زواج أميرالمؤمنين وفاطمة الزهراء سلام الله عليهما، أسوة لشباب مجتمعنا
السيد حسين الهاشمي
منذ 5 أيامالزواج من أهمّ السنن الإلهية التي حثّت عليه الشريعة الإسلامية، لما فيه من حفظ الدين وصيانة النفس وتكوين الأسرة التي تُشكّل نواة المجتمع. حيث قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (1).
ومن هذا المنطلق، لم يكن الزواج في الإسلام مجرّد عقد اجتماعي أو علاقة شخصية، بل هو عبادة وطريق إلى الكمال الروحي والاجتماعي. فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « إذا تزوّج الرّجل أحرز نصف دينه ، فليّتق الله في النّصف الآخر » (2). وأيضا روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: « يفتح أبواب السماء بالرحمة في أربع مواضع : عند نزول المطر ، وعند نظر الولد في وجه الوالدين ، وعند فتح باب الكعبة ، وعند النكاح » (3).
وقد خصّ الإسلام يوم الزواج بمكانة عظيمة، باعتباره نقطة انطلاق حياة مباركة مبنية على المحبة والمودّة والسكينة. وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (4). فالمودّة والرحمة هما الركيزتان الأساسيتان في بناء الحياة الزوجية، ومن خلالهما تتحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي، وتنشأ بيئة صالحة لتربية الأجيال وتنمية المجتمع.
زواج أميرالمؤمنين وفاطمة الزهراء عليهما السلام، نموذج رباني
الزواج المبارك بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها من أبهى مصاديق الزواج في الإسلام. هذا الزواج لم يكن مجرد ارتباط شخصي بين شخصين عاديين، بل كان تجسيدًا عمليًا لأسمى معاني القرب إلى الله والطاعة له. زواجهما كان مثالًا في التواضع والبساطة، بعيدًا عن التكاليف الباهظة أو المظاهر الدنيوية الخادعة. هذا الزواج هو الأسوة الأمثل لشباب مجتمعنا حتى يتعلموا منه ويتزوجوا ويشكلوا عائلتهم بشكل بسيط وفي ظلّ عنايات الله سبحانه وتعالى وبعيداً عن التكاليف الباهضة.
ولهذا، واحتفالاً بقرب ذكرى زواج أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء سلام الله عليهما، قررنا أن نكتب لكم ما نعرفه حول هذا الزواج. لكن قبل الخوض في المطلب، نرجو منكم أن تكتبوا لنا ما تعرفونه عن كيفية زواجهما كي نتعلم منكم أكثر.
الخطوبة والمشورة
عندما نراجع الروايات نرى أن ما مدى أدب أمير المؤمنين عليه السلام في خطوبته. فقد روي عن الضحاك بن مزاحم: « سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: أَتَانِي أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ فَقَالا: لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَذَكَرْتَ لَهُ فَاطِمَةَ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ وَ مَا حَاجَتُكَ قَالَ: فَذَكَرْتُ لَهُ قَرَابَتِي وَ قِدَمِي فِي الْإِسْلَامِ وَ نُصْرَتِي لَهُ وَ جِهَادِي، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، صَدَقْتَ، فَأَنْتَ أَفْضَلُ مِمَّا تَذْكُرُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاطِمَةَ تُزَوِّجُنِيهَا فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، إِنَّهُ قَدْ ذَكَرَهَا قَبْلَكَ رِجَالٌ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهَا، فَرَأَيْتُ الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِهَا، وَ لَكِنْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَقَامَتْ إِلَيْهِ، فَأَخَذَتْ رِدَاءَهُ وَ نَزَعَتْ نَعْلَيْهِ، وَ أَتَتْهُ بِالْوَضُوءِ، فَوَضَّأَتْهُ بِيَدِهَا وَ غَسَلَتْ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَعَدَتْ، فَقَالَ لَهَا: يَا فَاطِمَةُ. فَقَالَتْ: لَبَّيْكَ، حَاجَتَكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَنْ قَدْ عَرَفْتَ قَرَابَتَهُ وَ فَضْلَهُ وَ إِسْلَامَهُ، وَ إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُزَوِّجَكِ خَيْرَ خَلْقِهِ وَ أَحَبَّهُمْ إِلَيْهِ، وَ قَدْ ذَكَرَ مِنْ أَمْرِكِ شَيْئاً فَمَا تَرَيْنَ فَسَكَتَتْ وَ لَمْ تُوَلِّ وَجْهَهَا وَ لَمْ يَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَرَاهَةً، فَقَامَ وَ هُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُكُوتُهَا إِقْرَارُهَا، فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، زَوِّجْهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ رَضِيَهَا لَهُ وَ رَضِيَهُ لَهَا. قَالَ عَلِيٌّ: فَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، ثُمَّ أَتَانِي فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: قُمْ بِسْمِ اللَّهِ وَ قُلْ: عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، وَ ما شاءَ اللَّهُ، لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ جَاءَنِي حِينَ أَقْعَدَنِي عِنْدَهَا عَلَيْهَا السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا أَحَبُّ خَلْقِكَ إِلَيَّ فَأَحِبَّهُمَا، وَ بَارِكْ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا، وَ اجْعَلْ عَلَيْهِمَا مِنْكَ حَافِظاً، وَ إِنِّي أُعِيذُهُمَا وَ ذُرِّيَّتَهُمَا بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ » (5).
درسان مهمّان من خطوبة أميرالمؤمنين عليه السلام
من هذه الخطوبة الجميلة والإلهية نتعلم أمرين. أولا نتعلم من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم درسا عظيما وهو المشورة مع البنت وعدم الاستبداد بالرأي. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم رغم معرفته بمكانة أميرالمؤمنين عليه السلام، لم يُصدر قرارًا دون الرجوع إلى فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ممّا يُؤكّد أهمية المشورة والتفاهم في اتخاذ قرار الزواج، وضرورة أن تكون العلاقة الزوجية قائمة منذ بدايتها على الرضا المتبادل. والدرس الثاني هو المطلب الذي نتعلمه من فاطمة الزهراء سلام الله عليها. فهي أجابت عن سؤال والدها بحياء كامل حيث (سَكَتَتْ وَ لَمْ تُوَلِّ وَجْهَهَا وَ لَمْ يَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَرَاهَةً). حياؤها سلام الله عليها لم يكن عائقًا في التعبير عن رضاها، بل كان أسلوبًا لطيفًا استخدمه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لفهم مشاعرها. وهذا يُعلّمنا أن الحياء خلقٌ محمود لا يُقلّل من مكانة المرأة ولا من مشاركتها في القرار.
المهر الخفيف والحياة المباركة
في زمنٍ أصبحت فيه المهور الباهظة والتكاليف المادية عائقًا كبيرًا أمام إتمام الزواج، يقدّم لنا الإسلام نموذجًا نورانيًا خالدًا في زواج فاطمة الزهراء سلام الله عليها من أمير المؤمنين عليه السلام. فقد كان زواجهما المبارك مفعمًا بالدروس التربوية والرسائل الإيمانية، وعلى رأس ذلك المهر الذي توافقا عليه. فقد ورد كلام رسول الله مع أميرالمؤمنين عليهما السلام حول مهر فاطمة الزهراء سلام الله عليها: « فقال: وهل عندك من شئ تستحلها به؟ فقلت: لا والله يارسول الله. قال: ما فعلت الدرع التي سلحتكها؟ فقلت: عندي ، فوالذي نفس علي بيده إنها لحطمية، ما ثمنها أربع مائة درهم. فقال: قد زوجتكها فابعث بها إليها ، فاستحلها بها » (6).
الدرع الذي بيع ليكون مهرًا كان رمزًا للجهاد والتضحية، وتمّ تقديمه لا كقيمة مادية بحتة، بل كرمز على أن الحياة الزوجية يجب أن تبدأ بنية صافية، وتوكّل على الله، لا على المال والترف. مهر الزهراء سلام الله عليها هو دعوة صريحة لنبذ التفاخر بالمظاهر. فلو كانت الكرامة تُقاس بالمهور، لكانت مهريّة الزهراء سلام الله عليها تساوي كنوز الأرض، لكنها كانت بسيطة في حياتها، عميقة في دلالتها. الزهراء سلام الله عليها قَبِلت مهرًا متواضعًا لأنّ الزواج عندها لم يكن مشروعًا دنيويًا، بل وسيلة لتحقيق الكمال الروحي وبناء أسرة إلهية. وهذا يُعلّمنا أن الروح هي أساس العلاقات، لا الذهب والفضة. ولهذا جعل الله مهرها من عند نفسه الجنة. فقد روي: « جُعِلَتْ نِحْلَتُهَا مِنْ عَلِيٍّ خُمُسَ الدُّنْيَا وَ ثُلُثَيِ الْجَنَّةِ » (7).
وفي هذا يقول الشاعر:
و زوج في السماء بأمر ربي * بفاطمة المهذبة الطهور
و صير مهرها خمسا بأرض * لما تحويه من كرم و حور
فذا خير الرجال و تلك خير * النساء و مهرها خير المهور
مجلس عرس فاطمة الزهراء سلام الله عليها
إنّ مجلس عُرس فاطمة الزهراء سلامُ الله عليها لم يكن مجلسًا كبيرًا ولا باهظَ الثمن، بل تمّ بكلّ بساطة، وبعون الله ورعايته. فقد روي: « إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دخل على النساء فقال لهن: اني قد زوّجت ابنتي لابن عمّي، و قد علمتن منزلتها مني، و اني دافعها إليه، ألا فدونكن ابنتكن. فقمن فجعلن في بيتها فراشا، حشوه ليف، و وسادة، و كساء خيبيريا، و مخضبا... ثم ان رسول اللّه جاء الى بيته و معه علي عليهما السّلام، فهتف بفاطمة، فلما أقبلت رأت زوجها مع رسول اللّه! فقال لها رسول اللّه: ادني مني. فدنت منه، فأخذ بيدها و يد علي، فلما أراد أن يجعل كفّها في كفّ علي ضاق صدرها و دمعت عيناها ... فأقبلا حتى جلسا مجلسهما، و حولهما امهات المؤمنين من وراء حجاب ... فنهضت (أسماء) فملأت المخضب ماء و أتته به، فغسل النبيّ منه وجهه و قدميه و مجّ فيه. ثم دعا بفاطمة فقامت إليه و عليها ازارها و النقبة فأخذ كفا من الماء فضرب به على رأسها و كفا بين يديها، ثم رش منه على جيده و جلدها ... ثم خرج و أغلق عليهما الباب و انطلق » (8).
دراسة سيرة أهل البيت عليهم السلام لا ينبغي أن تبقى مجرد سردٍ تاريخي، بل يجب أن تتحوّل إلى ثقافة تطبيقية في البيوت والمجتمعات. لذا في ظل تفشّي الفتن، يصبح من الضروري تسهيل زواج الشباب في عمر مبكر، مع دعمهم نفسيًا وماديًا. ويجب على الأهل أن لا يجعلوا المهور عقبة أمام الزواج، فالمهر بركة لا مباهاة.
1) سورة النور، الآية: 32.
2) مستدرك الوسائل (للمحدث الشيخ حسين النوري) / المجلد: 14 / الصفحة: 154 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
3) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 103 / الصفحة: 221 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
4) سورة الروم / الآية: 21.
5) الأمالي (للشيخ الطوسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 39 / الناشر: دار الثقافة – قم / الطبعة: 1.
6) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 119 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
7) مناقب آل أبي طالب (لإبن شهرآشوب) / المجلد: 3 / الصفحة: 352 / الناشر: نشر العلامة – قم / الطبعة: 1.
8) موسوعة التاريخ الإسلامي (لليوسفي) / المجلد: 2 / الصفحة: 214 / الناشر: مجمع الفكر الإسلامي – قم / الطبعة:
التعلیقات