المرأة في فكر أمير المؤمنين (ع)
موقع وارث
منذ 7 سنواتالمؤلف : الشيخ عباس امين حرب العاملي
الكتاب أو المصدر : الحياة الزوجية السعيدة
الجزء والصفحة : ص85-
91
لا تختلف نظرة امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) الى المرأة ، عن نظرة الاسلام اليها... فالمرأة والرجل، (كجسد) يختلفان فيسيولوجيا، ولكنهما (كروح) لا اختلاف بينهما، وكل ما يمكن ان يعتبر مختلفا بينهما في الاحكام ، فإنما هو من نوع الاختصاص فكما يميز اداريا في نوعية الاختصاصات بين الافراد كذلك يميز بين الرجل والمرأة في نوعية اختصاص كل واحد منها ، ليس اكثر. من هنا : فالمرأة لها الحق ان تدخل كل مجال ، بل يجب عليها ان تدخل كل مجال ، وتساهم في صناعة الاحداث ، ولكن مع ملاحظة : (الحالة الخاصة) التي تعيشها.. فالرجل يتحمل مسؤوليته الاجتماعية.. وكذلك المرأة الصالحة.. وليس اي واحد منهما اقل مسئولية من الاخر، ان المجتمع كل لا يتجزأ والمرأة جزء من هذا المجتمع، وكل مسئول عن اي انحراف، لا احد من الجنسين يجوز له ان يتملص من مسئولية وجود الظلم، والطغيان، والطبقية، والطائفية، والاقطاع، والاحتكار والفقر، لا احد مهما يجوز له ان يظلم حق الطرف الاخر .
1ـ القران والوصية :
يقول الله تبارك وتعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]، ويقول الله تبارك وتعالى :{أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}[آل عمران: 195] ، وكفل الاسلام للمرأة حقوقها :{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: 228]، وهذا حق الانسانية العام الذي يكفله الاسلام .
ان حقوق المرأة كثيرة منها مثلا :
اولا : حق العشرة الحسنة :{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء: 19] .
ثانيا : حق اختيار الزوج ، والحصانة :{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33].
ثالثا : حق الملكية الخاصة : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19] ، {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] .
رابعا : حق العمل ، والتكسب :{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32] .
خامسا : حق الثواب : {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124] .
اما الوصايا التي وردت في شان تكريم المرأة ، فهي كثيرة جدا .
2- الرسول والوصية :
فللرجل حقوق وعليه واجبات ، وللمرأة حقوق وعليها واجبات ، وواجبات الرجل تجاه المرأة ، اكثر من واجبات المرأة تجاه الرجل .. لانن المرأة هي العنصر الاضعف ، والاسلام يراعي حقوق الضعفاء الى درجة التقديس لهم .. يقول سيد المرسلين رسول رب العالمين محمد(صلى الله عليه واله وسلم) اوصيكم بالضعيفين : المرأة واليتيم !)(1) ، ان النظرة الشاملة للإسلام عن المرأة ، ترفع المرأة الى مستوى واحد معع الرجل ، في انها هدف الخلق .. وان الله عز وجل يرسل رسله لها ، وجنته لها ، والارض والشمس والقمر والنجوم لها ، والحياة لها ،، والجنة تحت اقدامها ، يقول رسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ما اكرم النساء الا كريم ، ولا اهانهن الا لئيم)(2)، ويقولل ايضا(صلى الله عليه واله وسلم) خيركم خيركم لنسائه ، وانا خيركم لنسائي)(3) ، ويقول ايضا (صلى الله عليه واله وسلم)المرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة)(4) .
3- الاسلام يدافع عن المرأة :
الدين الاسلامي الحنيف هو المدافع الاول عن المرأة ويهاجم الذين كانوا يفضلون الرجل على المرأة ، ويستبشرون بالولد بينما يتشاءمون من الانثى ، يقول تبارك وتعالى :{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ}[النحل: 58، 59]، هذا هو راي الدين الاسلامي الحنيف في المرأة .. فما هو راي وصي خير المرسلين الامام علي (عليه السلام) ؟ بالطبع لا فارق بينهما.. فالإمام (القائد الاسلامي العظيم) وهو يجسد في كلماته، ومواقفه، ووصاياه ما يقوله دين الاسلام الحنيف، ويراه ويأمره به.. واليك ايها القارئ الكريم بعض وصايا الامام (عليه السلام) ومواقفه :
1ـ بدأ امير المؤمنين الهجرة مع مجموعة من النساء، هن : فاطمة بنت اسد امه، وفاطمة بنت الزبير ابن عبد المطلب، وفي الطريق الشاق المحفوف بالأخطار والمليء بالمتاعب، كان الامام يقود القافلة، ويعترض الفوارس الذين يحاولون الاقتراب منها ويشتتهم ، بينما كان عمره لا يتجاوز الخامسة والعشرين، وعندما حث احد الذين كانوا مع القافلة النساء بالسير المضني، دعاه الامام (عليه السلام) الى التمهل دون ان يبالي بالخطر رفقا بهن وخشية عليهن من ارهاق الطريق، واعتمادا على مقدرته في منازلة العدو اذا ما راودته فكرة الاعتداء، وهكذا وضع امير المؤمنين (عليه السلام) نفسه كرأس حربة دفاعا عن المرأة منذ بداية الهجرة .
2- وحينها طلب يد السيدة فاطمة ، طلبها كأنبل فتاة لم يدخل في نفسه الا شجاعة فاطمة ، وعفة فاطمة ، وايمان فاطمة ونفسية فاطمة ام ابيها ... ولذلك تزوجها بمهر بسيط لا يتجاوز الاربعمائة مثقال فضة ، وببساطة متناهية تحمل كل القيم التعليمية للإنسان يقبض الرسول الاعظم قبضته ويعطيها لمؤذنه ليشتري بها طيبا ، ويقبض قبضة اخرى ، لشخص اخر ليشتري ما هو مناسب من الثياب واساس البيت ، وقبضة اخرى لام ايمن من اجل متاع ضروري ، والباقي لام سلمة لتحتفظ به للحاجة ... اما جهاز فاطمة كله فكان متواضعا ، لان روح الحاكمة في هذا البيت ، هي روح التواضع ، وروح المحبة ، وروح الاحترام المتبادل بين الرجل والمرأة .. كلاهما يعرف مسئوليته وكلاهما يتحملها ، فلا مشاكل .. ولا نزاع ! لانهما ليس شخصين عاديين وعقولهما فوق مستوى عقول البشر ..
3- نالت المرأة في عهد امير المؤمنين (عليه السلام) كامل حقوقها وحريتها الانسانية المشروعة، وكامل كرامتها ولم يذكر التاريخ حادثة واحدة اهان فيها الامام المرأة.. حتى عداوته، فهذه السيدة عائشة تؤلب عليه الرجال، وتدخل معه في حروب ضروس وعندما ينتصر عليها، اقترب من هودجها الذي سقط على الارض ، ويقول لها: كيف انت يا اماه ؟ فتقول: بخير، فيقول: يغفر الله لك !! ثم يجهزها بكل ما يحتاج اليه من مركب، وزاد ، ومتاع ويأذن لمن كان برفقتها الرحيل معها ، ويختار اربعين امرأة من نساء اهل البصرة ، والبسهن العمائم كالرجال وسلحهن ثم قال للقائد الخالد محمد بن ابي بكر تجهز يا محمد فبلغها ! فلما كان اليوم الذي ترحل فيه جاءها حتى وقف لها ، وحضر الناس ، فودعها الامام وسار معها عدة اميال ! وظنت السيدة عائشة ان مرافقاته من الرجال ، فأهاجها منظرهن ، فكانت تقول غاضبة : ( هتك علي ابن ابي طالب ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي ... ) (5)
فلما وصلت الى المدينة القت النساء عمائمهن وقلن لها : انما نحن نسوة ! .
4- وعندما انتهت معركة الجمل ( 36هـ 656م ) قام اهل نيسابور بزعامة بنت لكسرى، واعلنوا العصيان على حكم الامام علي (عليه السلام) ، فزحف اليهم عامل الامام على خرسان، واسمه خليد ابن كاس واستطاع ان يخمد العصيان ، واسر بعض الاسرى وكانت بنت كسرى واحدة من الاسيرات ... وبعث خليد بها الى الامام علي (عليه السلام) في الكوفة ، وكانت اجمل جميلات قومها على الاطلاق ، فرحب بها الامام واكرمها ، ثم عرض عليها ان يزوجها لابنه الامام الحسن (عليه السلام) فلم تقبل ، وقالت : فان ان احببت رضيت بك ! فقال لها الامام وهو يوجهها الى مصلحتها المستقبلية اني شيخ ، ورفض الزواج منها ، لأنه شيخ كبير السن ، وهي لا زالت شابة !
وكان حاضرا هذا الحوار رجل من قواد الفرس السابقين ، الذين دخلوا الطاعة يسمى (نرمي) فقال للإمام : يا امير المؤمنين : قد بلغك اني من سنخ المملكة، وانا من قرابتها فزوجنيها، فرفض الامام ان يجبرها على ذلك قائلا: هي املك لنفسها ، ثم قال لها : انطلقي حيث شئت وانكحي من احببت لا باس عليك ! (6) .
4- الامام والوصية :
اما كلماته عن المرأة فمنها وصيته لابنه الامام الحسن (عليه السلام) : (ان المرأة ريحانة ، وليست بقهرمانة ، فإياك والتغاير في غير موضع غيرة ، فان ذلك يدعو الصحيحة الى السقيم ، والبريئة الى الريب !)(7) ، ومنها وصية لجنوده قبيل الدخول في المعركة: ( لا تقاتلوا القومم حتى يبدأوكم ، فأنكم بحمد الله على حجة ، وكفكم عنهم حتى يبدأوكم حجة اخرى ، واذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح ، واذا هزمتموهمم فلا تتبعوا مدبرا ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، واذا وصلتم الى رحال القوم ، فلا تهتكوا سترا ، ولا تدخلوا دارا ، ولا تأخذوا من اموالهم شيئا ، ولا يهيجوا امرأة باذي ، وان شتمن اعراضكم وسببن امرائكم وصلحائكم فأنهن ضعاف القوى والانفس والعقول ، لقد كنا نؤمر بالكف عنهن وانهن لمشركات ، وان كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة والجريدة ، فيعبر بها هو وعقبه من بعده .. (8) ، كما قال سيد الوصيين الامام علي (عليه السلام) عن المرأة : ( خيار خصال المرأة ، شرار خصال الرجل : الزهو ، والجبن والبخل .. فان كانت المرأة مزهوة لم تكن من نفسها واذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها ، واذا كانت جبانة فرقت من كل شيء يعرض لها ) (9) ، ذلك هو موقف الامام من المرأة ... وتلك بعض كلماته فيها .
________________
1ـ اصول الكافي ج1 ص188 .
2- نفس المصدر .
3- نفس المصدر.
4- نفس المصدر .
5- تاريخ دمشق ترجمة علي بن ابي طالب ج 2 بحار الانوار ج 77 ص 144 .
6- تاريخ دمشق ترجمة علي بن ابي طالب ج 2 ص122 بحار الانوار ج 77 ص 144 .
7- تاريخ الطبري ج2 ص177 .
8- اسد الغابة ج1 ص 180 ترجمة بسر بن أرطأة – الاستيعاب ج1 ص 161 – الغارات ج2 ص 914 .
9- نهج البلاغة – شرح ابن ابي حديد ج1 ص244 .
التعلیقات