عناية الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين
عبّاس الذهبي
2024 Aug 14يضع الإسلام في طليعة اهتمامه مسألة توثيق العلاقة الروحية بين الزوجين قبل
وبعد عقد قرانهما ، حتى يصمدا في وجه رياح المصاعب والمصائب التي يمكن أن تعصف بعش الزوجية.
فليس خافياً بأن توثيق العلاقة مع الخالق تنعكس آثاره النافعة على المخلوق ، والملاحظ أن الإسلام يتبع خطة ثلاثية الأركان من أجل الارتقاء الروحي بالزوجين ، يمكننا الإشارة إليها بالنقاط التالية :
أولاً : المواظبة على الطاعات :
الطاعة تتحقق ـ واقعاً ـ من خلال تطبيق المنهج الرباني المعد سلفاً من أجل الارتقاء الروحي بالإنسان المسلم ، وتأتي « الصلاة » في طليعة تلك الطاعات ، فهي تربط الإنسان بربّه في أوقات متعاقبة ومنتظمة ، فستمد من خلالها شحنات روحية عالية ، الأمر الذي ينعكس ـ إيجابياً ـ على سلوكه وتعامله مع عائلته ، لا سيّما وأن الصلاة تقوم بدور الرّدع للإنسان المسلم عن الفحشاء والمنكر ، قال تعالى مخاطباً الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( .. وَأقِمِ الصَّلأةَ إنَّ الصَّلأةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ .. ) (١).
ولذلك نجد أن الرسل والأنبياء ، أمرون أهلهم بالمحافظة على الصلاة ، ومن أبرز الشواهد على ذلك ما حكاه القرآن عن سلوك إسماعيل عليه السلام السوّي ، وكيف كان يأمر أهله بالطاعات ، قال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلأةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) (٢).
كما نجد في القرآن خطاباً موجّهاً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها ، والملفت للنظر هنا أن هذا الخطاب قد ورد بعد النهي عن النظر إلى نساء الآخرين ، الأمر الذي يعني أن الطاعات وخاصة الصلاة ، تُحصن الإنسان وأهله من المفاسد الاجتماعية. تدبّر جيداً في هذا المقطع القرآني الزاخر بالمعاني : ( وَلأ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأبْقَى * وَأْمُرْ أهْلَكَ بِالصَّلأةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لأ نَسْألُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) (٣).
فمن الضرورة بمكان أن يحث ويشجع كل من الزوجين أحدهما الآخر على المحافظة على الصلاة التي تقربهما إلى الله تعالى وتبعدهما عن الفحشاء والمنكر ، خصوصاً وأن هذا الحثّ والتشجيع المتبادل يستتبع الثواب الجزيل ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته فصلّت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء » (٤).
وفي هذا الاطار لابدّ من إلفات النظر إلى أن الإسلام قد ربط بين قبول الصلاة وكمالها ، وبين العلاقة الزوجية وطبيعتها ، ويكفي شاهداً على ذلك ما ورد في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام : « .. يا علي ثمانية لايقبل منهم الصلاة .. والناشزة وزوجها عليها ساخط .. » (٥).
من جانب آخر يعتبر الصيام أحد الطاعات التي تفرز معطيات روحية واجتماعية أبرزها التقوى وابتلاء اخلاص الخلق ، قال تعالى : ( يا أيُّها الَّذينآمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الَّذين من قبلكم لعلَّكم تتّقون .. ) (٦).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيهاً عن الكبر ، والزكاة تسبيباً للرزق ، والصيام ابتلاءً لاخلاص الخلق .. » (٧). ولاشكّ بأن الإخلاص للخالق يستتبع إخلاصاً في التعامل مع المخلوقين وخاصة مع الأهل أو الزوج.
ثم إنَّ الصيام يكتسب قبوله وكماله من الالتزام السلوكي العالي للفرد المسلم مع الآخرين ، عن فاطمة الزهراء عليها السلام أنها قالت : « ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يغضّ لسانه وسمعه وبصره وجوارحه » (٨). فهو يقوم بعملية ضبط واعية لجوارح الفرد ويردعه عن الإساءة للآخرين ، كما يساهم في خلق حالة من السكينة والاطمئنان في نفسه ، قال الإمام الباقر عليه السلام : « والصيام والحجّ تسكين للقلوب » (٩).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٥.
٢) سورة مريم : ١٩ / ٥٤ ـ ٥٥.
٣) سورة طه : ٢٠ / ١٣١ ـ ١٣٢.
٤) سنن أبي داود ٢ : ٧٠ / ١٤٥٠ باب الحث على قيام الليل. ط ـ دار الفكر.
٥) مكارم الأخلاق / الطبرسي : ٥٠٠.
٦) سورة البقرة : ٢ / ١٨٣.
٧) نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : ٥١٢ / حكم ٢٥٢.
٨) دعائم الإسلام : ٢٦٨ ، وبحار الأنوار ٩٦ : ٢٩٥.
٩) أمالي الطوسي ١ : ٣٠٢ ، وبحار الأنوار ٧٨ : ١٨٣.
التعلیقات