، والمبتني على ألأحكام ألإلهية المقدسة .
موقف بعض المذاهب ألإسلامية من تعليم المرأة
و الغريب أننا لازلنا حتى الساعة نجد أن هناك من يأخذ بممجموعة من ألأحاديث والورايات التي ترويها المذاهب ألإسلامية ألأخرى ويتمسكون بها، وهي روايات تمنع المرأة من التعلم أو حفظ بعض سور القرآن الكريم كسورة (يوسف) مثلا (7) . ونحن نجزم بأن هذه الروايات هي روايات ضعيفة وغير صحيحة، لأنها تتنافى مع الخطوط العامة للإسلام الذي يصرح على لسان رسوله الكريم بالقول : «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»(8).
وحينما نشكل على أولئك المتمسكين بأمثال هذه الروايات التي نسمها بالضعف وعدم الثبوت فإنهم يردّون علينا بأن رواتها فلان وفلان، وهؤلاء ممن لا يمكن تكذيبه .
إذن فهؤلاء يقدمون فلانا وفلانا حتى وإن تنافت رواياتهم مع الخطوط العامة للإسلام، مع الخطوط العامة للعقل الذي تعبّـدنا ألله تبارك وتعالى به .
وليعلم هؤلاء بأن ألإسلام يفتح أمام المرأة مشاركة الرجل في بعض الفعاليات الحياتية وبعض ميادينها التي يكون لها مدخل هام ورئيس في وجود ألإنسان، لما لها من أهمية في تحديد وجوده وكيانه ومستقبله . ولسنا ندري لماذا يأتي البعض ليحاول أن يغلق تلك ألأبواب والطرق في وجه المرأة، والتي فتحها ألإسلام لها، كي تساهم في بناءالمجتمع الصالح، مشوّها بذلك صفحته الناصعة، ومبعدا عنه من يريد أن يدخل فيه .
نعم إن ألإسلام قد حافظ على عفة المرأة، وحافظ على كرامتها، ودعا إلى ضرورة تأمين ذلك لها وعدم إنتهاكه، وعليه فإن علينا أن نجعلها تشعر بالمسؤولية إذاء إرادة ألإسلام هذه ونحوها، ومن كونها يجب أن تكون إمرأة صالحة عفيفة كريمة، لكن علينا ألّا نبعدها عن المجتمع، بل علينا أن نضع في حساباتنا أنها يجب أن تكون في مجتمع فاضل تشكل هي نصفه، وأن علينا أن نطلب منها أن تقوم بدورها ألإيجابي والفاعل في بنائه وتأسيس كيانه وفق شروط المشرع ألأقدس، وعلى ضوء ألاسس التربوية الصحيحة المرتكزة إلى نُظُم السماء والخاضعة لها .. ذلك أننا حينما نضعها في ذلك المجتمع الفاضل، فإننا نكون قد بذرنا في هذا الوجود بذرة المجتمع السليم، وصنعنا منها إمرأة فاضلة بنّاءة تحافظ على ديمومة الفضلية في ذلك المجتمع، وتسهم في ألإبقاء على نقاوته وطهارته، فتخلق بكل ذلك ألأجيال الصالحة فيه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر قصة حاطب هذا في ألإرشاد 1 : 57 ـ 59 مجمع البيان 9 : 445 ، كشف الغمة 1 : 216 ـ 217 ، المصنف (إبن ابي شيبة ) 8 685 / 29 ، الجامع لأحكام القرآن 18 : 50 ، تاريخ المدينة 3 : 1083 .
(2) لقمان : 6 .
(3) الجامع لأحكام القرآن 14 : 52 ، روح المعاني 21 : 67 .
(4) النساء : 11 .
(5) وهذا دليل واضح على أن ألإسلام قد أعطى للمرأة حق الشهادة وإلا لم يعتبر شهادةإمرأتين ولا ثلاث نساء ولا أكثر . فقبوله بشهادة إمرأتين . وإقراره لها دليل على إعطاء المرأةحق الشهادة في الميادين الحياتية عامة .
(6) كما في حديث : «الجنة تحت أقدام ألأمهّات» . مستدرك وسائل الشيعة 15 : 180 / 17933 ، مسند الشهاب 1 : 102 / 118 ، كنز العمال 16 : 461 /45439 .
وجاء رجل إلى النبي صلى ألله عليه وآله وسلم فقال له : يا رسول ألله ، من أبِّر ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : «أمك» . قال : ثم من ؟ قال صلى ألله عليه وآله وسلم : «أمك». قال : ثم من ؟ قال صلى ألله عليه وآله وسلم : «أمك» . قال : ثم من ؟ قال صلى ألله عليه وآله وسلم : «أبوك» . الكافي : 2 : 159 / 9 .
إلى غيرهما من ألأحاديث الشريفة الواردة في هذا المضمار .
(7) أنظر الكافي 5 : 516 / 1 . وعلل بعض ألأعلام ذلك بأن فيها حكاية العشق ، وقال في روضةالمتقين : « ولعل عدم تعليم سورة (يوسف) وتعليم سورة (النور) مختصان بالعرب وبمن يعرف معانيها ، ويؤديه ما رواه الكليني في القوي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : «لا تعلموا نساءكم سورة (يوسف) ، ولا تقرءوهن إياها ، فإن فيها الفتن ، وعلموهن سورة (النور) فإن فيها المواعظ ...»روضة المتقين 12 : 48 ، طبع شركة دار المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بيروت .
(8) مصباح الشريعة : 22 ، مشكاة ألأنوار 226 ، عوالي اللآلي 4 : 70 /36 ، شرح مسند ابي حنيفة : 527 ، المبسوط (السرخسي) 1 : 2 .
التعلیقات