صلة الذرية الصالحة
قد مضى في الاحاديث النبوية المروية عن ابن أبي عمير وابي بصير عن ابي عبدالله عليهالسلام في صدر المقدمة ماهو صريح في الحظ على ذلك ، ولا ريب أن في صلتهم من الثواب ما لا يحصى كثرة ، فان الله قد اكد الوصية فيهم ، خصوصاً اذا كانوا أرحاماً للواصل
.وقد روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه عن أبي عبدالله عليهالسلام أنه قال : قوله تعالى ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا ) نزلت في صلة الامام. وقال : درهم يوصل به الامام أفضل من ألف ألف درهم في غيره. وقال : من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي اخوانه يكتب له ثواب صلتنا ، ومن لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا.
وأيضاً روى الثقة الكليني باسنادين أنها نزلت في صلته.
ولا يتوهم من ذلك احتياجه الى الصلة ، لما رواه الثقة الكليني عن الحسين بن محمد بن عامر قال : قال ابو عبدالله عليهالسلام : من زعم أن الامام محتاج الى ما في أيدي الناس فهو كافر ، انما الناس محتاجون أن يقبل منهم الامام ، قال الله عز وجل ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا )
وفي الحديث المستفيض عن النبي صلىاللهعليهوآله ورواه الشيخ في التهذيب باسناده عن عيسى بن عبدالله عن ابي عبدالله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من صنع الى أحد من أهل بيتي يداً كافأته يوم القيامة.
وباسناده عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن بعض اصحابنا عن ابي عبدالله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : اني شافع يوم القيامة لاربعة اصناف ولو جاؤا بذنوب أهل الدنيا : رجل بصر ذريتي ، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق ، ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب ، ورجل سعى في حوائج ذريتي اذا طردوا أو شردوا.
وفي من لا يحضره الفقيه عن الصادق عليهالسلام : اذا كان يوم القيامة نادى مناد : أيها الخلائق أنصتوا فان محمداً يكلمكم. فتنصت الخلائق ، فيقوم النبي صلىاللهعليهوآله فيقول : يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافئه. فيقولون : بآبائنا وأمهاتنا وأي يد وأي منة وأي معروف لنا ، بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق. فيقول : بلى ، ومن آوى أحداً من أهل بيتي أو برهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافئه. فيقوم أناس قد فعلوا ذلك ، فيأتي النداء من عند الله : يا محمد ياحبيبي قد جعلت مكافأتهم اليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت. قال : فيسكنهم في الوسيلة حتى لا يحجبون عن محمد وأهل بيته.
قلت : قد تضمن ذلك كله الحض العظيم منه صلىاللهعليهوآله على صلة ذريته وأطائب عترته ، وقد وظف سهم الله سبحانه وسهمه لاولى الناس به وأقربهم اليه نسباً ، وهو الامام القائم مقامه ، مضافاً الى ما له بالاصالة ، وجعل النصف الاخر لباقي قرابته ـ أعني يتامى اهل بيته ومساكينهم وأبناء سبيلهم رعاية لصلتهم.
وفي صحيحة ربعي بن عبدالله بن الجارود عن الصادق عليهالسلام : ان رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس ، يأخذ خمس الله عزوجل لنفسه ، ثم يقسم الاربعة الاخماس من ذوي القربى واليتامى والمساكين ، يعطي كل واحد منهم حقاً.
وهو محمول على أنه كان يأخذ دون حقه توفيراً على قرباه ، جمعاً بين ذلك وبين الاخبار الصحيحة الصريحة في قسمة الخمس ستة أسهم.
والحق ان الصدقة المندوبة لها حكم الواجبة في التحريم عليه وعلى أهل بيته الذين هم الائمة المعصومين عليه و عليهمالسلام ، فلا يكون في عدم دفعها اليهم ترك لصلتهم ، وهو الذي اختاره العلامة في التذكرة ، لما فيهم من الغض والنقص وتسلط المتصدق وعلو مرتبته على المتصدق عليه ، ومنصب النبوة والامامة أرفع من ذلك وأجل وأشرف. بخلاف الهدية ، فانها لا تقتضي ذلك.
أما سائر بني هاشم فصدقات بعضهم على بعض حلال ، والمفروض من صدقات غيرهم عليهم حرام ، الا مع اعواز الخمس ، فانها حلال لهم عندنا للضرورة. أما المندوبة فانها حلال لهم مطلقاً.
وكذا يحل لمواليهم مطلق الصدقات عندنا ، لانهم لم يعوضوا عنها بالخمس ، فانهم لا يعطون منهم ، فلا يجوز أن يحرموها كسائر الناس ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليهالسلام.
وقد روينا بالاسانيد المعتبرة أن ترك زيارة الحسين عليهالسلام جفاء لرسول الله صلىاللهعليهوآله وعقوق له.
والاخبار الواردة في زيارة الائمة عليهمالسلام كثيرة :
فمنها ما روينا عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : من زار اماماً مفترض الطاعة كان له ثواب حجة مبرورة.
وعن الرضا عليهالسلام : ان لكل امام عهداً في اعناق أوليائه وشيعته ، وان من تمام الوفاء بالعهد وحسن الاداء زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كانت ائمتهم شفعاءهم يوم القيامة.
ولا ريب أن زيارتهم معدودة من الصلة التي قد ندب الله سبحانه اليها وأثنى على ممتثلها بقوله عزوجل ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) ، وكذا ولايتهم وعدم الاعراض عن الرواية عنهم وعدم انكار جواز الصلاة عليهم وما أنزل الله فيهم والانقياد اليهم والتحامي عن ظلمهم وتسليم حقوقهم اليهم من الخلافة والفيء والغنيمة والارث والنحلة ونحو ذلك.
وقد روى الشيخ في التهذيب باسناده عن أبي الصامت عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : الكبائر سبع : الشرك بالله العظيم ، وقتل النفس الذي حرم الله عزوجل ، وأكل أموال اليتامى ، وعقوق الوالدين ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزحف ، وانكار ما أنزل الله عزوجل. فأما الشرك بالله العظيم فقد بلغكم ما أنزل الله فينا وما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فردوه على الله ورسوله. وأما قتل النفس الحرام فقتل الحسين وأصحابه. وأما أكل أموال اليتامى فقد ظلمنا فيئنا وذهبوا. وأما عقوق الوالدين فان الله تعالى قال في كتابه ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) ، وهو أب لهم فعقوه في ذريته وفي قرابته. وأما قتل المحصنات فقد قذفوا فاطمة عليهاالسلام على منابرهم. وأما الفرار من الزحف فقد أعطوا أمير المؤمنين عليهالسلام البيعة طائعين غير مكرهين ثم فروا عنه وخذلوه. واما انكار ما أنزل الله فقد أنكروا حقه وجحدوا ما جعله الله له ، وهذا لا يتعاجم فيه أحد ، فالله يقول ( إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا )
وباسناده عن الحارث بن المغيرة البصري قال : دخلت على أبي جعفر عليهالسلام فجلست عنده فاذا نجية قد استأذن عليه ، فأذن له فدخل فجثا على ركبتيه ثم قال : جعلت فداك اني أريد أن اسألك عن مسألة والله ما اريد بها إلاّ فكاك رقبتي من النار.
فكأنه رق له فاستوى جالساً ، فقال : يا نجية سلني فلا تسألني اليوم عن شيء الا اخبرتك به. قال : جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان ؟ قال : يا نجية ان لنا الخمس في كتاب الله ولنا الانفال ولنا صفو الاموال ، وهما والله اول من ظلمنا حقنا في كتاب الله ، واول من حمل الناس على رقابنا ، ودماؤنا في أعناقهما الى يوم القيامة بظلمنا اهل البيت. فقال نجية : انا الله وانا اليه راجعون ـ ثلاث مرات ـ هلكنا ورب الكعبة. قال : فرفع جسده عن الوسادة فاستقبل القبلة ودعا بدعاء لم افهم منه شيئاً الا سمعناه في آخر دعائه وهو يقول : اللهم احللنا ذلك لشيعتنا. قال : ثم اقبل الينا بوجهه فقال : يا نجية ما على فطرة الاسلام غيرنا وغير شيعتنا ...
وهذا النحو في كتب أصحابنا لو تحرى المتصدي لحصره جمع منه مجلدات ولم يأت على آخره.
وقد روى اصحابنا اخباراً كثيرة تبلغ التواتر في التشدد من ائمة الهدى عليهمالسلام في الخمس والاستبداد به ، وعدم رخصتهم فيه الا لشيعتهم لتطيب لهم به الولادة.
ونقل المفيد عن بعض اصحابنا ان مستحق الامام حال الغيبة من الاخماس والانفال وغيرهما يرى صلة الذرية وفقراء الشيعة به على طريق الاستحباب. قال : ولست ادفع قرب هذا القول من الصواب.
قلت : يؤيده ما روى عنهم عليهمالسلام رواية مستفيضة من اباحة البعض لشيعتهم حال ظهورهم ، ففي حال الغيبة أولى.
وكذا صرفه الى أنسابهم حال الغيبة على وجه التتميم ، لاستغنائه عليهالسلام وحاجتهم ، ولان عليه العوز عن مؤنة السنة على الاقل
حال ظهوره ، فلا يسقط هذا الحكم بغيبته.
وبهذا استدل والدي قدس الله روحه على ذلك.
فان توهم متوهم أن وجوب اتمام العوز عليه من باب الحسبة ولا مانع أن يكون من غير الحصة. رددناه بأن أخذه ما يفضل من نصيبهم عن حاجتهم سنة على الاقتضاء يقتضي أن يكون ما اعوزهم من نصيبه عليهالسلام.
وممن قال بمقالة المفيد في صلة فقراء الشيعة غير الهاشميين به ابن حمزة ، وهذه عبارته : واذا لم يكن الامام حاضراً فقد ذكر فيه اشياء ، والصحيح عندي انه يقسم نصيبه على مواليه العارفين بحقه من أهل الفقه والصلاح والسداد.
والله الهادي الى سبيل الرشاد ، ومنه المبدأ واليه المعاد.
وفرغ من هذا التأليف أقل العباد الفقير الى الله المتعالى حسن ابن علي بن عبد العالي بلغه الله ما يعامله ، بمشهد ثامن ائمة الاسلام علي بن موسى الرضا عليه افضل الصلاة والسلام في شهر ربيع الاخر من شهور سنة ست وسبعين وتسعمائة من الهجرة النبوية.
التعلیقات