من يبخل فإنما يبخلُ عن نفسهِ
عزّ الدين بحر العلوم
منذ 9 سنواتمن التشويق إلى الإنفاق ينتقل القرآن الكريم إلى الطريق الثاني في سلوكه مع الذين
لا ينفقون من أموالهم في سبيل الله وبه يتوخى أن يستنهض هممهم لهذا المشروع الإجتماعي الحياتي ، وهو الإحسان بالبذل.
والآيات في هذا الخصوص تبدأ بفتح حوار مع الموسرين ومُناقشتهم في عدم استجابتهم لنداء الضمير ، وإسعاف المعوزين وتنبيههم إلى أن ذلك لا يضر بالله وإنما تعود آثاره وخلفياته السيئة على أنفسهم ، وعليهم أن يتبدروا حالهم ما دامت الفرصة مواتية وقبل أن يبعد الزورق عن الساحل وبذلك يتلاشى الضوء الأخضر ، وحينئذ فلا ينفع الندم.
( ها أنتم هؤلاء تُدعون لتنفقوا في سبيلِ الله فمنكم من يبخَلُ ومن يبخل فإنما يبخلُ عن نفسهِ والله الغنيُ وأنتم الفقراءُ ) (١).
حوار هادئ يتضمن مناقشة دقيقة يجريه الله مع من يشح على نفسه يمنعها من فعل الخير فلا يساعد من هو في حاجة إلى المساعدة.
( ها أنتم هؤلاء تُدعونَ لِتُنفقوا في سبيلِ الله )
من خلال هذا المقطع تتجلى روعة الحوار في تعبير الآية بقوله ( تدعون ) ولم يقل ليفرض عليكم ، يكلفكم ، أو يأمركم ، وما شاكل من هذا النوع من العبارات التي تدل على الاستعلاء ، بل افتتح الله وهو العالي الحوار معهم بهذه الدعوة المفتوحة والأسلوب الهادئ الرقيق وبدلاً من أن تكون التلبية لهذه الدعوة بالإيجاب والإسراع لكسب الخير ونيل الجزاء فإن الاستجابة منهم كانت عكسية ، وإذا بالواقع العملي لتلك الدعوة يتضح من خلال الفقرة التالية :
( فمنكم من يبخلُ ) :
ومن خلال بخله يتوقف عن تلبية هذه الدعوة الخيرة بجمع الشمل وبث روح التعاون بين الجميع.
***************************
(١) سورة محمد / آية : ٣٨.
التعلیقات