صفات القدوة الصالحة
موقع فاطمة
منذ 8 سنواتبسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
حتى تكون القدوة صالحة، ويمكن تسميتها كذلك، لابدّ من:
1- إقتران القول والعمل:
فالقدوة الصالحة تقول خيراً وتعمل خيراً، فلا تجد تناقضاً بين منطقها وسلوكها، ولذلك كان الأنبياء والأئمة – عليهم السلام – والأولياء قدوات صالحة لأنّك تجد اندغاماً وانسجاماً واضحاً بين ما يقولون وبين ما يجسّدون من تلك الأقوال، وهذا ما دعا القرآن إلى اعتبار التناقض أمراً ممقوتاً عند الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 2-3).
2- حيازة مؤهلات وصفات مؤثرة:
فلكي يكون شخصٌ قدوة لغيره لابدّ أن يمتاز عليه بسمة أو سمات عديدة يفتقدها المقتدي أو بعضها، فيسعى للسير على منوال القدوة من أجل اكتساب مثل ما لديه من مؤهلات وصفات حميدة.
وكلّما كانت القدوة حائزة على مؤهلات أكبر، كانت قوّة الدفع أكبر، ولذا يُنصح الشبان والفتيات بعدم حصر قدواتهم في النماذج المحدودة وإنّما الانطلاق نحو القمم، ولذلك قال الشاعر:
ومَنْ يتهيّب صعودَ الجبال *** يعش أبدَ الدَهرِ بينَ الحفر
3- الثبات على المبادئ:
القدوة الصالحة ليست قدوة موسمية تؤثر لبعض الوقت أو في أماكن محدّدة، إنما هي ذات تأثير وجاذبية أينما حلّت وارتحلت (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ) (مريم/ 31)، فالثبات يعطي الانطباع عن الصدق والصبر والتحدي والإيمان العميق بالمبادئ التي يحملها القدوة، بعكس التذبذب أو التردد أو التراجع أو التساقط.
إنّ الإنسان الشاب أو الفتاة قد ينهار تحت الضغوطات لكنّه إذا تذكر الثابتين الصامدين، المقاومين في عناد، خجل من نفسه واتّكأ على جراحه، وواصل المسير.
4- العمل على السجيّة وعدم التكلّف:
كلّما كانت القدوة تتصرّف بوحي من ثقتها بنفسها وإيمانها، وعلى سجيّتها دونما تصنّع ولا تكلّف ولا تمثيل، شدّ ذلك الأنظار إليها. فالقول الحسن لدى القدوة يطفح كما الماء من الينبوع بعفوية وتلقائية، والفعل الحسن يصدر عنها كما يصدر الشعاع عن الشمس والعطر من الوردة ذاتها.
إنّ الوردة لو أرادت أن تتعطّر بعطر غير عطرها فلربّما فاح ذلك العطر مؤقتاً لكنّه لا يمثل أنفاس الوردة العاطرة، وإنّما هو شيء طارئ ودخيل عليها. وكذلك القدوة ففعلها وقولها ليس طارئاً وإنّما هو من شمائلها.
والنفس الإنسانية ميّالة بطبعها إلى الإنسان الصادق مع نفسه ومع الآخرين، والذي يتصرّف بنقاء شبيه بنقاء الماء والشعاع والعطر، وهذا هو السبب الذي يجعل بعض الناس يؤثر فيك من غير أن يتكلّم معك، فسلوكه وحده قدوة، وهو السبب ذاته الذي يجعل الإمام جعفر الصادق (ع) يقول: "كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم، حتى يروا منكم الصدق والصلاح والورع، فذلك داعية".
وقد ثبت تربوياً أنّ (التربية غير المباشرة) العملية، أكثر تأثيراً من (التربية غير المباشرة) القولية.
5- آمرة مؤتمرة.. ناهية منتهية:
وهذا هو التطابق بين الإيمان وبين العمل، فحتى تؤتي القدوة تأثيرها، لابدّ أن تعمل بما تأمر به، حتى إذا رأى المؤتمرون فعلها بما تأمر صدّقوها وأخذوا بأوامرها.
كما لابدّ أن تنتهي عمّا تنهى عنه من شر أو منكر أو سوء أو خبث أو بذاءة، فإذا لم يلحظ المنتهون ذلك، أو رأوا عكسه وبخلافه، عابوها وانتقصوا من قدرها وسخروا منها، وفي ذلك يقول الشاعر:
لا تنهَ عن خلقٍ وتأتي مثله *** عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ
ولو راجعت قصص القدوات الصالحة لرأيت هذا الشرط واضحاً في سلوكهم فكانوا لا يأمرون بشيء حتى يسبقوا الناس إلى العمل به، ولا ينهون عن شيء إلّا ويسبقون الناس أيضاً بالإمتناع عنه.
6- تعترف بالخطأ وتسعى لتصحيحه:
القدوة قدوتان.
قدوة معصومة لا يتطرّق الخطأ إلى أقوالها وأفعالها، كما هم الأنبياء والأئمة – عليهم السلام – الذين يشبههم البعض بالشموس الساطعة التي كلّها نور، ولأنّ المراد منها أن تنير عقول الناس وقلوبهم وحياتهم، فلا يصحّ أن يكون هناك شيء من الظلمة ولو قليلا.
وهناك قدوة غير معصومة، قد يصدر عنها الخطأ لكنّا تسارع إلى معالجته وتفاديه والاعتراف به وعدم الإصرار عليه أو تكراره مستقبلاً، وبذلك تكون قدوة حتى في صراحتها وشفافيتها، وفي سعيها إلى تصحيح ما تقع به من أخطاء.
إنّ المتقين، وهم قدوات صالحة، يقعون في الخطأ أحياناً لكنّ ميزتهم عن سواهم، أن سواهم تأخذه العزّة بالإثم فيكابر ويحاور ويناور لئلّا يقال عنه أنّه أخطأ، فيما يؤوب المتقي إلى ربّه ويثوب سريعاً إلى رشده (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف/ 201).
و(طائف الشيطان) هو الخواطر الخبيثة والشريرة التي تخطر على بال الإنسان، لكنّه بما أوتي من قدرة إيمانية تصحيحية، يعمل على طرد تلك الوساوس والتسويلات والخواطر، ليعود إلى سابق عهده ونقائه، كالنهر تتساقط بعض الشوائب لتلوثه لكنّه سرعان ما يعود إلى صفائه من جديد.
مبدأ التخزين[1]:
مبدأ التخزين أو الإختزان يقوم أساساً على فكرة أنّ الإنسان يطلع في قراءاته لسير الشخصيات العظيمة ومواقفها وبطولاتها على مادة تثقيفية ضخمة، وهذه المادة تؤثر في وعي الإنسان تأثيراً بليغاً، لأنّ الإنسان كما ذكرنا يميل بطبعه إلى البطولة والتفوّق وتحدي الصعاب، وكلّما التقى في طريق ثقافته بشخصية مرموقة أو نابعة أو ذات إرادة صلبة تمنّى لو كان مثلها، بل ويعمل أحياناً على الإقتداء بها.
ويمكن تشبيه هذه المواد الثقافية، أو هذه الصورة المشرقة المدخرة بالطعام الذي يتناوله الإنسان، فهو إنّما يتغذّى لكي يستطيع الحصول على الطاقة المناسبة للقيام بأعماله. وكذلك شأن التخزين فأنت حينما تتذكّر صورة رسول الله (ص) وقد عرضت عليه قريش أن يكون أكثرها مالاً، أو أن يتوّج ملكاً عليها، من أجل أن يترك دين الإسلام الذي جاء به من عند الله إليهم، وتقفز إلى ذهنك صورته (ص) وهو يخاطب عمّه أبا طالب الذي جاءه بعرض قريش: "يا عمّ! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه". ماذا يحصل لديك؟
إنّ صورة النبي (ص) الرافض، الأبيّ، المتشدّد في موقف الثبات على الحقّ ليست صورة عادية، إنّها صورة مؤثرة تخاطب العقل والوجدان فيفسحا لها المجال لتأخذ مكانها منهما.
وحينما يعترضك موقف مماثل أو قريب من هذا الموقف، حينما تُخير بين (حبّ الدنيا) وبين (حبّ الله) أو بين (المال) وبين (رضا الله) فتختار الثاني لأنّك تستحضر كلّ الصور التي اختزنتها عن الاُباة والمقاومين والرافضين العروض المغرية، فتستمد منهم قوّة تضيفها إلى ما في قلبك من إيمان، فإنّك بذلك اتّخذت من أولئك الذين استحضرتهم قدوة، وإن كانوا في صفحات التأريخ.
التعلیقات