الأخلاق الحسنة في العائلة وتأثيرها في البيت
السيد حسين الهاشمي
منذ 4 أشهرالسابع: الرفق والمداراة مع أفراد العائلة
مفتاح السعادة العائلية وزيادة التوفيق الإلهي لجميع أفراد الأسرة يكمن في الرفق والمداراة بينهم. فعندما يتعامل أفراد العائلة بلطف وتفاهم في جميع الظروف، تصبح حياتهم سعيدة وهانئة، وينالون بركة الله وتوفيقه بشكل عجيب. حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أرادَ اللّهُ بِأَهلِ بَيتٍ خَيرا فَقَّهَهُم فِي الدّينِ، و رَزَقَهُمُ الرِّفقَ في مَعايِشِهِم، وَ القَصدَ في شَأنِهِم، و وَقَّرَ صَغيرُهُم كَبيرَهُم. و إذا أرادَ بِهِم غَيرَ ذلِكَ تَرَكَهُم هَمَلًا» (1)، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: «ما اعطِيَ أهلُ بَيتٍ الرِّفقَ إلّا نَفَعَهُم» (2)، ومن الفوائد الجميلة للمداراة هي سلامة العيش كما قلنا. فيقول أميرالمؤمنين عليه السلام: « سَلامَةُ العَيشِ فِي المُداراةِ» (3)، وفي هذا الأمر ينصحنا أميرالمؤمنين عليه السلام ويأمرنا بالرفق مع النساء ويوصف لنا النساء بشكل جميل فيقول: «إِنَّ المَرأَةَ رَيحانَةٌ و لَيسَت بِقَهرَمانَةٍ فَدارِها عَلى كُلِّ حالٍ، و أحسِنِ الصُّحبَةَ لَها لِيَصفُوَ عَيشُكَ» (4).
الثامن: خدمة الزوج لزوجته
يتصور بعض الرجال أن وظيفتهم في الحياة الزوجية يقتصر على العمل وكسب المال الحلال فحسب. ولكن إذا تأملنا قليلاً، نجد أن هذا التصور غير صحيح تماماً. فللرجال أدوار داخل البيت وخارجه تجاه الزوجة والأطفال. ومن أهم أدوارهم داخل البيت هو تقديم الخدمة والمساعدة. فإذا ساعد الرجل زوجته بحنان ومن صميم قلبه، فتحبه الزوجة من صميم قلبها ويقوى الرباط العاطفي بينهما. فقد روي عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: « مَن لَم يَأنَف مِن ثَلاثٍ فَهُوَ مُؤمِنٌ حَقّا: خِدمَةِ العِيالِ، وَ الجُلوسِ مَعَ الفُقَراءِ، وَ الأَكلِ مَعَ خادِمِهِ. هذِهِ الأَفعالُ مِن عَلاماتِ المُؤمِنينَ الَّذينَ وَصَفَهُمُ اللّهُ في كِتابِهِ ﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾(5)» (6)، ويكفي في أهمية خدمة العيال قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأميرالمؤمنين عليه السلام: « قال : يا أبا الحسن قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : اسمع مني ـ وما أقول إِلاّ من أمر ربي ـ ما من رجل يعين امرأته في بيتها إِلاّ كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة ، صيام نهارها وقيام ليلها ، وأَعطاه الله تعالى من الثواب مثل ما أعطاه الصابرين داود النبي ويعقوب وعيسى عليهم السلام. يا علي ، من كان في خدمة العيال في البيت ولم يأنف كتب الله تعالى اسمه في ديوان الشهداء ، وكتب الله له بكل يوم وليلة ثواب أَلف شهيد ، وكتب له بكل قدم ثواب حجة وعمرة ، وأعطاه الله تعالى بكل عرق في جسده مدينة في الجنة. يا علي ، ساعة في خدمة العيال خير من عبادة أَلف سنة وأَلف حجة وأَلف عمرة ، وخير من عتق أَلف رقبة وأَلف غزوة وأَلف مريض عاده وأَلف جمعة وأَلف جنازة وأَلف جائع يشبعهم وأَلف عارٍ يكسوهم وألف فرس يوجهها في سبيل الله ، وخير له من أَلف دينار يتصدق على المساكين ، وخير له من أَن يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، ومن أَلف أَسير أُسر فاعتقهم ، وخير له من أَلف بدنة يعطي للمساكن ، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة. يا علي ، من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب. يا علي ، خدمة العيال كفارة للكبائر ، وتطفىء غضب الرب ، ومهور الحور العين ، وتزيد في الحسنات والدرجات. يا علي ، لا يخدم العيال إلا صدِّيق أو شهيد ، أورجل يريد الله به خير الدنيا والأخرة» (7).
التاسع: مساعدة الزوج وإعانته
في مقابل خدمة الزوج لزوجته في الأمور المنزلية وغيرها، يجب على الزوجة أن تساعد زوجها وتعينه في أعماله ووظائفه قدر استطاعتها. فهاتان الخصلتان تكملان بعضهما، ويمكن لأي شخص أن يحظى بحياة سعيدة في ظل الخدمة المتبادلة والمساعدة المشتركة. وللزوجة التي تعين زوجها في أعماله وأموره ثواب أخروي كبير وفوائد دنيوية جميلة. حيث ورد عن النبي المصطفى صلى الله عليه وآله: « أيُّمَا امرَأَةٍ أعانَت زَوجَها عَلَى الحَجِّ وَ الجِهادِ أو طَلَبِ العِلمِ، أعطاهَا اللّهُ مِنَ الثَّوابِ ما يُعطِي امرَأَةَ أيّوبَ عليه السلام» (8)، وعنه صلى الله عليه وآله أيضا: «أيُّمَا امرَأَةٍ خَدَمَت زَوجَها سَبعَةَ أيّامٍ، غَلَّقَ اللّهُ عَنها سَبعَةَ أبوابِ النّارِ، و فَتَحَ لَها ثَمانِيَةَ أبوابِ الجَنَّةِ، تَدخُلُ مِن أينَما شاءَت» (9)، ويقول الإمام الصادق عليه السلام: « إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه وآله قالَ: أيُّمَا امرَأَةٍ رَفَعَت مِن بَيتِ زَوجِها شَيئا مِن مَوضِعٍ إلى مَوضِعٍ تُريدُ بِهِ صَلاحا، نَظَرَ اللّهُ عَزَّ و جَلَّ إلَيها، و مَن نَظَرَ اللّهُ إلَيهِ لَم يُعَذِّبهُ. فَقالَت امُّ سَلَمَةَ: ذَهَبَ الرِّجالُ بِكُلِّ خَيرٍ، فَأَيُّ شَيءٍ لِلنِّساءِ المَساكينِ؟! فَقالَ صلى الله عليه وآله: بَلى، إذا حَمَلَتِ المَرأَةُ كانَت بِمَنزِلَةِ الصّائِمِ القائِمِ المُجاهِدِ بِنَفسِهِ و مالِهِ في سَبيلِ اللّه، فَإِذا وَضَعَت كانَ لَها مِنَ الأَجرِ ما لا تَدري ما هُوَ لِعِظَمِهِ، فَإِذا أرضَعَت كانَ لَها بِكُلِّ مَصَّةٍ كَعِدلِ عِتقِ مُحَرَّرٍ مِن وُلدِ إسماعيلَ، فَإِذا فَرَغَت مِن رِضاعِهِ ضَرَبَ مَلَكٌ عَلى جَنبِها و قالَ: استَأنِفِي العَمَلَ، فَقَد غُفِرَ لَكِ» (10).
العاشر: التسليم على أهل المنزل حين الدخول
التسليم على الآخرين من أجمل الأمور التي أكّد عليها الشريعة الإسلامية. فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:« أ لاَ اُخبِرُكُم بخَيرِ أخلاقِ أهلِ الدُّنيا و الآخِرَةِ؟ قالوا : بَلى يا رسولَ اللّهِ ، فقالَ : إفشاءُ السلامِ في العالَمِ» (11)، فالسلام على الآخرين يجلب المحبة بين الناس. وهذا العمل الجميل يصير ذا أهمية أكثر في العائلة. فإذا دخل أحد أفراد العائلة إلى البيت، من الجدير أن يسلم على البقية. وقد روي عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا دَخَلتَ بَيتَكَ فَسَلِّم عَلى أهلِ بَيتِكَ؛ يَكثُر خَيرُ بَيتِكَ» (12)، وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا دَخَلتَ مَنزِلَكَ فَقُل: «بِسمِ اللّهِ وَ بِاللّهِ» و سَلِّم عَلى أهلِكَ، و إن لَم يَكُن فيهِ أحَدٌ فَقُل: «بِسمِ اللّهِ و سَلامٌ عَلى رَسولِهِ و عَلى أهلِ بَيتِهِ، وَالسَّلامُ عَلَينا و عَلى عِبادِ اللّهِ الصّالِحينَ». فَإِذا قُلتَ ذلِكَ فَرَّ الشَّيطانُ مِن مَنزِلِكَ» (13).
الحادي عشر: إهداء الهدية وإدخال السرور
من أجمل الأعمال التي تقرب القلوب وتعزز المحبة بين الناس هي إدخال السرور في قلوب الآخرين، ومن أبرز الطرق لذلك هي إهداء الهدايا. في البيت، لا يجب أن يقتصر إهداء الهدايا على الآباء فقط، بل يمكن أن يكون ذلك لجميع أفراد الأسرة. بل الأولاد أيضا يمكنهم أن يعطوا الهدايا إلى البعض، ويعطوا بعض الهدايا الجميلة إلى الأبوين كعلامة على الشكر والتقدير لجهودهم وزحماتهم. وقد حثّت الشريعة الإسلامية على هذا العمل الجميل حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « مَن دَخَلَ السّوقَ فَاشتَرى تُحفَةً فَحَمَلَها إلى عِيالِهِ، كانَ كَحامِلِ صَدَقَةٍ إلى قَومٍ مَحاويجَ، وَ ليَبدَأ بِالإِناثِ قَبلَ الذُّكورِ. فَإنَّهُ مَن فَرَّحَ اُنثى فَكَأنَّما عَتَقَ رَقَبَةً مِن وُلدِ اسماعيلَ، و مَن أقَرَّ بِعَينِ ابنٍ فَكَأنَّما بَكى مِن خَشيَةِ اللّه ِ، وَ مَن بَكى مِن خَشيَةِ اللّه ِ أدخَلَهُ اللّه ُ جَنّاتِ النَّعيمِ» (14)، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «أطرِفوا أهاليكُم في كُلِّ جُمُعَةٍ بِشَيءٍ مِنَ الفاكِهَةِ أوِ اللَّحمِ حَتّى يَفرَحوا بِالجُمُعَةِ» (15).
هذه كانت جملة من الأخلاق الحسنة التي ينبغي على كل مؤمن أن يعتني بها في عائلته. نأمل أن تكونوا استفدتم منها.
1) الجعفريات الأشعثيات (لمحمد بن أشعث الكوفي) / المجلد:1 / الصفحة: 149 / الناشر: مكتبة نينوى الحديثة – طهران / الطبعة: 1.
2) تاريخ دمشق (لإبن عساكر) / المجلد: 38 / الصفحة: 123 / الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر – بيروت / الطبعة: 1.
3) غرر الحكم ودرر الكلم (لعبد الواحد التميمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 401 / الناشر: دار الكتاب الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
4) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 556 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
5) سورة الأنفال / الآية: 4.
6) تاريخ دمشق (لإبن عساكر) / المجلد: 6 / الصفحة: 29 / الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر – بيروت / الطبعة: 1.
7) جامع الأخبار (للشيخ محمد السبزواري) / المجلد: 1 / الصفحة: 275 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
8) مكارم الأخلاق (لرضي الدين الطبرسي) / المجلد: 1 /الصفحة: 439 / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت / الطبعة: 1.
9) إرشاد القلوب (لحسن بن محمد الديلمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 175 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
10) عوالي اللئالي (لإبن أبي جمهور الأحسائي) / المجلد: 2 / الصفحة: 135 / الناشر: مطبعة سيد الشهداء – قم / الطبعة:1.
11) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 76 / الصفحة: 12 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
12) عوالي اللئالي (لإبن أبي جمهور الأحسائي) / المجلد: 2 / الصفحة: 135 / الناشر: مطبعة سيد الشهداء – قم / الطبعة:1.
13) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 76 / الصفحة: 167 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
14) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 104 / الصفحة: 104 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
15) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 299 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
التعلیقات