الآثار المترتبة على المنهج الإسلامي والوضعي ( ب ـ الآثار التربوية )
عبّاس الذهبي
منذ 9 سنواتمن المعلوم أن الهدف الأساس للتربية في الإسلام هو تأهيل الإنسان لكي يتمسّك بالقيم الدينية
، ويتحلى بالأخلاق الفاضلة ، وبالتالي يكون مسيطراً على نزواته وأهوائه النفسية من خلال أساليب تربوية عديدة ، كالتوجيه ، والموعظة النافعة ، واُسلوب القدوة ، والاُسوة الحسنة ، وأسلوب القصّة ، وما إلى ذلك من أساليب تصل في نهاية المطاف إلى اُسلوب العقوبة.
والملاحظ أنّ المنهج الإسلامي لم يكتفِ بالعقوبة المجرّدة لتقويم الانحراف ، بل يبحث عن الحلول العملية الناجعة لتطويق الجريمة ، يروي الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أُتي برجل عبث بذكره ، فضرب يده حتى احمرَّت ثمّ زوّجه من بيت المال » (1).
فلم يكتف الإمام عليه السلام هنا بالعقوبة المجرّدة كاسلوب تربوي نهائي ، بل أردفها بحلّ جذري ، وضع نهاية لهذه المشكلة الجنسية.
وفي نظرة مقارنة نجد أنّ الحضارة المادية تطلق العنان للانحرافات الجنسية إلى درجة الاسفاف والابتذال وبدلاً من إيجاد الحلول العملية لإعادة الاُمور إلى نصابها الصحيح والمحافظة على كيان الاُسرة ، نلاحظ أن الدوائر الغربية قد اتخذت حلولاً تكرّس هذا الانحراف وتضفي عليه الصفة القانونية وترضخ للإمر الواقع.
على أنّ الأكثر إثارة في هذا الصدد أنّ بعض جهات الكنيسة الكاثولوكية وتمشياً مع موجة الفساد التي عصفت بالعلاقات الاُسرية ، طلبت من المدرسين أن يسقطوا كلمتي ( أب وأُمّ ) من حديث الصفّ في المدارس أثناء مناداة الطلبة ، اعترافاً بالعدد المتزايد للعائلات المتألفة من أحد الأبوين فقط بحسب صحيفة « الاندبندت ».
وأضافت الصحيفة أنه بدل ذلك يجب أن يستخدم المدرسون كلمات مثل « الراشدون الذين يعيشون في منزلك أو الناس الذين يعتنون بك » وهذه اللغة جزء من المصطلحات الجديدة التي تستخدمها الكنيسة في أحدث برامجها التربوية للأطفال الذين هم بعمر خمس سنوات.
ونقلت الصحيفة عن أحد منظّمي الحملة قوله : ( في الماضي كان هناك أب وأمّ لكلِّ عائلة ، أمّا اليوم فلم نعد بحاجة لهذه الأسماء ) (2).
ونتيجة لحرمان الصبية والفتيان من أجواء العائلة الدافئة ، وبغية الهروب من الواقع أقبلوا على تناول المخدرات والمشروبات الكحولية ، ففي أمريكا بلد الحرية غير المحدودة ( أقبل الصبية الفتيان على احتساء الخمر ، وقال قضاة الأمريكيون : لم يعهد في تاريخ بلادنا هذه الكثرة الكاثرة من الصبيان المقبوض عليهم في حالة سكر ) (3).
وقد ثبت بالتجربة أن قاعدة « القدوة والاُسوة » التي تتمّ داخل الاُسرة هي أساس التربية : ( فالأطفال يأخذون بالتقليد والمحاكاة أكثر ممّا يأخذون بالنصح والارشاد ) (4).
يقول الكسيس كاريل في كتابه : « الإنسان ذلك المجهول » : ( لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبدال تدريب الاُسرة بالمدرسة استبدالاً تاماً ، وكذا ترك الاُمهات أطفالهن لدور الحضانة حتى يستطعن الانصراف إلى أعمالهن ومطامعهن ، إنهن مسؤولات عن اختفاء وحدة الاُسرة واجتماعاتها التي يتصل فيها الطفل بالكبار ، فيتعلم منهم أموراً كثيرة ؛ لأنّ الطفل يشكّل نشاطه الفسيولوجي والعقلي والعاطفي طبق القوالب الموجودة في محيطه ) (5).
فالمدارس التي تسير وفق المنهج الغربي لم تقدّم للناشئة الغذاء الفكري السليم ولم تطبعهم على السلوك القويم ، ولم توفّر لهم المناعة النفسية ضدّ الانحراف.
وبعد المدرسة تعمل وسائل الاعلام في الغرب على تشكيل وعي وثقافة الشباب فتشجّعهم على العنف والاجرام والجنس ، فهي تعلّم الحدث ـ ضمناً ـ كيف يسرق مصرفاً أو بيتاً أو كيف يقتل رجلاً ويخفي جريمته ، وكيف يتجسّس على عورات الناس ، وتعلّم الزوج ـ عملياً ـ كيف يخون زوجته وأولاده واُسرته!
ونتيجة لذلك برزت ظاهرة « عصابات الأحداث » التي أخذت تقلق الباحثين والمربين في الغرب ؛ لأن النسبة إجرامها في تصاعد مستمر ، وأسبابها كثيرة ، فإضافة لدور وسائل الاعلام ، لوحظ أن ضعف رقابة الآباء وتفكّك عرى الاُسرة نتيجة الافراط في الطلاق أو الهجر ، وكذلك رفقاء السوء ، إذ يظلّ الحدث دون موجّه ، فيتلقفه الشارع بشروره ، وفي غير هذه الحالات يلعب إدمان الآباء على الخمور والمخدّرات أقبح دور في دفع الأولاد نحو الجريمة.
وهكذا نصل إلى نتيجة يقينية هي أنّ المنهج المادي قد أفرز ظواهر سلبية انعكست على التربية ، ولم تقصر ثمارها المُرّة على الفرد ، بل امتدّت إلى المجتمع ، فهددت أمنه ومستقبل أجياله ، ومزّقت النسيج الاجتماعي الذي يربط أفراده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) وسائل الشيعة 18 : 574 / كتاب الحدود والتعزيرات.
2) اُنظر : مجلة المجتمع الكويتية ، العدد 1277 ، 25 رجب 1418 هـ.
3) خصائص الشريعة الإسلامية / د. عمر سليمان : 43.
4) التربية وبناء الاجيال / أنور الجندي : 168.
5) التربية وبناء الأجيال : 171.
التعلیقات