ستة أنواع من الأخلاق الحسنة التي ينبغي مراعاتها في المنزل
السيد حسين الهاشمي
منذ 4 أشهرمصاديق الأخلاق الحسنة في العائلة
الأول: المعاشرة بالمعروف
إن المعاشرة الحسنة والتي عبر عنها القرأن بـ﴿المعاشرة الحسنة﴾ مع الزوجة وأهل المنزل يؤثر في الحميمية بين أفراد العائلة ويوجب التقرب والتحبب بينهما بشكل عميق. فعلى كلّ شخص من أفراد العائلة خصوصا ربّ البيت أن يعاشر البقية بشكل حسن. وقد ورد في أهمية المعاشرة الحسنة في العائلة رواية عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: «إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصن» (4)، فهذه الرواية تدلّ بصراحة وجوب تحصيل الأخلاق الحسنة وخصلة المعاشرة الجميلة مع العائلة إن لم يكن للمرء هذه الخصلة.
الثاني: حسن الخلق
ورد في وصية من وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام: «يا علي إنه لا حسب كحسن الخلق... يا علي أحسن خلقك مع أهلك وجيرانك ومن تعاشر وتصاحب من الناس تكتب عند الله في الدرجات العلى» (5)، ففي الفقرة الأولى يشبّه النبي الأعظم الإنسان سيء الخلق كالإنسان الذي ليس لديه حسب ولانسب، فيبقى في جميع الأمور بلاصاحب وصديق ومعين. وفي الفقرة الثانية يوضح لنا الرسول الأعظم، أحدى الفوائد الأخروية لحسن الخلق وهي الصعود إلى الدرجات العالية عند الله تبارك وتعالى. وعن الإمام زين العابدين عليه السلام في حديث جميل قال: «أربَعٌ مَن كُنَّ فيهِ كَمُلَ إيمانُهُ، و مُحِّصَت عَنهُ ذُنوبُهُ، و لَقِيَ رَبَّهُ و هُوَ عَنهُ راضٍ: مَن وَفى للّهِ بِما جَعَلَ عَلى نَفسِهِ لِلنّاسِ، و صَدَقَ لِسانُهُ مَعَ النّاسِ، وَ استَحيا مِن كُلِّ قَبيحٍ عِندَ اللّهِ و عِندَ النّاسِ، و حَسَّنَ خُلُقَهُ مَعَ أهلِهِ» (6).
الثالث: حسن التبعل
من أهم الموارد التي تغفل عنها النساء في العائلة هي حسن التبعل. فالنساء في العصر الحالي يهتمن بالأمور الكثيرة في البيت وفي خارجها إلا أنهن غالبا غافلات عن المواظبة على زوجهن والرفق معه. مع أنه ورد في رواية عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: «جِهادُ المَرأَةِ حُسنُ التَّبَعُّلِ» (7)، ولحسن التبعل فوائد معنوية وأخروية كثيرة للنساء المؤمنات. فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «ما مِنِ امرَأَةٍ تَسقي زَوجَها شَربَةَ ماءٍ، إلّا كانَ خَيرا لَها مِن سَنَةٍ صِيامِ نَهارِها و قِيامِ لَيلِها، و بَنى اللّهُ لَها بِكُلِّ شَربَةٍ تَسقي زَوجَها مَدينَةً فِي الجَنَّةِ، و غَفَرَلَها سِتّينَ خَطيئَةً» (8)، وعنه صلى الله عليه وآله: «ما مِنِ امرَأَةٍ تَكسو زَوجَها إلّا كَساهَا اللّهُ يَومَ القِيامَةِ سَبعينَ خِلعَةً مِنَ الجَنَّةِ، كُلُّ خِلعَةٍ مِنها مِثلُ شَقائِقِ النُّعمانِ وَ الرَّيحانِ، و تُعطى يَومَ القِيامَةِ أربَعينَ جارِيَةً تَخدِمُها مِنَ الحورِ العينِ» (9)
الرابع: اللطف والمراعاة مع العائلة
اللطف هو الرفق والمداراة مع الآخرين. فاللطف في اللغة معناه: « البر وجميل الفعل من قولك فلان يبرني ويلطفني ويسمى الله تعالى لطيفا من هذا الوجه أيضا لانه يواصل نعمه إلى عباده» (10) . وقد ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أحسَنُ النّاسِ إيمانا أحسَنُهُم خُلُقا و ألطَفُهُم بِأَهلِهِ، و أنا ألطَفُكُم بِأَهلي« (11).
الخامس: الإحسان إلى الأهل
الإحسان إلى العائلة والأهل يوجب التقرب إلى العائلة في المرتبة الأولى وأيضا يوجب التقرب إلى الله تبارك وتعالى والنيل بالمقامات العالية في المرتبة الثانية. فقد ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: « عِيالُ الرِّجُلِ اسَراؤُهُ، و أحَبُّ العِبادِ إلَى اللّهِ عَزَّ و جَلَّ أحسَنُهُم صُنعا إلى اسَرائِهِ» (12)، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: « أكمَلُ المُؤمِنينَ إيمانا أحسَنُهُم خُلُقا، و خِيارُكُم خِيارُكُم لِنِسائِهِم خُلُقا» (13)، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: « اتَّقُوا اللّهَ فِي الضَّعيفَينِ يَعني بِذلِكَ اليَتيمَ وَ النِّساءَ» (14)، وقد روى جابر بن عبد الله الأنصاري: « قالَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله: أ لا اخبِرُكُم بِخَيرِ رِجالِكُم؟ قُلنا: بَلى يا رَسولَ اللّهِ. قالَ: إنَّ مِن خَيرِ رِجالِكُمُ التَّقِيَّ، النَّقِيَّ، السَّمحَ الكَفَّينِ، النَّقِيَّ الطَّرَفَينِ، البَرَّ بِوالِدَيهِ، و لا يُلجِئُ عِيالَهُ إلى غَيرِهِ« (15).
السادس: إكرام الزوجة والعيال
الزوجة في البيت تحتاج إلى أن يكرمها زوجها في خلوتها وأمام الأطفال، ويجب أن تُحفظ كرامة الزوجة حتى تصير الحياة جميلة وحنونة. وقال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المقام: « مَنِ اتَّخَذَ زَوجَةً فَليُكرِمها» (16)، وقال الإمام الصادق عليه السلام: « رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ زَوْجَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ مَلَّكَهُ نَاصِيَتَهَا وَ جَعَلَهُ الْقَيِّمَ عَلَيْهَا» (17)، وكذلك يحتاج الزوج إلى الإكرام وحفظ كرامته في البيت لأن هذا يحفظ هيبته واحترامه في المنزل. فقد قال الإمام الصادق عليه السلام: « ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها أو تغمه، وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه وتطيعه في جميع أحواله» (18).
سوء التصرف مع العائلة يوجب عذاب القبر
روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: «أُتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقيل له: إنّ سعد بن معاذ قد مات. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعدٍ، وهو قائم على عضادة الباب، فلمّا أن حُنِّط وكُفِّن وحُمل على سريره، تبعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا حذاء ولا رداء، ثمّ كان يأخذ يمنة السرير مرّة، ويسرة السرير مرّة، حتّى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى لحده، وسوَّى اللِّبن عليه، وجعل يقول: ناولوني حجرًا، ناولوني ترابًا وطينًا، يسدّ به ما بين اللِّبن، فلمّا أن فرغ وحثا التراب عليه، وسوىَّ قبره، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّي لأعلم أنّه سيُبلى، ويصل البلى إليه، ولكنَّ الله يحبّ عبدًا إذا عمل عملاً أحكمه. فلمّا أن سوّى التربة عليه، قالت أمّ سعد: يا سعد، هنيئًا لك الجنّة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أمّ سعد، مه، لا تجزمي على ربّك، فإنّ سعدًا قد أصابته ضمّة. فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورجع الناس، فقالوا له: يا رسول الله، لقد رأيناك صنعتَ على سعدٍ ما لم تصنعه على أحد، إنّك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء، فتأسّيت بها، قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرّة، ويسرة السرير مرّة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: كانت يدي في يد جبرئيل عليه السلام، آخذ حيث يأخذ. قالوا: أمرت بغسله، وصلَّيت على جنازته، ولحدته في قبره، ثمّ قلت: إنّ سعدًا قد أصابته ضمّة؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، إنّه كان في خُلُقه مع أهله سوء» (19).
كانت هذه جملة من الأخلاق الكريمة والحسنة التي يجب على أفراد العائلة المواظبة عليها. وسنكملها في المقالة الثانية، إن شاء الله تبارك وتعالى.
1) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 16 / الصفحة: 210 / الناشر: مؤسسة الوفاء – قم / الطبعة: 2.
2) سورة الأحزاب / الآية: 21.
3) سورة النساء / الآية: 19.
4) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 322 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
5) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 77 / الصفحة: 69 / الناشر: مؤسسة الوفاء – قم / الطبعة: 2.
6) الأمالي (للشيخ المفيد) / المجلد: 1 / الصفحة: 299 / الناشر: جماعة المدرسين – قم / الطبعة: 1.
7) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 4 / الصفحة: 416 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
8) وسائل الشيعة (للشيخ حر العاملي) / المجلد: 14 / الصفحة: 123 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
9) مستدرك الوسائل (للشيخ حسين النوري) / المجلد: 14 / الصفحة: 245 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 2.
10) الفروق اللغوية (لأبي هلال العسكري) / المجلد: 1 / الصفحة: 465 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
11) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 71 / الصفحة: 387 / الناشر: مؤسسة الوفاء – قم / الطبعة: 2.
12) وسائل الشيعة (للشيخ حر العاملي) / المجلد: 14 / الصفحة: 122 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
13) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 103 / الصفحة: 226 / الناشر: مؤسسة الوفاء – قم / الطبعة: 2.
14) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 392 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
15) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 2 / الصفحة: 57 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
16) مستدرك الوسائل (للشيخ حسين النوري) / المجلد: 1 / الصفحة: 412 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 2.
17) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 443 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
18) وسائل الشيعة (للشيخ حر العاملي) / المجلد: 11 / الصفحة: 519 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
19) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 468 / الناشر: مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات